لا نزوح ولا تهجير ولا تقصير .. وإنما انتقال مؤقت حان وقت الحسم
بقلم – أحمد أيوب
لا نزوح..
لا تهجير..
لا تقصير
ثلاثية يؤكدها كل أبناء سيناء وتحديدًا العريش، المسيحيون قبل المسلمين
نعم هناك إرهاب لا ينكره أحد
نعم استهدف الإرهاب أسر قبطية كى يبث الرعب فى قلوبهم ويدعى أنه ما زال على قيد الحياة ولم يهزم
نعم خشى البعض على حياتهم فغادروا بيوتهم؛ بحثًا عن الأمان فى مكان آخر لا إرهاب فيه ولا قتل ولا رصاص ولا تفجير.
لكن كل هذا لا يعنى أن الإرهاب انتصر، فهزائمه متتالية، وسقوطه متواصل وضعفه يزيد يومًا بعد الآخر ومعاقله تنهار تباعًا.
قد يخطف الإرهاب الأنظار بجريمة حقيرة، وقد ينفذ عملية خسيسة هنا أو هناك لكنه لن يفلت بها من العقاب.
قد يستمر الخوف منه لبعض الوقت، لكنه لن يدوم، ولن يطول بعد الأقباط عن بيوتهم، بل ستكون عودتهم قريبة مثلما ستكون هزيمة الإرهاب محتومة، فلم يكتب التاريخ يوماً أن إرهابًا قد انتصر على دولة أو هزم شعبًا، أو فرق أمة.
إنها حرب طويلة ويدرك رجال الجيش والشرطة أنها لن تنتهى فى يوم وليلة، كما يعلمون أنها ستكون لها خسائر متنوعة، بين شهداء وممتلكات، لكنهم على يقين بأنها حرب محسومة، فالمصريون يمتلكون من الصلابة والتوحد ما يجعلهم قادرين على سحق الإرهاب، ولن يتركوا مساحة لمن يريدون الشماتة، لن يفتحوا الباب لمن يريدون استغلال الأوضاع كى يزايدوا على الدولة، فالجميع موحدون فى مواجهة الخطر الذى يهدد كل المصريين، ولا يفرق بين مسلم ومسيحى، ولا بين عسكرى ومدنى.
ليس صعبًا أن يعود أقباط العريش إلى ديارهم قريبا، فالدولة قادرة على ذلك وتملك حمايتهم، بل كما قال وزير الداخلية اللواء مجدى عبدالغفار نفسه فالشرطة لم تطلب من هؤلاء الأهالى أن يتركوا منازلهم وكانت قادرة على حمايتهم فى مواقعهم، لكن انتقالهم إلى الإسماعيلية أو أى محافظة أخرى كان قراراً شخصياً منهم لا يعنى أبدا أنهم فى خطر وإنما هو خوف شخصى مشروع.
لكن رغم هذا حاول البعض استغلال الأمر وتصويره علي أنه نزوح أو تهجير طمعًا فى تشويه صورة مصر ومحاولة لإظهار المشهد السيناوى وكأنه تحت سيطرة بيت المقدس على النسق الداعشى فى العراق أو سوريا، لكن سيناء لم ولن تكون العراق أو الموصل أو سوريا، وإنما هى بكل الأحوال تحت سيطرة القوات المسلحة المصرية، وما حدث مع الأقباط كان يمكن أن يحدث مع غيرهم من المسلمين سواء عواقل سيناء أو شبابها، والأرقام تؤكد أن من تعرضوا للإرهاب وقتلواغدرا بسلاحه من المسلمين أضعاف من طالتهم الأيدى الأثمة من الأقباط، لكن الأمر مخطط أن يكون الهدف هذه المرة وفى هذا التوقيت هم الأقباط وليس غيرهم.
لن أتحدث عن كيف فرق الإرهابيون بين المسيحيين والمسلمين رغم أن أبناء المجتمع السيناوى تصعب التفرقة تماما بينهم.
ولن أتساءل كيف رصدوا تحركات ضحاياهم وتوقيتات تواجدهم.
ولن أستسلم للشكوك التى تراودنى مثل غيرى كثيرين عن أن لهؤلاء الإرهابيين أيادى تعاونهم وأعينًا ترصد لهم من بين أبناء سيناء وقبائلها.
فكل هذه أسئلة وتخمينات ستجيب عنها عاجلًا أم آجلًا أجهزة الأمن لتضع لنا نقاطًا فوق الحروف الغامضة فى هذا الملف.
لكن سأتحدث عن أمر آخر، لماذا الأقباط الآن فى سيناء.
الأمر المؤكد أنها ليست مصادفة ولا استهدافاَ عشوائىاً وإنما خطة واضحة لضرب الدولة المصرية فى نقطة ضعفها حسب رؤية التنظيمات الإرهابية ومن يمولهم ويدعمهم ويخطط لهم، فأمام الضربات القاصمة للقوات المسلحة خلال الفترة الماضية والتى أفقدت تنظيم بيت المقدس الكثير من عناصره، والإعلان الرسمى عن السيطرة الكاملة على سيناء واقتحام القوات لجبل الحلال، والسيطرة عليه بشكل شبه كامل وفضح الكثير من الأسرار التى تخص هذا التنظيم الإرهابى ومن يقفون وراءه، والعثور على جثث بين من قتلتهم القوات ينتمون لأجهزة مخابرات تابعة لدول مجاورة لم يكن أمام تلك التنظيمات سوى تنفيذ عملية يكون لها صدى ضخم إعلاميا ودوليا، وهذا لن يحققه إلا استهداف مباشر للأقباط، وتصوير الأمر على أنهم مستهدفون وأنهم سيتم التعامل معهم باعتبارهم كفار مثلما حدث مع مسيحى العراق.
وساهم في اختيار التوقيت قرب زيارة المستشارة الألمانية ميركل ومحاولة تمهيد الأرض أمامها لتضطر لفتح ملف الأقباط.
الرهان الواضح فى هذه العملية لم يكن على كثرة من يسقطون ضحايا من الأقباط، وإنما على نشر الخوف بينهم، وبث الرعب بين نسائهم بعد أن يشاهدن أزواجهن ورجال أسرهن يقتلون أمامهن، وهذا ما حدث حرفيا، تملك الخوف من الأسر القبطية، وما أن أعلنت أسرة واحدة الانتقال إلى مكان آخر بعيدا عن العريش حتى تبعتها عشرات الأسر بحثا عن نفس المكان والأمان.
المؤكد هنا أن المغادرة القبطية للعريش ليست هى الحل والمؤكد أيضا أنها لن تطول، وإنها كما قال محافظ شمال سيناء عبدالفتاح حرحور أمر مؤقت لن يطول كثيرا وسيعود هؤلاء إلى أسرهم.
وبعيدا عن كل ما شهده الإعلام المصرى والساحة السياسية من عشوائية فى تناول الأمر، ما بين من انساقوا وراء تسمية ما حدث بالنزوح تحقيقا لما يريد الإرهابيون بثه من مصطلحات تعطى صورة خطيرة عن الوضع فى سيناء، ومن تعاملوا مع الموضوع بمنطق الانتهازية السياسية سواء بالمزايدة على الدولة المصرية وأجهزتها، أو بتحقيق مكاسب سياسية على حساب الأقباط وأمنهم، لكن تبقى عدة حقائق لا يمكن تجاهلها .
الأولى.. أن الكنيسة كانت أول من فطن إلى خبث المخطط وفهم مغزاه المتمثل فى رغبة التفتيت المجتمعى وإسقاط ثقة الأقباط فى الدولة ومؤسساتها وعدم قدرتها على حمايتهم، وهذا الفهم الواعى لقيادة الكنيسة كان سببا فى قطع الطريق على كثير من الأساليب الرخيصة للمتاجرة بآلام الوطن، فقد كشف هذا الموقف الوطنى من الكنيسة والأقباط مواقف اللاعبين على الأجندات الأجنبية والمنفذين لمخططات الفوضى والتخريب، مثل من يطالبون باللجوء إلى المفوضية الدولية للاجئين أو من يسخرون الحادث للسخرية من النظام المصرى أو من يروجون حوله الشائعات والأقاويل لإرضاء القوي الدولية الإقليمية التي حاولت حرق مصر بعد المخطط، فالكنيسة وقياداتها وأقباط مصر أعلنوا أن الدولة أولى بالدفاع عن مصالح الأسر المنتقلة من العريش ولن يتركوا الفرصة لأحد حتي يستغلها .
الثانية.. أن الدولة كانت على قدر الحدث وتحملت مسئوليتها منذ اللحظة الأولى، سواء رئاسة الجمهورية التى كانت توجيهاتها واضحة فى اتجاهين، الأول هو التأكيد على اجراءات أمنية وعسكرية لمواجهة من يريدون العبث بمقدرات الوطن وزعزعة أمنه، والثانى توفير كل وسائل الرعايا والأمان للأسر المضارة والمنتقلة.
أما على مستوى الحكومة فكان التحرك نموذجيا من خلال الوزراء المعنيين بداية بوزيرة التضامن الإجتماعي الدكتورة غادة والى والتى كانت أول من وصل إلى الإسماعيلية لتكون بين الأسر المنتقلة وتعيش وسط معاناتهم وتوفر لهم كل وسائل الراحة، ليعقبها فى اليوم التالى وزير الصحة وبينهما توالت التدخلات الوزارية من توفير وزارة الإسكان للشقق المطلوبة لإقامة تلك الأسر ووزارتا والتعليم والتعليم العالى لتوفير كل وسائل التعويض للطلاب المنتقلين فى المدارس أو الجامعات.
وهذه التحركات الحكومية التى تواكبت معها مساندات من المجتمع المدنى لاقت ترحيبا من الكنيسة.
الثالث.. أن الجميع وفى مقدمتهم الأسر المنتقلة من العريش يدركون أن الإرهاب لا دين له ولا وطن وأن القضية ليست ضعف دولة ولا عجزا فى المواجهة ولا تخاذلاً عن حماية الأقباط وإنما هو الإرهاب الذى لم يفلت منه أحد ويستهدف فى المقام الأول والأخير هدم الدولة المصرية وزعزعة استقرارها، ونشر الفوضى وهو ما لن يصلح فى مواجهته سوى التوحد
الرابع.. أن الدولة أدركت تماما أن الأنفاق لا يمكن التعامل معها سوى بطريقة واحدة وهى الحسم والتدمير فهى بوابة الشر الأساسية التى تدخل منها إلى سيناء الأسلحة والمتفجرات والعناصر المدربة على الإرهاب، ولهذا فلن تتوانى القوات المسلحة عن تدمير كل الأنفاق والقضاء عليها نهائيا، دون النظر إلى أى اعتبارات غير مصلحة الأمن القومى المصرى وحمايته، فلن يوقف هذا التوجه المصرى غضب حماس ولا حزنها على ثلاثة من عناصرها ماتوا مختنقين داخل أحد الأنفاق، فمن يحاول التسلل إلى سيناء من داخل الأنفاق لا وصف له إلا إرهابى أو خارج عن القانون ولن يتم التعامل معه إلا بالمواجهة الحاسمة، فمصر لها أبواب رسمية مفتوحة بشكل شرعى لمن يريد أما التسلل من الأنفاق فليس له رد إلا الموت.
الخامس.. أن هذا الحادث وإن كان مقصودا به التشكيك فى قدرات أجهزة إنفاذ القانون وإضعاف معنوياتها فهذا ضرب من المستحيل، لأن رجال الجيش والشرطة يعلمون أنهم يواجهون خطرا لن ينتهى فى يوم وليلة وأنه سيستغرق وقتا والحرب على الإرهاب تتطلب نفسًا طويلًا، لكن النجاحات التى تحققت فى الفترة الماضية، سواء فى القدرة على حصر الإرهاب فى مساحة لا تزيد عن ألف كيلو متر مربع فقط من إجمالى سيناء. والتى تزيد عن ٦٣ ألف كيلو متر مربع وفرض كماشة عليه، والقدرة على توجيه ضربات قاتلة للتنظيمات الإرهابية وقتل ما يزيد عن ٥٠٠ من عناصرهم ضمن عملية حق الشهيد وحدها دليل على ضعفها وأنها تحيا فقط بما يصل إليها من دعم خارجى تم فضحه من خلال الوثائق والعناصر التى ضبطت فى جبل الحلال وسيتم في الفترة القادمة العمل على تجفيفه، بل سيكون هذا نفسه دافعا لتراجع مصر سياستها الهادئة والعاقلة فى مواجهة المتآمرين على أمنها القومى، فلن تحافظ مصر طويلًا على شعرة معاوية مع هؤلاء لمجرد أنهم عرب أو يمكن أن يعودوا لرشدهم بعد أن أصبح من المؤكد أنهم لا يشغلهم سوى تدمير مصر.
ولكن متى ستقطع مصر شعرة معاوية مع هؤلاء لتواجههم بقوة.. هذا لا يملكه إلا صاحب القرار، لكن ما نتمناه أن يكون هذا سريعًا، فبعد أن تجاسر هؤلاء إلى هذا الحد وبدأوا فى موجة جديدة من الاستهداف بمنطق يظنون أنهم قادرون عليه وهو إخلاء سيناء من الأقباط، ولو بالخوف والترهيب فقط.. لم يعد أمام الدولة سوى الإعلان عن ساعة الحسم النهائية للتخلص من هذا التنظيم.