إبداعات الهلال| «أذهب عائدًا».. قصة قصيرة لـ مصطفى رشوان
تنشر بوابة دار الهلال، ضمن باب "إبداعات" قصة "أذهب عائدًا" للكاتب الشاب مصطفى رشوان، وذلك إيمانا من مؤسسة الهلال العريقة بقيمة الأدب والثقافة ولدعم المواهب الأدبية الشابة وفتح نافذة حرة أمامهم لنشر إبداعاتهم.
قصة أذهب عائدًا
لعلَّ وقفتي أمام الباب كادت أن تطول للأبد لو لم أنطق بكلمة، أطرق الباب ثلاث طرقات.. استقبلتني في المدخل بابتسامة متسائلة تَسُدُّ بجسمها فرجة الباب الضيق صامتة في انتظاري أن أتحدث قلت:
_السلام عليكم.
فردت عليَّ السلام بتساؤل من عينيها الضيقتين
- ممكن أدخل؟
اعتذرت في حرج وأفسحت أمامي الطريق، صرت أتوقع أمورًا كهذه؛ فلم أرتبك، وضعت حقيبتي بجوار الباب وجلست على أقرب مقاعد الصالون لم أنحنِ حتي لخلع حذائي كما اعتدت فور دخولي.
تسألني
-حضرتك...؟
-آه أنا اسمي عمار، ضغطت علي مخارج الحروف كأنني أؤكد الاسم
-أهلا وسهلاً، أنا منال
ثم جلست في صمت تحدق في صورة علي المنضدة بيننا بنظرة خاوية فيما تتفحصه جاهدة ليبدو طبيعيا، عيناها تدوران بشكل مريب تارة، وعشوائي تارة أخري وأحاول أن أظهر آداب الضيوف ونظراتهم، الحذاء يؤلم قدمي قليلا، لكن أحاول أن أتجاهل هذا الألم وأركز فقط في جلستي، رفعت رأسها حولي تسألني:
-حضرتك من الضيوف مش كده؟!
-إنتِ مستنية ضيوف النهاردا؟
-آه ضيوف على العشا، بس لسَّا ماحدش منهم جه غير حضرتك، أكيد في حاجة منعتهم.
نَظَرْتُ إلي ثيابها، كانت ترتدي فستانًا من الستان الأسود وشالاً مشغولاً بنقوشات وردية اللون، ويلف حول كتفيها في رقة بالغة، فكرت ربما أنها تنتظر ضيوف بالفعل، لايهمني كثيرًا إن كانت تنتظر ضيوفاً أم لا؛ كل ماشغل بالي كم إن هذا الفستان دائما يظهر جمالها كجميلات السينما الإسبانية.
ثم نهضت فجأة وقالت:
-أنا هأعمل فنجان قهوة، أعمل لك معايا ولا تشرب عصير؟ عندي عصير (كرز) جاي لي من روسيا أظن إنه هيعجبك جداً.
ارتبكت لوهلة ثم قلت:
-طيب ممكن قهوة مظبوط
اتجهت للمطبخ وعيناها كادت أن تلمس الأرض بحركة آلية
نظرت نظرة عامة في أروقة الشقة، يبدو أنها أعادت ترتيب الأثاث بوضع مختلف أفضل من ذي قبل، نظرت بطرف عيني فلمحت صورة الزفاف التي تجمعنا معاً معلقة علي حائط الممر الواصل إلي إحدي الغرف، وجوارها صورة طفل يتوسطنا يبدو على وجهه ابتسامة واضحة.
رجعت من المطبخ تحمل صينية مستديرة وفوقها فنجانان من القهوة، وضعتها علي المنضدة وبدأت تحكي لي بعض الأحلام التي ترهقها الفترة الأخيرة، للحظة شعرت برغبة في أن أمد يدي لأخترق هذا الحاجز الذي يحول بين ذاكرتها وبيني، حاولت السيطرة على انفعالي.
رفعت فنجان قهوتي دفعة واحدة ونهضت واقفا:
-أنا هاستأذن
-لسَّا بدري!
-معلش كده أحسن عشان خاطر تنامي
نهضت في تسليم وقادتني إلى الباب وقالت بنبرة مجاملة:
-هتزورنا تاني، مش كدا؟
-إن شاء الله.
كانت تلوح لي مودعة بينما أهبط على السلم، قدّر الأمر أن يحتاج إلي نصف ساعة حتي تغرق تماماً في النوم، ثم أعود لأفتح الباب ولأنسّل بجوارها، في هذا الوقت المتأخر.