بين العريش والإسماعيلية.. خطأ الكنيسة وخطيئة الحكومة
بقلم: طه فرغلى
قلبى مع إخوتى المسيحيين فى سيناء والعريش، ووجدانى مع وطنى الذى يخوض حربا ضروسا ضد جماعات الظلام والدمار والقتل والتخريب، يجب ألا نُخدع وننساق وراء من يعتبرها حربا مع جماعات الإسلام المتشدد أو مع تنظيم داعش الإرهابى الذى يطلق على نفسه الآن « تنظيم الدولة الإسلامية فى مصر».
مخدوعون نحن إذا صدقنا أن الحرب مع ذئاب منفردة متفلتة من الإرهابيين والمتشددين، الحرب أكبر من هذا تقودها أجهزة استخبارات ودول أجنبية وإقليمية هدفها واضح وواحد أن تصبح مصر مثل سوريا والعراق.
ما صدره بعض الإعلام يصب فى هذه الخانة، تحديدا ما قيل عن النزوح والتهجير للمسيحيين من العريش إلى الإسماعيلية لم يكن محض صدفة أوتعبيرات وقتية، بل كان أمرا مرتبا ومنظما، وللأسف انسقنا وراء ما قيل واستخدم بعضنا نفس التعبير؛ بل إن وزيرة فى الحكومة وهى غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى استخدمت كلمة نازحين للتعبير عن المواطنين المصريين الذين انتقلوا من العريش إلى الإسماعيلية تحت وطأة تهديد الجماعات الإرهابية، وقالت فى بيان صادر عن الوزارة «إنها تتابع حالات الأسر النازحة من العريش وأنه لو طالت مدة إقامة النازحين فسيتم تقدير دعم نقدى شهرى يصرف لهم».
من الواضح أن الحكومة وكما هى العادة لم يكن لديها خطة واضحة للتعامل مع الأزمة ولم يكن لديها رؤية لإدارتها، ولم تنتبه إلا بعد أن استقر المواطنون المصريون فى الإسماعيلية.
الحديث عن الأزمة دائر منذ مساء الأربعاء الماضى بعد استشهاد عدد من المواطنين على يد الإرهابيين وتوجيه رسائل تحذير مباشرة لترك منازلهم، ولكن لم يتحرك أحد إلا بعد أن قرر المواطنون الفرار ربما لشعورهم أن الأمر خطير وأن الأجهزة المعنية لن توفر لهم الحماية ضد التهديدات المتلاحقة والتى وصلت بالفعل إلى حد القتل.
للأسف تركت الحكومة الساحة نهبا للشائعات وألاعيب المتآمرين، حتى طغى على سطح الأحداث كلمات النزوح والتهجير، وبات الأمر يصدر للعالم على أن هناك تهجيرا قسريا للمسيحيين من العريش على يد تنظيم داعش الإرهابى، وأن الأمر أشبه بما يحدث فى العراق وسوريا، وهذا كذب بواح، تركناه بسبب غشمنا ينتشر ويتردد صداه حتى صم آذاننا وبدأ بعضنا يستخدم نفس المفردات.
لا ألوم من تركوا بيوتهم ومنازلهم وفيهم الشيوخ والنساء والرضع، دفعهم الخوف والذعر وما رأوه أمام أعينهم من قتل وحرق إلى الفرار بالنفس، والولد، هذا حقهم فى التمسك بالحياة، لكن اللوم كل اللوم على الأجهزة التى تركتهم حتى وصلوا إلى هذه الحالة من الفزع والخوف.
كيف تُرك الأمر حتى استفحل بهذا الشكل المرعب، حادث وراء حادث وتهديد وراء تهديد، والرعب يستفحل والأمان يتلاشى، كان مطلوب أن تتحرك الأجهزة على الفور أن تقدم الأمان للمفزوعين والخائفين، أن تقول لهم نحن بجواركم، وإذا رأينا أن الأمر قد خرج عن السيطرة فنحن فقط من يقدم لكم البديل الآمن حتى تعودوا إلى دياركم منصورين مرفوعى الرأس.
ومع كامل تقديرى واحترامى للكنيسة ليس دورها أن تقدم الملاذ الآمن لمواطنين مصريين، نحن جميعا نعيش فى دولة اسمها مصر، جميعنا لنا حقوق وعلينا واجبات، لم أفهم لماذا بادرت الكنيسة وكرست لفكرة الاضطهاد والتهجير والنزوح المسيحى الجماعى من العريش إلى الإسماعيلية، ثم تصدر بيانا تؤكد فيه رعايتها للمسيحيين وكأنها الدولة.
بصراحة شديدة أنا عاتب على الكنيسة المصرية الوطنية -ولى الحق كمواطن مصرى- ، كنت أنتظر من الكنيسة بيانا يطالب المصريين فى سيناء والعريش بالثبات على الأرض وعدم ترك الوطن حتى لو كان الجزاء القتل، وهل هناك أشرف من دماء تسيل تمسكا وحبا فى تراب الوطن.
لا أعرف من أصدر قرارا للمصريين فى سيناء والعريش بترك الديار والأرض والزرع خوفا من كلاب ضالة تنبح وتعيث فى الأرض فسادا وبالتأكيد سيأتى يوم ويقطع دابر الكلاب، الأمر لم يكن مجرد مصادفة أو قرار فردى، بل هناك من طلب منهم الرحيل.
الحرب التى تخوضها مصر ليست جديدة ولم نستيقظ ذات صباح لنفاجأ بها، بل هى حرب ضروس أعد لها الأعداء العدة والعتاد، ويجب أن نكون جميعا على قدر المسؤولية، وألا نترك الوطن يضيع من بين أيدينا.
ما يريده الأعداء أن نترك ترابنا وأرضنا، ولكن حتى لو تركناها فسنعود إليها يوما على جثثهم.