حزب الله يعلن عن معركة الحساب المفتوح ضد إسرائيل.. ما هي مآلات التصعيد؟
تشهد الحدود الشمالية للأراضي الفلسطينية المحتلة تصعيدًا غير مسبوق بين إسرائيل من جهة، وحزب الله اللبناني من جهة أخرى، على خلفية التطورات الأخيرة، التي تضمنت تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكية في أيدى من يحملونها، ما يثير المخاوف من جر المنطقة إلى صراعًا أوسع نطاقًا لا يعلم عقابها، خاصة بعد إعلان الأخير دخول الصراع مرحلة جديدة عنوانها "معركة الحساب المفتوح".
ويؤكد حزب الله أنه مستمر في مؤازة الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي الذي شارف عامه الثاني، ما يعني أنه ما لم يتوقف ذلك العدوان، فهو مستمر في استهداف البلدات الإسرائيلية، لاسيما التي تقع في الشمال، ما سبب في نزوح عشرات الآلف من قاطنيها، خُلقت على إثرها أزمة سياسية في "تل أبيب".
وعلى خلفية تلك التطورات، اعتبرت "تل أبيب" إعادة سكان الشمال إلى منازلهم أحد أهداف الحرب المعلنة على غزة، ولم يمضي سوى سويعات عن ذلك الإعلان، حتى ضربت لبنان سلسلة متلاحقة من تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية بأيدي من يحملونها، أسفرت عن مقتل 37 شخصًا، فضلًا عن إصابة ما يزيد عن 3000 آلاف شخص.
وفي خطاب، ألقاه زعيم حزب الله، حسن نصر الله، في أعقاب تلك الهجمات، أكد بشكل واضح أن جبهة لبنان لن تتوقف عن إسناد قطاع غزة، قبل أن تتوقف الحرب الإسرائيلية على القطاع، متحديًا الحكومة الإسرائيلية بأنها لن تستطع إعادة سكان الشمال إلى منازلهم دون تحقيق ذلك.
أُلحق خطاب نصر الله، بسلسلة من الغارات الإسرائيلية، طالت نواحي متفرقة من الأراضي اللبنانية، بما في ذلك الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث قتل 51 شخصًا، من ضمنهم 16 من عناصر حزب الله، أبرزهم القيادي إبراهيم عقيل، المسؤول العسكري الثاني في الحزب، بعد فؤاد شكر الذي اغتالته إسرائيل في يوليو الماضي.
ورسميًا، تبنت إسرائيل اغتيال "عقيل"، لكنها أنكرت مسؤوليتها حيال تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية في أيدي من يحملونها، على الرغم من أن العديد من المصادر أكدت أنها تقف وراء تلك الهجمات، بما في ذلك الصحافة العبرية، التي أكدت أن ذلك جاء في إطار سلسلة من المشاورات الأمنية أجراها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع عدد من كبار الوزراء ورؤساء المؤسسة الأمنية وأجهزة المخابرات، هذا بالإضافة إلى أن مراقبين أكدوا أن لغة الجسد لرئيس الوزراء الإسرائيلي في تصريح مقتضب عقب الحادثة بخصوص عودة سكان الشمال توحي بأن بلاده ضالعة في تفجيرات لبنان.
وفي إطار الرد على ذلك، شن حزب الله ضربات صاروخية هي الأعمق داخل إسرائيل منذ بدء المواجهات بين الطرفين في الثامن من أكتوبر الماضي، إذ وصلت الصواريخ إلى حيفا البعيدة 40 كيلومترًا عن الحدود.
وأعلن الحزب اللبناني على لسان نعيم قاسم نائب الأمين العام للحزب، عن دخول مرحلة جديدة عنوانها "معركة الحساب المفتوح"، موضحًا أن إسرائيل "ستموت رعبًا" جراء الخطط التي يحضرها الحزب.
وأكد على أن الهجمات الصاروخية، التي نفذها في وقت مبكر اليوم على أهداف بينها مجمع الصناعات العسكرية لشركة رافائيل، وقاعدة رامات ديفيد الجوية، قرب مدينة حيفا هي دفعة من الحساب في "معركة الحساب المفتوح" مع إسرائيل.
في المقابل، يزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن حكومته تفضل ألا تذهب إلى حرب شاملة في التصعيد مع حزب الله، لكنها عازمة في الوقت نفسه على إبعاده عن الحدود.
مساعي دبلوماسية
بدوره، قال البيت الأبيض، إن هناك طرقًا أفضل لإعادة الإسرائيليين إلى منازلهم في الشمال، بدلًا من الحرب وفتح جبهة ثانية ضد حزب الله، مؤكدًا على أن الولايات المتحدة تفعل كل ما في وسعها للحيلولة دون تحول القتال بين الجانبين إلى حرب شاملة.
وطالبت الإدارة الأمريكية من إسرائيل الامتناع عن اتخاذ إجراءات مثل الغزو البري أو الضربات الجوية واسعة النطاق في المناطق المدنية في لبنان، مما يؤدي إلى توسيع نطاق الحرب، طبقًا لما أورده موقع "أكسيوس" الأمريكي عن مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين.
لكن موقع "والا" العبري يقول إن الولايات المتحدة، رغم معارضتها العلنية حربًا شاملة مع حزب الله، فإنها تؤيد سياسة التصعيد الإسرائيلية ضد الحزب، لتحقيق ضغط عسكري يفتح الطريق لتفاهم دبلوماسي ينهي الصراع في الشمال ويسمح للسكان بالعودة إلى ديارهم على طرفي الحدود.
مآلات الصرع
وفي خضم ذلك التصعيد غير المسبوق القائم بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، تبرز العديد من التساؤلات: إلى أي وقت سيستمر ذلك التصعيد بين الجانبين.. وما هو الشكل الذي سيأخذه.. وهل نشاهد توغلًا بريًا؟.
في غضون ذلك، يؤكد اللواء طيار دكتور هشام الحلبي، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية، على أن التطورات الحاصلة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، كانت متوقعة، منذ فترة طويلة، ومؤخرًا أعلنت إسرائيل بشكل واضح أن تلك الجبهة هي التي ستشهد تصعيد.
وأوضح "الحلبي" في حديثه لـ"دارالهلال"، أنه على الرغم من أن هناك مناوشات دائرة بين الجانبين، منذ الثامن من أكتوبر الماضي، إلا أنها شهدت تصعيدًا ملحوظًا مؤخرًا بدأ بشكل هجمات سيبرانية على جنوبي لبنان أدت إلى تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية.
وأضاف:"تفجير أجهزة الاتصال أدى إلى إصابة عدد من المدنيين، إلا أنها في الأخير أدت إلى مقتل وإصابة عدد من عناصر حزب الله، وهي ضربة كانت موجعة، تبعها ضربات جوية وقصفات صاروخية من إسرائيل، وهو ما رد عليها حزب الله من جهته بقصف صاروخي أيضًا".
وفي تقدير الخبير العسكري والإستراتيجي، أن هذا التصعيد سيستمر؛ وذلك نظرًا لأن هدف إسرائيل تدمير إمكانيات حزب الله، وتقليصها إلى أقل قدر ممكن، بما يحقق عودة مستوطني الشمال إلى منازلهم.
وفي المقابل، شعر حزب الله بأنه تلقى ضربة قاصمة، بعد استهداف قيادته المتكرر، فهذا يدفعه لرغبة في الثأر والرد؛ لأن استهدافه في منطقة جنوبي لبنان التي تعتبر البيئة الحاضنه له، يعتبر هزة كبيرة لصورته، حسبما يذكر "الحلبي"، الذي يعتقد أن هذا التصعيد سوف يستمر مستقبلًا.
وفي رأي الحلبي، أن نشوب حرب برية بين كلا الجانبين مستبعد حتى الآن؛ لأن التوغل الإسرائيلي البري في جنوب لبنان، له كُلفة عالية عليها من ناحية الخسائر، كذلك من غير المتوقع أن يقدم حزب الله على مثل تلك الخطوة في الشمال الإسرائيلي.
وأشار إلى أن التصعيد بين الجانبين قد يأتي في شكل قصفات صاروخية، وضربات مدفعية، واستخدام طائرات بدون طيار، فضلًا عن استخدام قوات جوية واستمرار الاغتيالات من جانب إسرائيل، موضحًا أنها نجحت بالفعل في تنفيذ عمليات الاغتيالات.