رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


كتاب ومثقفون: "أدب الطفل" يواجه قصورا شديدا من المؤسسات الرسمية "تحقيق"

19-1-2017 | 14:55


كتبت هبة علي

الطفل هو النواة الأولى في المجتمع، والركيزة الأساسية التي تقوم عليها المجتمعات، التي تحرص على تحقيق بنية متقدمة ومتطورة؛ فالطفل هو حاضر أي أمة وغدها ومستقبلها، ولكن هل تقوم المؤسسات الرسمية المختصة "بأدب الطفل" بدورها الحقيقي في تحقيق تلك الأهداف، بحيث يصل صوتها لكل طفل في مصر؟ وهل تلقى هذه المؤسسات الدعم الكافي من الدولة للقيام بهذا الدور؟، وللإجابة عن هذه الاسئلة وتوضيح الرؤية في هذا الموضوع، يقول الشاعر الكبير "أحمد سويلم"، رئيس شعبة أدب الاطفال باتحاد كتاب مصر:

هناك نوعان من المؤسسات التي تتعامل مع الطفل، مؤسسات رسمية تدعمها الدولة مثل: المركز القومي لثقافة الطفل، وقصور الاطفال التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، إلى جانب إدارات أدب الأطفال في هيئات النشر الحكومية، ووزارة التربية والتعليم، أما المؤسسات غير الرسمية، وهي الأهم تتمثل في الأسرة بالدرجة الأولى، لأنها تلعب دورا كبيرا في تأسيس هذا الكيان الصغير، قبل أن تدفعه إلى المدرسة وأيضا المؤسسات الأهلية، التي تتمثل في أنشطة الاطفال، مثل اتحاد الكتاب، الجمعيات الأدبية وغيرها، وربما تنبئ هذه الصورة عن تشتت الجهد بين المجموعتين، الرسمية، الأهلية، مما يحدث خللا وقصورا في الاهتمام بتربية الطفل، وينعكس، كما نرى، في كثير من السلبيات، التي نلمسها في سلوكيات أطفالنا وثقافتهم الضحلة، وحتى استيعاب مناهج الدراسة.

وأضاف "سويلم": والأمر يتطلب أن تتوحد الجهات الرسمية، على الأقل، في البداية، في هيئة واحدة، لها أهدافها الواضحة، وهي: التربية الثقافية والفنية للطفل في المرحلة، التي تتصل بهذه التربية، ونلاحظ أيضا أن مؤسسة الأسرة، لم تعد تقوم بدورها الكامل في تنشئة الطفل، لغياب التواصل بين الوالدين والأطفال، الاعتماد على دور الحضانة في هذه المرحلة الحساسة والمهمة، التي يجب أن تعتمد أساسا على الوالدين، وما يقدمانه لأطفال الأسرة من تربية حقيقية، تعتمد على تعليم السلوك الجيد، القراءة والحكي، مما ينمي خيال الطفل، ويجعله مقبلا على مرحلة المدرسة، بعقل واع متيقظ.

ووافقه في الرأي كاتب الاطفال الكبير ورائد أدب الطفل في مصر الاستاذ "يعقوب الشاروني"، الذي يرى أنه لكى تقوم مؤسسات أدب الطفل بدورها الحقيقى، سواء كانت مؤسسات حكومية أو خاصة مثل دور النشر الخاصة ، لابد أن يكون هناك رأى عام، وعلى وجه خاص، داخل كل أسرة ، يتفهم دور وأهمية الكتاب ومجلة الطفل فى حياة الأطفال . وكثيرًا ما أؤكد أن أهم أثر تركه ما كان يسمى "مهرجان القراءة للجميع"، هو تنبيه الرأى العام إلى أهمية الكتاب فى حياة الأطفال، وتنبيه الكبار داخل كل عائلة أن يوفروا الكُتب المناسبة لأعمار أطفالهم، وأن يقرأوا لهم ومعهم، ويستمعوا لهم وهم يقرأون ، ويصطحبوهم إلى معارض الكُتب وإلى مكتبات الأطفال العامة، ويشجعوهم على أن يعتادوا الذهاب إليها.  

وأوضح "الشاروني": إن الطفل فى الأسرة يهتم بما يجد الكبار من حوله يهتمون به، وينصرف حتى عما هو  مخصص له، مثل برامج التليفزيون المخصصة له ، إذا وجد الكبار من حوله لا يهتمون بها، لذلك ننبه دائمًا أنه على الكبار أن يشاركوا الأطفال فى رؤية البرامج المخصصة لهم ، وأن يستمعوا إلى اسئلتهم حولها ، وأن يثيروا الحوار مع الأطفال حول ما يشاهدون ، وأن يصحبوا أطفالهم إلى المتاحف والأماكن الأثرية وأماكن المنشآت الوطنية الكبرى مثل القناطر الخيرية، وأن يشتروا لهم مجلات وكتب الأطفال ، ويقرأوا لهم ويقرأوها معهم منذ طفولتهم المبكرة، ويخصصوا فى البيت مكانـًـا مناسبًا لحفظ كتب الأطفال ومجلاتهم ، وأن توجد فى البيت موسوعة أو دائرة معارف للأطفال ، للبحث فيها عن إجابات لكل ما يسأل عنه الطفل، فإذا تنبه المجتمع إلى أن أول مسئولية عن ثقافة الأطفال، إنما تبدأ من المنزل، عندئذ سيكون من السهل أن نطبع من كل كتاب أو من كل عدد من أعداد مجلة للأطفال عشرات الآلاف من النسخ ، بدلاً مما نجده الآن من انحسار متوالى لعدد النسخ التى يتم طبعها من كل كتاب، أو من كل مجلة.       

 وأضاف "الشاروني": إن سلاسل الأطفال التى كانت تطبع فى الثمانينيات من كل كتاب ما بين 10 آلاف و 15 ألف نسخة فى كل طبعة، ومجلات الأطفال التى كانت تطبع ما بين 40 و 60 ألف نسخة من كل عدد، أصبحت تطبع الآن ما بين ألف وألفين نسخة من الكتاب، وتطبع من المجلة ما لا يزيد عن خمسة آلاف نسخة، مع بعض الاستثناءات القليلة، ذلك لأن الإعلام من تليفزيون وإذاعة وصحافة، أصبح يتجاهل الآن كل ما يتعلق بأدب وثقافة الأطفال، فنسيت الأسرة دورها فى تنمية ثقافة أبنائها، هنا نجد أن المسئولية مشتركة ما بين الأسرة والإعلام فى تنمية الوعى بأهمية توفير مختلف الوسائل الثقافية للأطفال. إن كل مدرسة فى مصر بها مكتبة للأطفال، والمكتبة المدرسية هى أقرب المكتبات لكل طفل فى مصر ، لكننا لا نجد أى مدرس يهتم بأن يعرض على تلاميذه الكُتب الموجودة فى مكتبة المدرسة، والمرتبطة بالمنهج الدراسى، كما أن حصص المكتبة تكاد تكون قد ألغيت، فى حين أن العالم قد استقر على أن الاستفادة من المكتبة وما بها من مراجع وكتب، هو أحد الأهداف الأساسية من نظام التعليم، كما أن مشروع "مكتبة الأسرة " له دور رئيسى فى تزويد الأطفال بالكتب المتميزة، التى يمكنهم الحصول عليها بما يتناسب مع دخل الأسرة . إننا فى حاجة إلى مشروع قومى لنعيد العلاقة بين القراءة والأطفال والكتب، أما المؤسسات التى تـُـنتج الكُتب والمجلات وبرامج التليفزيون والإذاعة وموسيقى وأغانى الأطفال ، فهى موجودة وتعمل ، لكنها بدأت تشعر أن المجتمع لم يعد يقوم بدوره الأساسى فى المساعدة لبناء جيل المستقبل .

 

من جانبه يرى الكاتب "عبده الزراع"، رئيس تحرير مجلة قطر الندى، أن هناك العديد من المؤسسات التى تعتني بأدب وثقافة الطفل، وهي مؤسسات تابعة لوزارة الثقافة، فـ"المركز القومى لثقافة الطفل"، يقوم بدور مهم في مجال الأنشطة الثقافية الخاصة بالطفل من إقامة ورش الكتابة والرسم، وإقامة معارض الأطفال، وكذلك في مجال نشر كتب الاطفال، ولكن المشكلة تكمن فى ضعف الميزانيات التي لا تتيح فرصة لانتشار أنشطة المركز خارج القاهرة، وأن أثره - بلا شك- محدود، وأن كان المركز قد حاد عن هدفه من سنوات طويلة، فهو مركز بحثي في الأساس، أما بالنسبة لـ"قصور الطفل" التابعة لقصور الثقافة، فهي منتشرة في القاهرة والأقاليم، وإن كان عددها قليل إلا أن تأثيرها كبير، فهي تقدم كافة الأنشطة الثقافية والأدبية والفنية للأطفال، وتعمل على إقامة الورش الفنية والأدبية في الرسم والكتابة، وورش الحكي، وحفلات كورال الأطفال، والعروض المسرحية وغيرها من الأنشطة التي تجذب الطفل بشكل كبير، وهذا دور مهم وفاعل خاصة في هذه الظروف التى يمر بها الوطن.

ويضيف "الزراع":  أما بالنسبة لمجلات الأطفال فهي قليلة جدا في مصر والوطن العربى، ففي مصر لا تتجاوز مجلات الطفل الخمس مجلات أغلبها تصدر شهرية، في حين أن مصر تحتاج لأكثر من عشر مجلات للأطفال، لأن بها أكثر من 25 مليون طفل، وبالنسبة لمجلة "قطر الندى"، التي أرأس تحريرها فهي مجلة تصدر عن هيئة قصور الثقافة، وتصدر بصفة نصف شهرية، ونطبع عشرة آلاف نسخة من كل عدد يصدر، وتنفذ فور نزولها للتوزيع، وتباع بجنيه مصري واحد، وقد استطعنا في الفترة الأخيرة منذ تولينا المسؤلية بمجلس التحرير الجديد، وكله من المتخصصين فى أدب وثقافة الطفل، أن نرفع نسبة التوزيع لتصل إلى 98 في المئة، ولكن طموحاتنا أكبر من ذلك، وهي أن تكون "قطر الندي" هي مجلة الطفل العربى الأولى، وأن توزع عربيا، حتى نستطيع أن نساهم في تثقيف الطفل العربى، باعتبار أن مصر كانت رائدة في صحافة وثقافة وأدب الطفل، وأتمنى أن يعود هذا الدور إلى مصر مرة أخرى.  

 

ويختتم لنا الرؤية في هذا الموضوع الكاتب "أحمد طوسون" كاتب الاطفال، وعضو لجنة ثقافة الطفل، بالمجلس الأعلى للثقافة، والذي قال:

ثقافة الطفل واحدة من أهم الصناعات الثقيلة، لأنها ثقافة تتعلق بالمستقبل، لكن للأسف تفتقد مؤسساتنا في الوقت الحالي الكفاءات الإدارية والإبداعية، التي تمتلك رؤية مختلفة تضيف الجديد في هذا المجال، يكاد العمل يسير في كل القطاعات المهتمة بثقافة الطفل بشكل روتيني، بالإضافة إلى افتقاد دعم واهتمام الدولة بثقافة الطفل، سبق أن طالبت بمجلس أعلى خاص بثقافة الطفل ينسق بين الوزارات والجهات المعنية ويكون تابعا لرئاسة الجمهورية، لتكون قراراته ملزمة لكافة الوزارات، فثقافة الطفل ليست مسئولية وزارة الثقافة وهيئاتها فقط، بل بالتلازم مع وزارات التربية والتعليم، ووزارة البحث العلمي والشباب والرياضة.. إلخ، بالإضافة إلى ضرورة وجود دعم كامل من الجهات الإعلامية العامة والخاصة.

ويفسر "طوسون": لأننا إذا افتقدنا الدعم الإعلامي في إطار استراتيجية واضحة، سيظل الأثر محدود في الوصول للمستهدفين من الخدمة الموجهة لثقافة الطفل.. للأسف يتعامل الكثيرون في مواقع المسئولية بمنطق الموظف الذي يؤدي عملا، بينما تحتاج ثقافة الطفل من الدولة ومؤسسات العمل الأهلي دعما أكبر وأفكارا غير تقليدية، لحل مشكلات عميقة في مجتمعنا كظاهرة أطفال الشوارع، ومعالجة تفشي ظاهرة العنف في المدارس، وضرورة تربية أبناءنا على ذائقة علمية وجمالية وأخلاقية ورياضية تعينهم على صناعة مستقبل أفضل لوطننا.

ويختتم "طوسون": هذا بالإضافة إلى ضرورة الاهتمام بالوسيط، الذي يتعامل مع الأطفال وتدريبه بأحدث الطرق التربوية للتعامل مع الطفل، والاهتمام بالكتاب والفنانين المختصين في ثقافة الطفل، بتخصيص الجوائز وإرسال البعثات للخارج للاستفادة من التجارب الغربية في هذا المجال.. أعتقد أن ثقافة الطفل تحتاج اهتماما أكبر من القيادة السياسية، باعتبارها ترسم خريطة المستقبل الذي ننشده.