أنيس منصور.. ظاهرة أدبية تجاوزت حدود مصر
لم يقتصر دوره على كونه كاتبًا صحفيًا كبيرًا فحسب، بل تعدى ذلك، فقد كان موسوعة بشرية متنقلة، شكل من خلالها ظاهرة وحالة فكرية وأدبية خاصة في الكتابة والصحافة ليس في مصر فقط بل والوطن العربي كله، تجاوز كونه مجرد كاتبًا صحفيًا كبيرًا ومرموقًأ، بل كان فيلسوفًا ومفكرًا مبدعًا متعدد المواهب، ومواطنًا عالميًا، منفتحًا على ثقافات العالم المختلفة في سن مبكرة ودون أن ينسى جذوره المصرية، فهو ظاهرة أدبية تجاوزت حدود مصر، إنه الأديب أنيس منصور.
يعد الأديب أنيس منصور أحد أهم الشخصيات الأدبية في العالم العربي، فقد كان رائدًا الصحافة والأدب، اشتهر بكتاباته الفلسفية، وعرف بأسلوبه السلس والعميق، الذي دمج بين الفلسفة والأدب بقدرة فائقة، تنوعت أعماله ما بين الرواية والمقالة والفكر الفلسفي، مما جعله واحدًا من أكثر الكُتاب تأثيرًا في عصره، كانت كتاباته مليئة بالتأملات الفلسفية والرحلات الاستكشافية والتفسيرات الثقافية التي حفّزت القراء على التفكير والتساؤل.
أسهمت كتاباته في تشكيل وعي الأجيال وصقل رؤيتهم للحياة والوجود، معبرةً عن عقلية نقدية متميزة ورؤية فلسفية عميقة، تلامس الروح وتفتح الأفق، وإلى جانب كونه أديبًا مرموقًا، كان أيًضا صحفيًّا بارزًا، وترأس العديد من الصحف والمجلات.
ولد أنيس منصور في 18 أغسطس 1924 في إحدى قرى محافظة الدقهلية، التي تقع في شرق دلتا النيل في مصر، حفظ القرآن كله في سن التاسعة لدى كتاب القرية، وشارك العديد من الحكايات عن تلك الفترة في كتابه «عاشوا في حياتي»، كما كان يحفظ آلاف الأبيات من الشعر العربي والأجنبي.
استكمل أنيس منصور دراسته الثانوية في مدينة المنصورة، حيث تميز بحصوله على المركز الأول بين كل طلبة مصر حينها، وكان ذلك استكمالاً لتفوقه في صغره، حيث اشتهر بالنباهة والتفكير المنطقي السليم.
التحق منصور بكلية الآداب في جامعة القاهرة بناءً على رغبته الشخصية، واختار قسم الفلسفة الذي تفوق فيه، وحصل على الليسانس في اآداب عام 1947، وعمل كأستاذ في القسم ذاته بجامعة عين شمس، حيث عمل مدرسا للفلسفة الحديثة من عام 1954 حتى عام 1963، وعاد للتدريس مرة أخرى عام 1975.
تفرغ أنيس منصور بعد ذلك للكتابة والعمل الصحفي في مؤسسة أخبار اليوم، وكرس جهده للإبداع الأدبي بجميع أشكاله، ظل فترة لا هم له إلا شراء الكتب ودراسة الفلسفة حتى حدثت له نقطة تحول مهمة في حياته، وهي حضوره لصالون عباس محمود العقاد، الذي مثّل له بوابة لعالم جديد لم يعهده من قبل، سجل هذه التجربة في كتابه «في صالون العقاد كانت لنا أيام» حيث قدم فيه مقضايا ومشاكل جيله وعذاباته وصراعاته وقلقه وخوفه وآرائه في مواجهة كبار المفكرين مثل: طه حسين، والعقاد، وتوفيق الحكيم، وسلامة موسى وغيرهم من أعلام الفكر والثقافة في مصر في ذلك الوقت.
بدأ أنيس منصور مسيرته الصحفية في مؤسسة أخبار اليوم، إحدى أكبر المؤسسات الصحفية المصرية، حيث انضم إليها برفقة صديقه كامل الشناوي، وتعلم على يد مؤسسيها الأستاذين مصطفى وعلي أمين، بعد فترة قصيرة، انتقل إلى مؤسسة الأهرام الأهرام في مايو عام 1950 حتى عام 1952، ثم سافر إلى أوروبا مع كامل الشناوي.
عقب ثورة 23 يوليو 1952، أرسل أنيس منصور أولى مقالاته إلى أخبار اليوم، معبرًا عن تفضيله للأدب والفلسفة على العمل الصحفي وكان يقول: «كانت بدايتي في العمل الصحفي في أخبار اليوم وهذا بالضبط ما لا أحب ولا أريد أنا أريد أن أكتب أدبا وفلسفة فأنا لا أحب العمل الصحفي البحت أنا أديب كنت وسأظل أعمل في الصحافة».
تنقل منصور بين ميادين الصحافة والأدب والفن والفلسفة، وكان من أصغر رؤساء التحرير في مصر، حيث تولّى رئاسة تحرير مطبوعة وهو في بداية الثلاثينينات من عمره، وعمل في أشهر المؤسسات الصحفية في مصر مثل: «أخبار اليوم، وآخر ساعة، والأهرام، والهلال»، وفي 31 أكتوبر 1976، كلّفه الرئيس أنور السادات بتأسيس مجلة أكتوبر، وهى مجلة عربية سياسية اجتماعية شاملة، حيث تولى منصب رئيس التحرير ورئيس مجلس إدارة دار المعارف حتى عام 1984.
بعد عام 1975، أصبح أنيس منصور الصحفي الأول للرئيس السادات وصديقه المقرب والموثوق، وكاتم للأسرار، وكان يمتلك خزينة مليئة بالأسرار والحوارات والوثائق التي لم يُكشف عنها حتى وفاته، لأسباب لم يكشف عنها.
كان لأنيس منصور عادات خاصة في الكتابة، إذ اعتاد الكتابة في الرابعة صباحًا فقط، ولا يكتب خلال النهار، ومن عاداته أيضًا أنه كان يكتب حافي القدمين ويرتدي البيجاما، كما عرف عنه أنه لا ينام إلا ساعات قليلة جدًا، وكان يعاني من الأرق ويخشى الإصابة بالبرد دائما.
حصل أنيس منصور على العديد من الجوائز الأدبية من مصر وخارجها، ومن أبرزها الدكتوراه الفخرية من جامعة المنصورة، وجائزة الفارس الذهبي من التلفزيون المصري، وجائزة الدولة التشجيعية في الأدب، كما له تمثال بمدينة المنصورة يعكس فخر بلده به.
تعلم منصور عدة لغات منها الإنجليزية، والألمانية، والإيطالية، واللاتينية، والفرنسية، والروسية، مما أتاح له الاطلاع على ثقافات متنوعة، ترجم العديد من الكتب الفكرية والمسرحيات، وسافر إلى بلدان مختلفة حول العالم، وألف عدة كتب من أدب الرحلات، مما جعله أحد رواد هذا الأدب ومن هذه الكتب: «حول العالم في 200 يوم»، و«اليمن ذلك المجهول»، و«أنت في اليابان وبلاد أخرى».
توفى أنيس منصور صباح يوم الجمعة الموافق 21 أكتوبر 2011 عن عمر يناهز 87 عاما إثر تدهور حالته الصحية بسبب التهاب رئوي ومعاناته الطويلة مع المرض.