رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


عندما روى نجيب محفوظ حكايته مع عبد الناصر والسادات وكوكب الشرق

29-8-2024 | 19:23


يوسف القعيد,

صدر لى فى القاهرة كتاب عنوانه: نجيب محفوظ إن حكى، ثرثرة محفوظية على النيل. فيه بعض الأحاديث التى أجريتها مع نجيب محفوظ فى حياته. ثم جمعتها تحت سقف كتاب واحد. وكان النشر بمناسبة مرور تسع سنوات على رحيله عن حياتنا. فالرجل الذى ولد فى 11/12/1911 كانت وفاته فى 30 أغسطس سنة 2006. وكنت قد أجريت هذا الحديث معه بمناسبة عيد ميلاده الخامس والثمانين الذى حل فى 11 ديسمبر سنة 1996. أذكِّر فقط أن هذا الاحتفال جاء بعد محاولة العدوان الفاشلة على نجيب محفوظ.

هذا الحوار المحفوظى ضمن جزء من أحاديثى معه. اكتشف الباحث الأمريكى ريموند ستوك أن تاريخ الميلاد المدون فى شهادة ميلاد نجيب محفوظ هو العاشر وليس الحادى عشر من ديسمبر سنة 1911.

عندما قلت لنجيب محفوظ هذه المعلومة قال لى من الجائز.. لأنه من المعروف فى الأسرة المصرية أن يوم الميلاد يكون غير يوم التسجيل فى دفاتر الحكومة، وقد يكون أبى قد ذهب إلى مكتب الصحة بعد ولادتى بيوم، وأعتقد أن هذا صحيح تماماً.

كيف يرى نجيب محفوظ من شرفة عمره مصر والوطن العربى ومسيرة السلام، وحال الثقافة المصرية، وقبل كل هذا وبعده المستقبل المصرى؟ أعترف أننى بدأت الحديث معه وهدفى الإطلالة السياسية، ولكن قبل أن نسجل الحديث كان قد قال كلمة عن أنه عرف المرحومة تحية كاظم قرينة الزعيم عبد الناصر. وهكذا عدنا -دون أن نرغب- إلى الماضى. فتحدث عن عبدالناصر، وذكرياته عن لقاءات ثلاثة تمت معه، والسادات ولقاءات ثلاثة معه، وأم كلثوم ومناسبة تلاقى واحدة.

تولستوى هو الذى قال من قبل إن الإنسان كلما تقدم فى العمر ازدادت ذكريات الطفولة والصبا والشباب توهجاً فى ذاكرته، وتبدو كما لو كانت لأحداث وقعت بالأمس فقط.. ويبدو أن ما قاله تولستوى صحيح تماماً.

عيد الميلاد لأول مرة

* متى كان الاحتفال الأول بعيد ميلادك؟!

* كان ذلك فى الأهرام سنة 1961، وكان احتفالاً ببلوغى الخمسين من عمرى.

* وما قصة الاحتفال؟

* الأستاذ هيكل هو الذى وجه الدعوة إليه. وقد حضرته كوكب الشرق أم كلثوم. كانت هناك مجموعة كبيرة جداً، والمدهش كان جميعهم معاً.. كان هناك الأستاذ توفيق الحكيم وفتحى رضوان ويحيى حقى وصلاح جاهين ولويس عوض.

* الغريب أن مقالاً ظهر هذا الشهر بالإنجليزية يقول إن فؤاد سراج الدين كان حاضراً الاحتفال بدعوة من هيكل؟!

* لا لم يكن موجوداً فى الاحتفال أبداً، وأنا لم أقابل فؤاد سراج الدين سوى فى جلسة الحكيم فى مقهى بترو فى الإسكندرية أو ربما فى الشانزليزيه. جاء زارنا ذات يوم، وكان ذلك بعد أن أسس حزب الوفد الجديد.. ثم من الذى قال هذا؟!.

* الباحث الأمريكى ريمون ستوك هو الذى ذكر الواقعة؟

* فؤاد سراج الدين وسنة 1961. وحفل فى الأهرام ويوجهون له الدعوة للحضور؟! لا بد وأنه كان فى السجن فى ذلك الوقت. هذا أمر مؤكد.

وفى محاولة للخروج من أجواء أعياد الميلاد. كان لا بد من إطلالة على الوطن. وما يجرى فيه. وهكذا جاء السؤال الأول:

حال مصر وقتها

* كيف ترى حال مصر الآن؟!

* أرى مصر تمر من عنق الزجاجة. تحاول الخروج. الأمر المؤكد أنها تسير.. وإن كان لا يزال أمامها تحديات كثيرة. مثل العلاقة بالعالم الجديد والحياة فيه، وهناك أيضاً مشاكل مصر الداخلية مثل البطالة- الفساد- استقبال الديمقراطية، وكلها تحديات لا بد من مواجهتها. ليس لمصر خيار فى ذلك المواجهة قدر لا مفر منه. المهم فى كل هذا أن مصر تتحرك وتسير ولا تقف مكانها "محلك سر".

* هذا عن الحاضر. ولكن ماذا عن مستقبل مصر؟!

* بالنسبة للمستقبل أنا متفائل. وذلك بالرغم من كل شئ.. وتفاؤلى نابع من أن بلادى تتحرك إلى الأمام. وهذا مهم فى حد ذاته مهما كان بطء الحركة.

* هل أنت قلق من تعثر عملية السلام فى المنطقة؟!

* نعم أنا شديد القلق من هذا. لأن تعثر عملية السلام كان من المفاجآت السيئة بالنسبة لى. قبل هذه المفاجئة كانت الأمور هادئة وتسير نحو الهدف. هدف شديد الوضوح وكل طرف يحلم أنه سيطوى المشاكل التى كانت تستولى على جهدنا. الذى من المفروض أن يتركز فى التنمية. وفى علاج المشكلات.

إسرائيل هى المسئولة

* ومن المسئول عن المفاجأة السيئة؟!

* السياسة الإسرائيلية الحاكمة الجديدة هى المسئولة. حكومة الليكود هى التى لخبطت الصورة، ورجعت بالأمور إلى الوراء لدرجة أن السؤال المكرر. أو الذى أصبح مكرراً فى جلساتنا فى الفترة الأخيرة. كان عن احتمالات نشوب حرب عربية إسرائيلية جديدة وإمكانيات ذلك بعد أن بدأت التهديدات من الجانبين، وحملت وكالات الأنباء كلام عن أنواع من الحروب كل صباح. الحقيقة ما كنت أتمنى أن يحدث هذا خاصة بعد أن أحرز السلام تقدماً لا يستهان به.

* بعيداً عن غيوم السياسة.. كيف ترى الآن حال ثقافة مصر وثقافة الوطن العربى؟!

* نحن الآن نجد أن الثقافة الجادة تعانى والمعاناة من أسباب كثيرة.. مثل هيمنة وانتشار التليفزيون الذى يستولى على أوقات الناس. ومثل مستوى التعليم وحجم الاهتمام بالثقافة فيه، وأن يقوم على تعويد الناس على القراءة، ومثل الآراء المتطرفة التى تهدد العملية الإبداعية.. ولكن من الممكن جداً أنه ما دامت السيطرة أصبحت للتليفزيون أن نحاول الارتقاء به، ونأخذ الأميين والمتعلمين ونرقى بهم معاً.

* مثل إنشاء قناة ثقافية مثلاً؟!

* لو تم هذا يصبح أمراً عظيماً.

الإرهاب والفساد

* معركتان تدوران فى مصر الآن. مقاومة الإرهاب. ومكافحة الفساد. هل تتابع المعركتين وما يدور فيهما؟!

* والله أختلف معك فى القول إنهما معركتان.. إنهما فى نظرى معركة واحدة ووحيدة. الآراء المتطرفة تحولت إلى جريمة من شدة الضغط وسوء الحالة الاقتصادية وكثرة الفساد. عندما نقاوم كل عيوبنا وننجح فى ذلك. أو على الأقل نناقشها على جميع المستويات، ولا نكتفى بالمقاومة والمواجهة الأمنية وحدها. التى أدت المطلوب منها على الوجه الأكمل، وقدمت شهداءها. وتكون هناك مواجهات من أهل السياسة والفكر والاقتصاد والثقافة والدين. فى هذه الحالة يمكن أن تتحسن الأمور.

* كتبت نادين جورديمر.. وهى الكاتبة الإفريقية "من جنوب إفريقيا" وحاصلة على نوبل سنة 1990. مقدمة للترجمة الإنجليزية لأصداء السيرة الذاتية التى ترجمها دينيس جونسون ديفيز. هل كنت تعلم ذلك قبل النشر؟!

* لا.

* ألم يتم استئذانك فى ذلك؟!

* لا.

* وما رأيك فى الأمر كله، وفى المقدمة نفسها؟!

* لقد فوجئت بالمقدمة فعلاً.

* لم يحدث أن قدم أحد نص لحاصل على نوبل. خاصة إن كان قد كتب هذا النص بعد نوبل.

* ومع هذا أقولك إن مفاجأتى بهذه المقدمة كانت من المفاجآت السعيدة.

* هل عرفت ما جاء فى المقدمة؟!

* الحقيقة أنها تكلمت كلاماً جميلاً. وهى كاتبة ثاقبة النظر ولا أستطيع أن أتمادى فى مدحها. حتى لا يفهم أنه مدح فى نفسى. "الأمر الذى خجل نجيب محفوظ من قوله إن هذه المقدمة رائعة، وكان أبرز ما فيها أن تدرك وهى على البعد من مجرد قراءة النص.. أن كاتبه قد كتبه وهو غير سعيد أو زهقان".

الإبداع والنقد

* ما رأيك فى كاتبة مبدعة تمارس النقد أيضاً؟!

* إن الجمع بين الموهبتين من الأمور العظيمة. لكن الذى يساعد على وجودهما هو تفرغ الكاتب. وكل مبدع كبير هو ناقد كبير أيضاً، ولكن بشرط أن يهب حياته للأدب. ولا تكون هناك وظيفة أو اهتمامات أخرى. لا تنسى أننا أنتجنا أدبنا فى وقت الفراغ.

* مع أن جارثيا ماركيز يقول إن الكاتب لا يجب أن يكتب فى وقت الفراغ لأنه يكون قد أجهد بما فيه الكفاية. ولم يبق لديه ما يمكن أن يعمله أو يقوم به، وعندما يجلس لكى يكتب لا يكون فى كامل لياقته.

* هذا الكلام صحيح. كنت أعمل فى الوظيفة من الصباح حتى الظهر، ومن الظهر حتى الليل أديب.. هذا وضع غير معقول.

* هل تحاول مؤخراً معاودة الكتابة أو استعادة القدرة عليها؟!

* والله أتمنى أمرين: الأول أن أكتب، والثانى أن يكون لدىَّ ما أكتبه.. ولكنهما قيد التأجيل لحين تحرر يدى من العلاج الذى أتعرض له، وإن كان لا بد من القول إن العيب ليس فى اليد قصدى يدى فقط.

* هذه الأيام من كل سنة، الخريف والشتاء والربيع هى وقت الكتابة عندك. ما هى مشاعرك وأنت لا تكتب ولا حتى على سبيل التمرينات؟!

* كل ما أفعله أننى عندما أجلس بمفردى أفكر فى الأدب والحياة وأنا جالس.

* سيظل هناك أمل أن يتحول التفكير إلى كتابة..

* آه.. آمل.. "ثم لم يكمل الجملة"..

العلاج الطبيعى وأخباره

* ما هى أخبار العلاج الطبيعى ليدك اليمنى؟!

* أعتقد أنها تقدمت، ولكن ما زالت فى حاجة إلى مزيد من الوقت.. إن كتابة سطر واحد تؤلمنى.

* ولكن فى الاستخدامات اليومية. يمكن الاعتماد على اليد التى تعرضت للعدوان؟!

* فى بعض الأشياء فقط.

* هناك الجديد فى الاحتفال بعيد ميلادك الـ 85.. ثمة احتفال يقيمه مهرجان القاهرة السينمائى الدولى. ومسابقة تحمل اسمك والجامعة الأمريكية تقيم احتفالاً ومسابقة باسمك.

* هذا هو الجزاء الذى أعتبره أكثر مما أستحق، وأنا أشكر جداً لمهرجان القاهرة وسعد الدين وهبة، والجامعة الأمريكية خاصة قسم النشر بها. إن الذى قدموه لى هذا العام يفوق الوصف وتعجز الكلمات عن التعبير عنه.

* على ذكر مهرجان السينما. هناك قصص سينمائية لك. لم تصدر فى كتب بعد أن نفذت كأفلام؟! لماذا؟!

* العمل الذى ينفذ فى السينما ليس من المفروض طبعه فى كتاب لأنه يعد نوعاً من الإبداع الجماعى يشارك الآخرين معى فى تكوينه لم يعد يخصنى وحدى. لذلك لا يجب أن يصدر فى كتاب يحمل اسمى وحدى. إن التعديلات التى يتم إدخالها على العمل تعتبر مشاركة فى التأليف.

رواية نُشِرَ كما هى

* ما هو العمل الذى لم يدخل عليه أى تعديل؟!

* فتوات الحسينية.. بقى كما هو. إن كانت قد دخلت أى تعديلات فهى حاجات فارغة لا يمكن أن تذكر، ولكن فى الحالات الأخرى من النادر أن يكتب إنسان سيناريو ويؤخذ كما هو دون تعديل أو تدخل، وهذا مستحيل أيضاً. لأن هناك وجهات نظر أخرى كوجهة النظر التجارية، والمخرج فنان مثل كاتب السيناريو ومن حقه أن يتدخل وأن يغير ثم يأتى الموزع يصبح يلخبط الكل.

أذكر مرة كان من المفروض أن يموت البطل فى آخر الفيلم وأعتقد أن هذا البطل كان فريد شوقى، وقد جاء الموزع وقال إن موت البطل يمكن أن يؤثر على إيرادات الشباك واقتنع الجميع بذلك. وكان علىَّ أن أغير السيناريو لكى يبقى البطل على قيد الحياة إلى ما بعد نهاية الفيلم، ورغم أن هذا التعديل كان صعباً إلا أننى قمت به.

* ما هى الأعمال التى ترجمت لك خلال هذا العام؟!

* شهد العام الحالى وأنا أحسبه من عيد ميلادى إلى العيد التالى له.. أقول شهد هذا العام ترجمة: أصداء السيرة الذاتية إلى الإنجليزية، والترجمة الإنجليزية تبدأ بها دائماً ثم تأتى اللغات الأخرى، وأيضاً تمت ترجمة العائش فى الحقيقة إلى الإنجليزية.

رواية إخناتون

* رواية عن إخناتون، ولم تترجم إلى الإنجليزية سوى هذا العام؟! كان من المفروض أن تترجم منذ سنوات.

* أصل المشكلة أن دار لاتيس كانت تريد ترجمتها إلى الفرنسية ونشرها.. لكن سلمى فخرى دمرت الموضوع، وتوقف المشروع وتعثرت الحكاية. والآن بيننا وبين سلمى فخرى قضايا. وهذا العام شهد أيضاً تقديم رسالة دكتوراه فى جامعة سويسرية عن المرأة فى أدبى. عملتها الدكتورة فوزية العشماوى وهى تدرس هناك، ورسالتها جميلة حسب ما قيل لى.

* هل تتابع ما يكتب عنك الآن؟!

* قبل ما جرى لنظرى كنت أزور قسم النشر فى الجامعة الأمريكية تقريباً يوم ويوم. وعندما كان يحضر شيئا كانوا يعطونه لى، وكنت أقرؤه سواء بالإنجليزية أو الفرنسية.. أنت تعرف أننى أجدت الفرنسية فى شبابى من أجل قراءة البحث عن الزمن الضائع للروائى الفرنسى مارسيل بروست بالفرنسية ولم تكن قد ترجمت إلى العربية. وبعد ذلك كانوا يرسلون لى هذه المقالات من الجامعة الأمريكية إلى البيت.. ولكن بعد إصابة بصرى وانعدام القدرة على القراءة، قلت للست عليَّه سرور لا ترسلى لى أى شيء. لأن وصول هذه الأشياء إلىَّ دون القدرة على القراءة يكون من الأمور المزعجة عندما يعرف الإنسان أن هنا كتابة عنه ولا يستطيع قراءتها ويكتفى بركنها، أليس ذلك من الأمور الصعبة على النفس؟.

* تكمل هذه الأيام خمسة وثمانون عاماً -أمد الله فى عمرك- هل تلقى نظرة على مراحل هذا العمر؟!

* أرى العمر طويل جداً ويستحق على كل حال الشكر من الله تعالى. وفيه من التجارب ومن المعاناة ومن الجزاء ما يجعلنى فى النهاية أشكر.

* قلت لى من قبل أنك كنت تعرف السيدة تحية كاظم قرينة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر؟!

* أنا أعرف شقيق المرحومة تحية عبدالناصر منذ الصبا وهم من أصدقاء العباسية وكانت معرفتى بشقيقها المرحوم مصطفى كاظم وأولاد خالتها أصدقائى مع مصطفى وإن كنت لم أرها فقد كانت تقيم مع شقيقة لها بعيداً عن العباسية.

* إذن فقد كانت لك معرفة بقصة زواج عبدالناصر منها؟!

* يقال إنه كان يجلس عند واحد كهربائى.

* جمال عبدالناصر؟!

* نعم.. وكان هذا الكهربائى محله قبل قهوة عرابى، وليس بعيداً أن أكون قد رأيت عبد الناصر فى ذلك الوقت بسبب أنه عندما نُشِرَتْ صور الضباط الأحرار بعد نجاح ثورة يوليو فإن الوجه الوحيد الذى بدا لى أنه ليس غريباً. هو وجه جمال عبدالناصر.. كلهم كانوا وجوهاً غريبة عنى لم أتعرف عليهم من قبل.

حكايتى مع الضباط الأحرار

* لم تعرف أحدا من الضباط الأحرار أبداً..؟!

* كنت أعرف بعض ضباط الدرجة الثانية منهم مثل مسعد حمزة وعبد الله المهدى.

* قلت لى من قبل أنك تعرفت على جمال سالم وعبداللطيف البغدادى؟!

* لا كان يسهران فى شلتى فى العباسية فى بعض الأوقات وإن كنا لم نلتق يوم الخميس الذى كنت أذهب فيه إلى شلة العباسية. كان من الأيام الزحمة وهما لم يكونا يحبان الزحمة فلا يحضران، وهكذا لم أقابلهما. كانا يذهبان طول الأسبوع إلا الخميس الذى أذهب أنا فيه.

* نعود إلى بيت مصطفى كاظم.. هل ذهبت إليه؟!

* كثيراً جداً.. كنت ألعب معه في بوكس ونقعد، ولكنى لم أر المرحومة تحية ولا مرة واحدة.

* لماذا؟!

* لأنه يظهر أنها كانت تعيش مع أختها التى أصبحت زوجة سيد يوسف وزير المعارف بعد ذلك.. بعد أن حكم رجال يوليو مصر.

عبدالناصر حاكماً

* ولقاءاتك مع عبدالناصر بعد أن حكم مصر؟!

•  هناك لقاءات لا تعتبر لقاءات مثل عندما حصلت على وسام الاستحقاق. كانوا يقيمون احتفالاً كبيراً للأوائل والحاصلين على الأوسمة، ويومها سلمت عليه وأخذت الوسام من يده.

* دون تبادل أى كلام؟!

•  كنا مئات فى ذلك اليوم. فلم يكن هناك أى كلام يذكر. لا من جانبه ولا من جانبى.

* واللقاء الثانى؟!

* كان اتحاد الأدباء العرب عمل اجتماعاً هنا فى مصر. واستقبلهم عبدالناصر فى مكان لا أعرفه أو لا أذكره وكنت معهم وكان معنا العقاد وقد مررت عليه وسلمت، وكان يوسف السباعى يقف بجانبه من أجل أن يقدم له الأدباء. يقول له فلان الفلانى وبعض المعلومات السريعة "على الطاير" عن الكاتب، وفى هذه المرة أيضاً لم يجر أى حوار أو كلام معه.

* إذن لم يجر أى حوار بينك وبينه سوى فى لقاء الأهرام والذى كان طرفاً فيه الأستاذ هيكل؟!

* فى هذا اللقاء قال لى عبدالناصر وهو يصافحنى فى الأهرام منذ مدة لم أقرأ لك شيئاً. فرد عليه هيكل قائلاً: الأسبوع القادم نقرأ له شيئاً جديداً "يودى فى داهية"، فنظر إلى هيكل وقال له: "توديك انت".. وكان هيكل يقصد رواية "ثرثرة على النيل" التى نشرت بعد ذلك مسلسلة.

نجيب وأسرة عبدالناصر

* وعلاقتك مع أسرة عبدالناصر بعد هذا؟!

* استمرت العلاقة أكثر من طيبة عندما أجريت لى العملية سألت علىَّ ابنته.

* هدى؟!

* لا.. الثانية التى تعيش فى لندن.. منى المتزوجة من أشرف مروان. ويا سيدى بعد الحادثة التى وقعت لى زارنى ابنه الكبير خالد واتصورنا سوا.

* ولقاءاتك مع الرئيس السادات؟!

* مرة فى عابدين وكان يتكلم، ومرة أخرى بعد أن أخذ الرياسة يوسف السباعى أخذنا كلنا ورحنا سلمنا عليه.

* وكان هناك حوار معه أم مجرد سلام؟!

* هو من الضباط الأحرار. كنت أروح مثل إحسان عبدالقدوس أيام ما كان يطبع الكتاب الذهبى. والرئيس السادات كان يعمل معه فى روزاليوسف فى ذلك الوقت.. فقال لى إحسان أنور السادات من الضباط الأحرار فسلم علىَّ وكلمنى على رواياتىَّ: بداية ونهاية وخان الخليلى.

عندما قابلت أم كلثوم

* فى احتفال الأهرام بعيد ميلادك كان لقاءك مع أم كلثوم؟!

•  رغم أننى من المستمعين لها بشكل كامل ومتابع لها، ومعجب بها لدرجة إطلاق اسمها على إحدى بناتى.. إلا أنه كان اللقاء الأول وكان الأخير.

* ماذا قالت لك، وماذا قلت لها؟!

* أبداً.. الكلام العادى.. الترحيبات العادية فى مثل هذه اللقاءات عادة. ولكن لا يوجد أى كلام خاص لكن الملفت للنظر هو الاحتفال فى حد ذاته. لم أكن قد عملت فى الأهرام بعد.. كانت هناك مجرد فكرة الاحتفال، وقد طلبت من المرحوم على حمدى الجمال أن يوجه الدعوة لهيكل لكى يحضر، ويومها قال الأستاذ هيكل نحن الذين سنقيم له هذا الاحتفال.

فى هذا الوقت لم أكن قد نشرت فى الأهرام سوى "أولاد حارتنا" و"اللص والكلاب" وبعض القصص القصيرة. ومع هذا جمع لى هيكل عمالقة مصر فى احتفال مهيب. مازالت صوره تثير فى النفس العديد من المشاعر الإنسانية النادرة.

* سؤال أخير.. ما هو الزمان الذى مر عليك وتتمنى العودة له مرة أخرى..؟!

* مرحلة المد الليبرالى والاستنارة وإعلاء قيمة العقل وتصدر القضية الوطنية لكل ما نقوم به.. أقصد الفترة من 1919 إلى 1952. أعتبرها من أجمل الفترات وأحلاها التى مرت بى وبمصر وبهذه المنطقة من العالم، وأتمنى -وهذا مستحيل طبعاً- أن تعود إلىَّ وإلينا مرة أخرى أو أن نرجع نحن لها.