إحسان عبد القدوس.. فنان الأدباء وأديب الفنانين
هادىء المظهر.. وسيم الملامح، وديع السلوك، عنيد ومقاتل شرس، مؤمن بما يدعو إليه، صاحب مبدأ لا يحيد عنه، ثائر وطنى، مصلح اجتماعى، كاتب سياسى، وطنى حتى النخاع، متحرر الفكر، عاشق للحرف، مؤمن بالكلمة، أديب يمتلك شجاعة ارتياد حقول الألغام، حتى لو كان الثمن انصراف النقاد عن إبداعه، أو نعته بأديب الجنس والجسد، لم يضعف أو يتراجع، حيث قرر منذ البداية، أن يكون المتحدث الرسمى باسم المرأة فى الأدب والصحافة، عاشق للحياة، محامى المواطن، وفارس الوطن، أسلوبه سهل، كلماته ناعمة، جملته رشيقة، قادر على ترويض المتناقضات، العناد والحنان، الثورة والأدب، الصحافة والفن، السياسة والرومانسية.
علامة بارزة فى مدرسة صحفية متفردة ، تقدس الكلمة، تحترم الفكر، تجعل كل الآراء تعبر عن نفسها، تحترم الاختلاف وتدعو إليه، قيادة فكرية وصحفية، تحتضن المواهب، وتخلق الفرص، وتدفع البراعم إلى عوالم الشهرة والنور، سعت إليه المناصب، فامتطى صهوة بعضها، إلا أنه استمسك طوال الوقت بعرش (الكاتب الأديب)، فى طفولته الباكرة رضع السياسة، واقتات الصحافة.
ورغم أن كل مؤشرات البدايات، كانت تؤكد بأن البعض يدفع بهذا الفتى، لكى يتقوقع فى شرنقة (ابن الست)، ولكن ابن الست استطاع بإرادة فولاذية أن يسبق غالبية الرجال، إنه الكاتب الأديب الذى ملأ الدنيا وشغل الناس، إحسان عبدالقدوس.
عاش إحسان جزءً من طفولته إلى جوار الإمام الحسين، ثم انتقل إلى العباسية مع عمته وأولادها، وتوفى الجد وتركه فى العاشرة من عمره، ومن الكتاب التحق بمدرسة السلحدار الابتدائية، ثم مدرسة خليل أغا، وبعدها مدرسة فؤاد الأول الثانوية، وبعد وفاة الجد انتقلوا من العباسية الغربية إلى العباسية الشرقية، ليرى مجموعة من شباب الأدباء، ومنهم نجيب محفوظ، الذى كان صديق ابن عمته، وعبدالحميد جودة السحار، ومحيى الدين أبوشادى.
وخلال هذه الفترة اعتزلت السيدة روزاليوسف الفن، وأنشأت مجلة روزاليوسف، التى بدأت فى بدروم عمارة فى حارة جلال، والعمارة كان يمتلكها أمير الشعراء أحمد شوقى، ثم انتقلت إلى ش محمد سعيد (حسين حجازى الآن)، المتفرع من شارع قصر العينى، وفى المجلة التقى الفتى بكبار الكتاب والأدباء، مثل العقاد، ومحمد التابعى ..... إلخ، ولكنه أعجب كثيرا بالتابعى، وأصبح أول كاتب يقرأ له وهو فى العاشرة من عمره، وكان يفهم كتاباته، رغم أنه لم يكن يهتم بالسياسة، وذلك لأن أسلوب التابعى سهل وجذاب، وقد دفعه حبه للتابعى إلى قراءة كل الجرائد والمجلات، وإلى كتابة محاولات فى الشعر والقصة، وكتب وهو فى العاشرة مسرحية بعنوان (المعلم علم التلميذ)، وكون فرقة من الأطفال وقدموا المسرحية، واندمج هو فى التمثيل فراح يبكى بشدة، فقرر اعتزال التمثيل، لتصبح الكتابة والقراءة ملعبه، وتحول محمد التابعى إلى النموذج الأمثل، الذى يسير على هدى خطاه، وقد جمعت بين الرجلين الكثير من الصفات، الأناقة، رشاقة الكتابة، الجمع بين العلاقات الواسعة مع السياسيين والفنانيين..... إلخ.
وقد تأثر إحسان عبدالقدوس كثيرا بثقافته الدينية، التى تلقاها فى بيت جده الشيخ أحمد رضوان، حيث قرأ فى طفولته القرآن الكريم كثيرا، وكتب التفاسير، وأكد على أن مواقفه ككاتب، يعود الفضل فيها إلى القرآن، ويقول عن ذلك (لا يمكن للقلم أن يصل إلى أسلوب له رنينه وجاذبيته، إلا إذا كان الكاتب قد قرأ القرآن، وتأثر بنغمات أسلوبه، فأسلوب القرآن هو الموسيقى الأساسية لأسلوب اللغة العربية).
التحق إحسان بكلية الحقوق فى الفترة من 1938 – 1942، وجعل من تلك الفترة فرصة للقراءة، فى الأدب الإنجليزى وخاصة أعمال شكسبير، والأدب الفرنسى وخاصة أعمال جى دى موباسان، وبعد التخرج قرر أن يبتعد عن الصحافة ويعمل بالمحاماة، ولكنه يعترف بالفشل قائلا (كنت محامياً فاشلا، لا أجيد المناقشة والحوار، وكنت أدارى فشلى فى المحكمة إما بالصراخ، أو المشاجرة مع القضاة، وإما بالمزاح والنكت، مما أفقدنى تعاطف القضاة، فضاعت أحلامى فى أن أكون محامياً لامعا)..
واضطر أن يعمل صحفيا فى مجلة والدته، فطالته سهام النقد من كل جانب بسبب أمه، ففكر أن يعتزل الصحافة ويعود إلى المحاماة، فقدمت له والدته عدة أعداد من مجلة (الكشكول)، التى كان يحررها سليمان فوزى باسم حزب الأحرار الدستوريين، وبتلك الأعداد شتائم وسباب شخصى موجه للسيدة روزاليوسف، وبعد أن قرأ قالت له (من الذى بقى يا ولدى الكشكول أم روزاليوسف ؟).
وكانت والدته تريده صحفيا، بينما كان والده يريده أديبا، واستطاع بمواهبه أن يحقق الرغبتين.
أحب إحسان وهو طالب فى الجامعة الفتاة لواحظ المهيلمى (لولا)، وقرر الشابان أن يتزوجا رغم معارضة العائلتين، وغضب السيدة روزاليوسف التى لم تحضر زفاف ابنها، وعندما تزوجا تعرضا لضائقة مالية، قرر إحسان أن يكتب قصصا ويبيعها للسينما، مستغلا علاقاته بالفنانين، وبالفعل كتب قصتين، وقرر أن يبيعهما للموسيقار محمد عبدالوهاب، وذهب إليه فى مكتبه بعمارة الايموبيليا، وفى الأسانسير التقى بالفنانة عزيزة أمير، فسألته إلى أين ؟ فأخبرها، فغضبت جدا، وأخذته إلى مكتبها بنفس العمارة، وقرأت القصتين، وأعجبت بهما وقررت شراءهما مقابل 160 جنيها دفعتها فى الحال، وماتت عزيزة أمير قبل أن تنتج القصتين، وبعد خمس سنوات اتصل زوجها محمود ذوالفقار وأخبر إحسان أنه قرر إنتاج إحدى القصتين، فطلب منه عدم الإنتاج، ولأنه سيكتب له قصة جديدة، ومن هنا بدأت علاقة إحسان عبدالقدوس بالسينما.
وكانت قصة حب إحسان (سانو)، وزوجته السيدة لواحظ (لولا) مضرب الأمثال، ويفسر إحسان ذلك قائلا (استمر الحب بينى وزوجتى، لأنه لم يكن حبا بين رجل وامرأة، ولكن بين طفل وأمه، أخ وأخيه، صديق وصديقه، هو كل شىء، وهذا سبب استمراره، ولذلك أدين بالفضل فى بناء تكوينى كله لسيدتين أمى وزوجتى).
ذهب إحسان عبدالقدوس للعمل فى الصحافة مضطراً، ليكتشف أنه كان منذوراً لمهنة البحث عن المتاعب، حيث تفجرت مواهبه وملكاته، ولم يعتمد عل شهرة ومكانة والدته، ولكى يثبت لنفسه وللجميع أنه ليس (ابن الست)، راح يكتب فى الكثير من الجرائد والمجلات، مثل إصدارات الهلال وآخر ساعة، وعندما أغلقت الحكومة روزاليوسف لمدة ثلاثة أشهر، ذهب ليعمل مع أستاذه محمد التابعى فى آخر ساعة، سكرتيرا للتحرير براتب قدره 25 جنيها، رغم أن راتبه فى روزاليوسف كان 12 جنيها فقط، ومنذ بداية عمله بالصحافة، وضع لنفسه قانونا، بأن يكون بسيطا وليس هابطا، وقد تعلم من الكبار الذين كتبوا فى روزاليوسف مثل العقاد والتابعى، تعلم منهم أن على الصحفى أن (يكتب للشعب وليس للسادة)، ولذلك لم يتاجر أبدا برأى، ولم تكن لديه آراء سابقة التجهيز، وكان كبرياؤه الصحفى علامة مضيئة فى بلاط مهنة البحث عن الحقيقة، وراح يهتم بتطوير عمله الصحفى، ويبحث دائما عن الجديد والمثير، يرفض الانغلاق على عقيدة سياسية بعينها أو رأى بذاته، يؤمن إلى حد التعصب بحرية كل الآراء والمدارس الفكرية فى التعبير عن نفسها، ولذلك أصبح فى مقدمة الرجال المحترمين فى عالم الصحافة المصرية.
وكان عام 1945 عاماً حاسماً فى مسيرة إحسان عبدالقدوس الصحفية، حيث قررت والدته اختياره رئيسا لتحرير روزاليوسف، وهو فى السادسة والعشرين من عمره، تلك المسئولية التى ظل يتحملها حتى عام 1964، وأضيفت لها مسئولية رئاسة مجلس الإدارة بعد وفاة والدته عام 1958.
وفى عام 1945 سافر إلى فلسطين ولبنان، وعاد ليكتب عدة مقالات حصل بها على جائزة الملك فاروق فى الصحافة، وفى ذات العام عرض عليه فكرى أباظة رئيس تحرير المصور، أن ينتقل للعمل فى دار الهلال براتب 150 جنيها فى الشهر، وكان فكرى أباظة نفسه يحصل على 200 جنيها، وفى تلك الفترة أجرى حوارا نشره فى روزاليوسف مع حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، تحت عنوان (الرجل الذى يقود نصف مليون)، وقال بعد الحوار، لم أجد لديهم ما أبحث عنه، فكل ما لديهم بعض الرؤى الغائمة وغير الواضحة، ورفض كل محاولاتهم لضمة للجماعة، ولكى يقطع الطريق على الجماعة أعلن أنه يسارى وثائر على الأوضاع الاجتماعية، ولكنه لم يكن أبدا شيوعيا، ورغم ذلك جعلته المخابرات الأمريكية ضمن قيادات الشيوعية فى مصر، واتسم إحسان بالشجاعة فى حملاته الصحفية - ليتحول إلى بطل من أبطال الصحافة المصرية – يحارب الفساد، ويقف ضد الملك والإنجليز، وراح يحتضن كل الأقلام الوطنية، وكل المشاغبين من رسامى الكاريكاتير، ويقدمهم من خلال صفحات روز اليوسف.
وأشهر حملاته الصحفية، حملته ضد الأسلحة الفاسدة فى حرب 1948، ضد العصابات الصهيونية، وقد أخذ صديقه النائب مصطفى مرعى ما تم نشره، ليقدم به استجوابا فى البرلمان، وقد حصل إحسان فى عام 1950 على المرتبة الأولى – فى استفتاء عن أحب الكتّاب إلى القراء، وقد نجح فى تحويل روز اليوسف إلى مؤسسة ثورية، لا تستورد المحررين الجاهزين، حيث كان يحتضن الموهوبين ويطلق لهم حرية الإبداع، وتمكن بأسلوبه البسيط الجذاب، أن يكون مدرسة خاصة به، ونجح فى أن يجعل روز اليوسف أسرة واحدة، يندر وجود مثلها فى أى مؤسسة أخرى كما نجح من خلال رؤيته أن تظل روز اليوسف متفردة، وموضع جدل كبير فى العديد من الدراسات الجادة، ومرجعاً أساسيا فى تاريخ مصر لمدة أكثر من نصف قرن، وقد زاوج بين الصحافة والثقافة، فأنشأ سلسلة (الكتاب الذهبى)، التى فتحت ذراعيها للجيل الثانى من الروائيين (جيل نجيب محفوظ)، وكانت كل كتاباته تؤكد على أنه عاشق لمصر، التاريخ، الأرض، الشعب .... وهذا العشق جعله قادراً على مواجهة أخطاء الحكم والحكام فى كل العصور، وتكمن أهم نجاحات إحسان عبدالقدوس، فى قدرته على اكتشاف المواهب وصناعة النجوم، فمن خلال مدرسته التى تعتمد على الخبر الصادق والرأى الحر، خرج من عباءته الكثير من نجوم الصحافة أحمد بهاء الدين، محمد عودة، كامل زهيرى، محمود السعدنى، صلاح جاهين، جورج بهجورى، إيهاب، حجازى، رجائي، يوسف فرنسيس، بهجت ..... إلخ، ومن خلال كل هؤلاء تحول إلى رائد لمدرسة صحفية نموذجية فى الديمقراطية، والتعددية الفكرية، وتكافؤ الفرص، ورعاية المواهب، والانضباط والخلق والابتكار، والقدرة على التنوع والتجدد، ونشر الاستنارة، مع الثورة علي السائد والمألوف، وانطلاقا من كل هذا كان يرى أن الصحفى كيان محترم فى المجتمع، وحامل لشعلة الحرية والتغيير، ولكى يحقق ذلك عليه أن يحافظ على وجود مسافة بينه وبين الحاكم.
واصل إحسان عبدالقدوس مسيرته الصحفية بعد قيام ثورة يوليو 1952 وكان أول من طالب بتأميم الصحافة، حيث كتب عدة مقالات فى عام 1960، مطالباً الدولة بوضع يدها على المؤسسات الصحفية، وعندما صدر قانون تنظيم الصحافة فى عام 1964، كان إحسان عبدالقدوس الوحيد من بين كل ملاك الصحف، الذى ظل رئيسا لمجلس إدارة روزاليوسف، ثم انتقل ليتولى رئاسة تحرير أخبار اليوم مرتين، الأول من 1966 – 1968، والأخرى من 69 – 1974، وعندما تولى رئاسة تحرير أخبار اليوم قفز بتوزيعها إلى مليون وربع نسخة، وبعد نجاحه المذهل فى أخبار اليوم، تم تعيينه رئيسا لمجلس إدارة الأهرام فى عام 1975، ولم تطل إقامته فى الأهرام أكثر من عام، حيث فوجىء بالسادات يطلب منه تصفية الكبار، الذين يطلق عليهم (رجالة هيكل)، ليس هذا فقط ولكن طلب منه إغلاق مجلة (الطليعة)، ورفض إحسان هذه الأوامر، وطلب من السادات تعيين يوسف السباعى ليقوم بتلك المهمة، وقد حدث ذلك، وبعد تركه لرئاسة الأهرام فى عام 1976، عرضوا عليه كثيرا تولى رئاسة تحرير أكثر من جريدة عربية، ولكنه رفض كل العروض والإغراءات قائلا (لقد وضعت لنفسى مبدأ لا أحيد عنه هو الاحتفاظ بحريتى كاملة، وحتى أحتفظ بهذه الحرية فإنى لابد أن أبقى بعيدا عن الانضمام لأى حزب أو تنظيم أو حتى تجمع، بل أذهب إلى أبعد من ذلك فأقول إنى أطبق هذا المبدأ على علاقاتى الشخصية، فأعزل نفسى عن الارتباط بأى صداقة شخصية، قد تؤثر على حريتى فى تكوين رأى أو ابدائه)، وبالفعل اعتزل إحسان عبدالقدوس لفترة طويلة فى منزله، يقرأ ويكتب رواياته، ثم عاد مرة أخرى إلى مكتبه فى الأهرام، بجوار الحكيم ومحفوظ وصديقه مصطفى بهجت بدوى.
بدأ إحسان عبدالقدوس مسيرته الأدبية فى سن مبكرة، ولكن تجربته تبلورت بشكل واضح فى منتصف العشرينيات من عمره، حيث راح يكتب مجموعة من القصص القصيرة، لتصدر أولى مجموعاته القصصية فى عام 1949 بعنوان بائع الحب، وبعدها توالت مجموعاته القصصية ورواياته، تلك الروايات التى بدأت بالنظارة السوداء وأنا حرة، وتحول إحسان عبدالقدوس إلى أشهر كاتب روائى والأكثر توزيعا، وراحت السينما تجرى خلف رواياته وقصصه، ليصبح أكثر أديب تحولت أعماله إلى أفلام سينمائية، ولا ينافسه فى ذلك إلا نجيب محفوظ، ورغم كل ذلك تعرض لهجوم شرس ومتواصل، ينطلق من تهمتين هما أنه يكتب عن الطبقة الراقية، وأنه أديب الجنس، ورد علي ذلك قائلا (لست ابن طبقة الذوات، حيث أتاحت نشأتى أن أعيش جميع المجتمعات، وجميع الطبقات، طفولتى كانت فى القرية والأحياء الشعبية، ثم انتقلت من مجتمع إلى مجتمع وكتبت عنها جميعا).. ويقول أيضا (الروائى كالطبيب من حقه أن يعالج المجتمع ويحلله ويصوره من جميع الزوايا، حتى من الناحية الجنسية، من دون أن يتعمد تقديم الجنس كموضوع رئيسى فى القصة)، وقد جعل إحسان عبدالقدوس المرأة محورا لمعظم رواياته، باعتبارها البوتقة التى تنصهر فيها حاجة الفرد كإنسان، وحاجة المجتمع كمجموعة أفراد تهفو إلى التحرر من المعوقات، التي تقف فى سبيل تحقيق العلاقة الإنسانية باعتبارها جوهر المجتمع الإنسانى، واستطاع إحسان أن يربط قضية التحرر الوطنى والنضال الإنسانى فى رواياته، بقضية التحرر الإنسانى فى علاقة الرجل والمرأة، فلم يكن نصيراً لحرية المرأة فقط، ولكنه نصير لحرية الإنسان كفرد وكنوع، وبذلك يتحول الجنس فى رواياته إلى علاقة بين إنسانين كل منهما مكمل للآخر، وقد استخدم الجسد كما فعل الأديب الأمريكى تنسى وليامز، ولكن بأهداف مختلفة تنطلق من قضايا المجتمع، ونساء إحسان فى رواياته ثائرات صادقات، حائرات داعيات، يعرفن نقاط الضعف فى الرجال الذين يتعاملن معهم، ويعرفن الحدود التى يسمح بها مجتمعهن، ولكنهن ثائرات على تلك الحدود، خاصة وأن للمرأة آلاف الأقنعة، وآلاف الشخصيات، التى يمكن أن تلعبها، ونجح إحسان فى أن يجعل المرأة فى رواياته، تعبر عن التقلبات التى مرت بها مصر فى الأربعينيات من القرن الماضى، ولكل ذلك أطلق عليه نجيب محفوظ (قاسم أمين الأدب)، وقد اختار إحسان قضية المرأة، ليواجه مجتمع التقاليد، وراح يعلن فى جرأة اعتبرها كثيرون (وقاحة)، إننا فى مجتمع لا يعنيه إذلال عقل المرأة، أو إهانة عواطفها، أو اخضاعها للعبودية، مادام يحافظ على بضاعة الجسد، وقد امتلك إحسان مقدرة كبيرة فى التقاط صور وتجارب الحياة، وتخزينها فى ذاكرته، كما امتلك القدرة على استدعاء تلك الصور والتجارب، لتخرج فى روايات وقصص قصيرة، ولم يكن إحسان من الأدباء الذين يلغون شخصيتهم فى أعمالهم الأدبية، أو يتوارون خلف أبطالهم، ولكن من يقرأ أعماله، يشعر دائما بوجوده القوى والمؤثر، وقد سار على درب أستاذه محمد التابعى، فجعل من نفسه (الكاتب النجم)، الذى يجمع بين السياسة والأدب والفن والحب والحكمة، ومعارك الكفاح الوطنى.