لبنان يشهد مزيدا من التصعيد.. نزوح أكثر من نصف مليون مواطن وتحذيرات من حرب شاملة
لا تزال الساحة اللبنانية تشهد تصعيدا خطيرا للأسبوع الثاني منذ انفجار أجهزة بيجر في لبنان الثلاثاء من الأسبوع الماضي، وتوالي الهجوم عبر تفجير أجهزة لاسلكي والغارات الجوية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، حيث نفذ طيران الاحتلال سلسلة غارات عنيفة استهدفت عددًا من البلدات اللبنانية خلال الساعات الماضية أدت مئات الشهداء والمصابين.
وصباح اليوم، استهدفت سلسلة غارات جوية إسرائيلية عنيفة استهدفت بلدات في الجنوب اللبناني والبقاع شرق البلاد، وصلت [أن أكثر من 14 غارة إسرائيلية، وتسببت في أضرار جسيمة بالممتلكات على بلدة الشعيتية جنوب لبنان، حيث تعد هذه المرة الأولى التي يستهدف فيها الطيران الحربي الإسرائيلي المنطقة الواقعة بين بلدتي الجية والسعديات شمال مدينة صيدا، كذلك طالت الغارات أنحاء مدينة بعلبك وبلدات النبي شيت، شعت، سرعين، مشغرة، سحمر، يحمر، لبايا، قليا، ميدون، على النهري، الناصرية في البقاع، وفي المقابل أطلق حزب الله صواريخ في قرى مندا وشفا عمرو وبئر المكسور وسط الجليل والجليل الغربي، حيث استهدف مقر قيادة الموساد في ضواحي تل أبيب، اليوم، بصاروخ باليستي من طراز "قادر1".
تحذيرات من الأوضاع في لبنان
بينما تستمر التحذيرات العربية والدولية من الهجمات المتواصلة على مناطق متفرقة، والتي تحصد أرواح الأبرياء الأبرياء من المدنيين، حيث أسفرت غارات الاحتلال على أنحاء لبنان وتحديدا في الجنوب عن استشهاد ما يزيد عن 500 مواطن وإصابة ما يزيد عن 1800 آخرين، ، بحسب أحدث بيانات وزارة الصحة اللبنانية.
وفي بيان لها اليوم، شددت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على أن هذا التصعيد تسبب في دمار مناطق لبنانية عديدة، مؤكدة أن التفجيرات المدمرة في لبنان تحصد أرواح الأبرياء وتجبر الآلاف على الفرار، مؤكدة أن احترام القانون الإنساني الدولي وضمان حماية المدنيين هو التزام بالغ الأهمية، وأن المدنيين والعاملين في المجال الإنساني ليسوا أهدافا.
ومن جانبه، طالب بابا الفاتيكان فرنسيس، المجتمع الدولي بالتحرك من أجل وقف التصعيد الرهيب في لبنان ما أسفر عن مئات الشهداء وعدد كبير من الجرحى، مؤكدا في كلمة له خلال جلسة استقبال تقليدية في ساحة القديس بطرس الشهيرة بالفاتيكان: "شعرت بحزن شديد إزاء الأخبار الواردة من لبنان، حيث وقعت الكثير من الخسائر في الأرواح وحصل دمار بسبب القصف المكثف في الأيام الأخيرة".
وأضاف: "آمل أن يبذل المجتمع الدولي كل ما بوسعه لوقف هذا التصعيد الرهيب، فهذا لا يمكن قبوله"، مشيرا إلى الأزمات التي طرأت على لبنان بشكل مباشر مثل الأزمة الاقتصادية والسياسية، وانفجار مرفأ بيروت عام 2002، و أن الشعب اللبناني تأثر من هذه الأزمات.
ودعا الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى حل دبلوماسي في وقت تواصل إسرائيل ضرب أهداف لحزب الله في لبنان، محذّرا من حرب شاملة، مؤكدا في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أمس الثلاثاء، أن اندلاع حرب شاملة لا يصب في مصلحة أي طرف، رغم تدهور الوضع، إلا أن التوصل إلى حل دبلوماسي ما زال ممكنا".
تحذير مصري أردني عراقي
وفي بيان مشترك اليوم الأربعاء، حذّرت مصر والأردن والعراق، في بيان أصدره وزراء خارجية الدول الثلاث، من أن إسرائيل تدفع المنطقة إلى حرب شاملة، مع مواصلتها الحرب في قطاع غزة، وتصعيدها القصف الجوي ضد أهداف لحزب الله في لبنان، حيث أكد وزراء الخارجية بعد اجتماع في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن وقف هذا التصعيد يبدأ بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة.
وأدان الوزراء العدوان الإسرائيلي على لبنان، مؤكدين أن إسرائيل تدفع المنطقة إلى حرب شاملة".
مئات الآلاف من النازحين
ومنذ الإثنين الماضي، شهد لبنان وتحديدا في الجنوب موجات نزوح كبيرة، جراء التهديدات الإسرائيلية والغارات على الضاحية الجنوبية، مع تقديرات لأعداد النازحين باتجاه بيروت، بنحو 300 ألف نازح تحركوا في وقت واحد من الجنوب ما تسبب في اختناق مروري على طول الشريط الساحلي، فيما قال وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، إن عدد النازحين اقترب من نصف مليون منذ التصعيد الأخير، وفقا لما أعلنه أمس الثلاثاء.
وشملت حركات النزوح من جنوب لبنان قرى وبلدات في الخطوط الثانية والخلفية للمواجهة وفقا لوسائل إعلام لبنانية مثل بنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا والنبطية وصور والزهراني وصولا إلى البلدات المحيطة بمدينة صيدا التي تعتبر بوابة العبور إلى الجنوب.
وأعلنت السلطات اللبنانية الاثنين الماضي، عن فتح المدارس والمعاهد لإيواء النازحين من جنوب البلاد، كذلك قررت إيقاف العمل في مدارس الجنوب لمدة يومين، ليتم بعد ذلك تعليق الدراسة الجامعية في كافة أنحاء البلاد.
خطورة التصعيد
وقال محمد مرعي، كبير الباحثين بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن المرحلة الحالية تجاوزت التصعيد بين إسرائيل وحزب الله، ودخلت فعليا لمستوى المواجهة والحرب المفتوحة، وسقف وحدود الاشتباك بين الطرفين تخطى الحدود التي كانت سارية خلال الشهور الماضية من عدم الرغبة والحذر من التصعيد الواسع، إلا أن نتنياهو واليمين المتطرف الحاكم معه في إسرائيل توصلوا لاستراتيجية وخطة عمل جديدة مع الأمريكيين وحصلوا منهم على الضوء الأخضر.
وأضاف في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أنه تتمثل هذه الخطة في أنه في حالة "خفض التصعيد" مع حزب الله وإجباره على وقف هجماته على شمال إسرائيل بما يسمح بعودة أكثر من 100 ألف مستوطن لمناطق الشمال، فيجب "زيادة التصعيد" وتوسيع رقعة المواجهة الحالية لدفع حسن نصر الله على قبول ما هو مقدم على الطاولة.
وأشار إلى أن المعضلة أننا أمام موقف متأزم بالفعل، فحزب الله لن يوافق على وقف إطلاق النار ووقف هجماته على شمال إسرائيل بما يسمح بعودة السكان إلا بعد وقف إسرائيل حربها وعدوانها على قطاع غزة، في نفس الوقت إسرائيل ترغب في إخماد ما يسمى جبهات الإسناد لغزة خاصة من جانب حزب الله الذي يمثل أحد أهم المحاور في جبهة الإسناد الإقليمية والتي تدور في فلك المصالح والتحركات الاستراتيجية الإيرانية.
وأضاف أن نتنياهو بالتأكيد اختار التصعيد والمواجهة المفتوحة، وبدأها بهجوم "البيجرز" ثم استهداف قادة الرضوان من قوات النخبة التابعة لحزب الله في قلب الضاحية الجنوبية، ثم توسيع الضربات الجوية لتشمل البنى التحتية المدنية والكتل السكانية، وهو ما أسفر عن سقوط المئات من القتلى والجرحى من المدنيين، وأصبحت فعليا الضاحية الجنوبية لبيروت منطقة عمليات وبنك أهداف للجيش الإسرائيلي.
وتابع أنه قد يقول البعض أن إسرائيل تهدف من خلال تكثيف هجماتها وضرباتها غير المسبوقة على جنوب لبنان هو دفع حزب الله لقبول التوصل لاتفاق، لكن في رأي أن الهدف الاستراتيجي لإسرائيل هو تقويض القدرات التنظيمية والصاروخية والعسكرية لحزب الله بصورة تمنعه من تهديد شمال إسرائيل بعد ذلك، كما أن الهجوم الجوي الكاسح على بنك أهداف واسع في جنوب لبنان يشير أن إسرائيل تمهد الطريق للقيام بغزو بري محدود لجنوب لبنان.
وأوضح أن إسرائيل تسعى لتحييد القدرات الصاروخية لحزب الله عبر استهداف منصات إطلاق الصواريخ وإحداث فوضى في البنية التنظيمية والميدانية للحزب، ثم يعقب ذلك الدخول البري، وهو نفس ما حدث مع غزة بالفعل، حيث كثفت إسرائيل من ضرباتها الجوية الوحشية لثلاثة أسابيع لاستهداف القدرات العسكرية لحماس وباقي الفصائل، وانتهى الأمر أن بدأت الاجتياح البري في 28 أكتوبر 2023.
وأكد أن حزب الله، رأي أنه تم استدراجه لهذه المواجهة والحرب المفتوحة، فبعد تجاوز إسرائيل كل الخطوط الحمراء وسقف الاشتباك، أصبح حزب الله أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول: أن يسعى لامتصاص هذه الضربات الإسرائيلية وبالتالي السماح لإسرائيل بتدمير قدراته العسكرية والصاروخية بل وتدمير الضاحية الجنوبية، والثاني: هو التصعيد في مستوى ومدى هجماته الصاروخية على إسرائيل وضرب العمق الإسرائيلي ردا على ضرب إسرائيل للعمق اللبناني، وأعتقد أن حزب الله بدأ يدرك ذلك حاليا وصعد من هجماته للعمق الإسرائيلي، وعليه مع هذا التصعيد غير المسبوق قد تتحرك الأطراف الدولية بشكل جدي وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار.
ولفت إلى أنه بالنسبة لجبهات الإسناد الأخرى، كالحوثيين والمقاومة الإسلامية في العراق، فأعتقد أنها قد تصعد من هجماتها خلال المرحلة المقبلة، في مسعى منها لدعم حزب الله في مواجهة إسرائيل، لكن في تقديري أن تأثير جبهات الإسناد هذه لن يكون فاعلا في ودافعا لخفض التصعيد، وقد تتغير المعادلة فقط في حال قررت إيران الدخول كداعم ومساند لحزب الله خاصة أنها لم تقوم حتى الآن بتنفيذ تهديداتها بالرد على اغتيال إسرائيل القيادي الحمساوي إسماعيل هنية في طهران في 31 يوليو الماضي.
واستدرك أن دخول إيران بشكل صريح في مربع المواجهة بين إسرائيل وحزب الله سيعني أننا أصبحنا أمام حرب إقليمية أوسع نطاقا، وسيشتعل الشرق الأوسط بالكامل، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تترك إسرائيل بمفردها، مضيفا أن القوى العربية والإقليمية الرئيسية عليها التحرك سريعا واستخدام كل أدواتها لمنع الوصول لهذه الحرب المدمرة والتي ستطال مخاطرها الجميع بلا استثناء.
وتابع أنه على كل الأطراف أن تعود للسبب الرئيسي لاشتعال الموقف الحالي وهو استمرار الحرب الإسرائيلية العدوانية على قطاع غزة، فوقف حرب غزة سيكون مقدمة لاستعادة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وتجنب الانزلاق لحالة الفوضى الشاملة.