ديوان العرب| ألا فتى يمنع الجيران جانبه.. قصيدة ابن نباتة السعدي
تُعد قصيدة «أَلاَ فتىً يَمْنَعُ الجيرانَ جَانِبُهُ» للشاعر ابن نباتة السعدي، إحدى أهم القصائد التي عرفها تاريخ الشعر العربي، والتي حفظها العرب، وتناقلوها فيما بينهم.
ويعرف «ابن نباتة السعدي» كأحد أبرز الشعراء في العصر العباسي، الذين كتبوا قصائد تميزت بالغزل والمدح والفخر، وعلى رأسها قصيدة «أَلاَ فتىً يَمْنَعُ الجيرانَ جَانِبُهُ».
وتعتبر قصيدة «أَلاَ فتىً يَمْنَعُ الجيرانَ جَانِبُهُ»، من أجمل ما قيل في الشعر العربي، ومن أشهر القصائد، وتحتوي على 34 بيتًا، تميز شعره بسلاسة الألفاظ وسهولة المعاني وصدق العاطفة كما جاء بالقصيدة.
وإليكم القصيدة:
أَلاَ فتىً يَمْنَعُ الجيرانَ جَانِبُهُ
فيستجارُ بهِ بعدَ ابنِ عَبَّادِ
ماتَتْ لميتتهِ الآمالُ وانقطعتْ
عاداتُ نائلهِ عن كل مُعتادِ
وَعُظِّلَ الأَدبُ المحرومُ وانتزعتْ
منه دعائمُ كانتْ ذاتَ أَوتادِ
لا من عواليهِ أبقى غيرَ ما قِصَدٍ
ولا من البيضِ أَبقى غيرَ أَغمادِ
ولا مِنَ المالِ الاَّ كل مَحْمَدَةٍ
يَشْدُو بِها الشَّربُ أَو يحدو بها الحادي
وقارحاً غيرَ التَّعْدَاءُ طَلْعَتَهُ
فليس تعرفُ الاَّ الردفَ والهَادي
وأَدْرُعاً لم يدعْ فيهِنَّ مصطَنعاً
وقعُ الاسنَّةِ أَعيتْ كلُّ زَرَّادِ
كانَ الوحيد له في كلِّ مكرُمَةٍ
زيادةٌ ما علمناها لمُزدَادِ
يَطوى كطي رداءِ العَصْبِ حُجْزَتَهُ
شَوقاً الى الحَمدِ لا شَوقاً الى الزادِ
فأينَ من كان يَفديه بمهجتِهِ
والمرءُ ليس له من يومهِ فَادِ
متى أُحَدّثْكَ عن أَدنى مَناقبِه
بغايةٍ فَعَنِ العَلياءِ اسنادي
قد كانَ عقد عُفاةٍ لا نِظام لهم
وكانَ نائُله منهم بِمِرصَادِ
فأَصبحوا فرقاً تأوى لهم خُرُقٌ
الى عيونٍ قَريحاتٍ وأكبادِ
بَشَّرْ لقاحَ بني كعبٍ بمرتِعها
بينَ الشقيقِ الى أَكنافِ سِنْدَادِ
تخيروا النقلَ والغُدرانُ مُهْمَلَةٌ
فقد أَمِنتُ عليها عَدْوَةَ العَادِي
يغْتَالُ فضلَكَ قَولي حينَ اذكرهُ
وأَينَ من عدد الترباءِ تَعْدَادي
دعوتَني وجبالُ الثلجِ مُعرِضَةٌ
والريُّ نازحةٌ من أَرضِ بَغْدادِ
لم ترضَ أَنْ أَسأَلَ الجَدوى فتبذلَها
حتى ابتدأتَ فصار الفضلُ للبادي
يا قُربَ تَعزيةٍ من بِشْرِ تهنئةٍ
وروعةٍ لم تكنْ مِنّى بميعَادِ
ما فوقَ شَقوة جَدّي شقوةٌ علمتْ
قومٌ رثوا لي وكانوا أمسِ حُسَّادي
أُضحى خلياً وأُمسي عنكَ في شُغُلٍ
لَشَدَّ ما أَسرعَ الأيام في أَأدِي
متعْ لحاظَكَ من خِلٍّ تُفَارِقُهُ
فلا أَخٌ لكَ بعدَ اليوم بالوادي
يُعطى الجزيلَ بلا وعدٍ يُسَوِّفُهُ
ولا يُعاقِبُ الاَّ بعد اِيَعادِ
فَمَنْ لخيلٍ يلفُ الطعنُ أذرعَها
غيَّبْتَ عن صَدَدٍ منها واِيْرادِ
وَمَنْ لجوعانَ لا مِنْ مَطْعَمٍ سَغبٍ
وَمَنْ لظَمآنَ لا من مَشْرَبٍ صَادِ
وَمَنْ لِحُجَّةِ خَصْمٍ لا جوابَ لَها
الاَّ بيانُك في هَدى وارشادِ
وللمعانى على الالفاظِ تَعرضُهَا
حتى تمازحَ أَرواحاً بأَجسَادِ
حسبُ المنيةِ فَخْراً أَنَّها ظَفِرَتْ
بأكملِ الخَلقِ من حضَرٍ ومن بَادِ
أَبعدَ ما كنتَ تَنهَاهَا وتَأمُرها
تنقادُ طوعاً لها يا خيرَ منقادِ
والدهرُ كالأَسَدِ الضرغامِ يا كُلُنا
أَكلَ الفَريسةِ اصلاحاً بافْسَادِ
عَسَتْ عليهِ قَنَاتى أنْ يُلَيّنَها
فمالَ يغمرُ أَعوانى وأعضادي
وكيفَ يأسي على الْفٍ يُفارقُهُ
أَبٌ تَعوَّدَ قدماً ثُكلَ أَولادِ
غاضَ الندى ونبل قلبُ الحَيا فَقَسا
على الثَّرى وخلا من أَهلِهِ النَّادي
واسْتشْعَرَ الناسُ أَنَّ الجودَ مُعْجِزَةٌ
فما يلامُ وميضُ الخُلَّبِ الغَادي