صاحب صناعة الأمن السعودى محمد بن نايف.. جنرال الحرب على الإرهاب
يحظى الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، ولى العهد السعودي، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، ورئيس مجلس الشئون السياسية والأمنية، بإشادات عالمية واسعة، أثنى على جهوده الجميع فى مُكافحة الإرهاب المُنظم، ودعم الجهود الدولية، لاسيما فى مجال الاستخبارات وتبادل المعلومات حول الخلايا الإرهابية فى مُختلف مناطق العالم، كما أشرف على العديد من اللجان والحملات الإغاثية، ونفذ خططاً واستراتيجيات مُكافحة الإرهاب بالمملكة، والغرب ينظر إلى الأمير بن نايف على أنه رأس حربة النظام السعودى فى مواجهة تنظيم «القاعدة» والموالين له، ويعتبر الصيد والفروسية من.. أهم هواياته.
لم يكن قرار العاهل السعودى الملك سلمان بن عبد العزيز بتعيين الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز (٥٨ عاماً) وهو من الأحفاد، وليا للعهد؛ إلا عن جدارة استحقها هذا الأمير. وأمر خادم الحرمين باختيار الأمير محمد ولياً للعهد بعد طلب الأمير مقرن بن عبد العزيز بإعفائه من منصبه فى أبريل عام ٢٠١٥.
ويمتاز بن نايف بالمعرفة العميقة بالشأن العام، والتواصل مع المواطنين ورجال الفكر والسياسة والدبلوماسية فى مجالسه العامة والخاصة، فضلاً عن شبكة علاقات إقليمية ودولية واسعة، كما للأمير باع طويل فى الحرب على الإرهاب، حيث يتبنى فلسفة تجمع بين الملاحقة المكثفة للتنظيمات الإرهابية إلى جانب إعادة «تثقيف وتأهيل» المنتمين لجماعات دينية غير متورطة بشكل مباشر فى أعمال عنف.
«حضن والده»
ولد محمد بن نايف فى أغسطس عام ١٩٥٩ وتربى فى كنف والده الأمير نايف الذى توفى فى ٢٠١٢ بعد أن قاد وزارة الداخلية طوال ٣٧ سنة، وكان الأمير قد استعد لسنوات ليشغل منصب والده.. ووالدته هى الأميرة الجوهرة بنت عبد العزيز بن مساعد آل سعود، ومُتزوج من الأميرة ريما بنت سلطان بن عبد العزيز آل سعود، ولديه من الأبناء الأميرة سارة، والأميرة لولوة.
ونشأ الأمير بن نايف فى بيئة حكم سياسى عريق، فهو أحد أحفاد مؤسس المملكة العربية السعودية، وبانى كيانها الملك عبد العزيز، وكانت له تجربة سياسية وأمنية وإدارية عميقة، كما يُعد شخصية عالمية بارزة فى ميادين العمل الإنساني.. اكتسب من والده ومن بيئة الحكم والسياسة المزيد من الخبرات السياسية والإدارية والاتصالية، كما أكسبه ذلك معرفة مُتعمقة بالشأن العام والتواصل مع المواطنين ورجال الفكر والسياسة والدبلوماسية، الذين كانوا يلتقون بوالده فى مجالسه العامة والخاصة، وخلال زياراته الخارجية لمختلف دول العالم.
ودرس بن نايف فى مراحل التعليم الابتدائية والمتوسطة والثانوية بمعهد العاصمة فى الرياض، ثم درس المرحلة الجامعية بالولايات المتحدة الأمريكية وحصل على بكالوريوس فى العلوم السياسية عام ١٩٨١، كما أنهى عدة دورات عسكرية مُتقدمة داخل وخارج المملكة العربية السعودية تتعلق بمُكافحة الإرهاب، ويصفه الخبراء بـ«جنرال الحرب على الإرهاب».
«فارس.. وقناص»
الأمير بن نايف يُمارس رياضة القنص فى الصحراء، ويهتم بالرماية والفروسية، ويُمارس الصيد السباحة بشكل مُستمر. فضلاً عن أنه يتمتع بحس إنسانى ووطنى تجلى فى مواجهته لأكبر تحد واجهته المملكة خلال فتنة التطرف والإرهاب وقدرته على الموازنة بين الحزم الأمنى والمتابعة الإنسانية لأسر شهداء الوطن والمتورطين فى التطرف.
وعمل فى القطاع الخاص قبل التحاقه بالعمل الرسمي، والذى انتهت صلته بهذا القطاع عام ١٩٩٨، وكانت تجربة ثرية فى المجال الاقتصادى والمالى والتجارى على الصعيدين الداخلى والخارجي، كما تنوعت مهاراته الاتصالية من خلال تعاملاته مع مختلف العاملين فى هذه المجالات الحيوية والمؤثرة فى شئون الدولة والأفراد.
وشغل منصبه الرسمى الأول عام ١٩٩٩ عندما عُين مساعداً لوزير الداخلية، وبصفته هذه، قاد الأمير محمد بن نايف حرب السعودية على المتطرفين الإسلاميين فى الداخل، كما صدرت الموافقة من الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ولى العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطنى بضمه إلى عضوية المجلس الأعلى للإعلام.
وشهدت المملكة بين ٢٠٠٣ و٢٠٠٦ موجة من الهجمات الدامية التى نفذها تنظيم القاعدة واستهدفت مقار رسمية ومنشآت عسكرية ونفطية وأهدافا غربية.. وقد نجحت جهود الأمير، لدرجة كبيرة بتقويض نشاط “القاعدة” فى المملكة ما دفع بالتنظيم إلى التحصن فى اليمن المجاور، حيث تم عام ٢٠٠٩ دمج الفرعين اليمنى والسعودى فى ما بات يعرف بتنظيم “قاعدة الجهاد فى جزيرة العرب”.
«استهداف فاشل»
الأمير محمد بن نايف، هو العضو الوحيد فى أسرة آل سعود، الذى تعرض لهجوم شخصى مُباشر من قبل تنظيم “القاعدة”، ونجا فى سبتمبر عام ٢٠٠٩ من مُحاولة اغتيال نفذها انتحارى فجر نفسه بمجلسه فى منزله بجدة وقضى الانتحارى فى العملية ولم يصب الأمير؛ إلا بجروح طفيفة، قال بن نايف حينها، إن هذه العملية «لا تزيدنا إلا تصميما على استئصال الفئة الضالة كلها».. وتستخدم عبارة «الفئة الضالة» فى الخطاب السعودى فى إشارة إلى اتباع تنظيم «القاعدة».
«جولات مكوكية»
قام ولى العهد بعشرات الزيارات لدول ومناطق كثيرة فى العالم لمهام أمنية، وقاد مفاوضات ناجحة مع مسئولين دوليين فى مسائل أمنية حساسة فى مجالى الإرهاب والمخدرات تحديدا.
وشارك فى زيارة وفد المملكة لإيران وهى زيارة تاريخية تم فيها توقيع الاتفاقية الأمنية السعودية- الإيرانية تتضمن مُكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب الدولى وتهريب الأسلحة وغسيل الأموال فى أبريل عام ٢٠٠١.
«هيكلة الداخلية»
أشرف ولى العهد على تنفيذ خطط واستراتيجيات مكافحة الإرهاب ومواجهة أعماله بكل عزيمة واقتدار وحقق بذلك نجاحا حظى بتقدير الجميع محليا، وإقليميا، وعالميا، وقدم طيلة فترة عمله فى وزارة الداخلية تجربة سعودية متميزة فى مجال مكافحة الإرهاب أستفادت منها دول عالمية عديدة.. وللأمير محمد بن نايف مسيرةٌ طويلة أمضاها فى وزارة الداخلية، تحمّل خلالها مسؤولياته الوطنية بحكمة، لاسيما حفظ الجبهة الداخلية عبر تجربة سياسية وأمنية وإدارية، وقاد عملية تطوير هياكل ومهام القطاعات الأمنية بوزارة الداخلية السعودية المُرتبطة به، وفق أحدث الأسس العصرية بتوظيف التقنية والدراسات العلمية.. وتقدمت وزارة الداخلية فى عهده بخطوات كبيرة فى إطار الانتقال من العمل البيروقراطى إلى تفعيل الأنظمة إلكترونياً، ورافق ذلك حملات اجتماعية آتت أكلها وأعادت مفهوم الشراكة الأمنية بين المواطن ورجال الأمن.. ويعرف عن الأمير محمد تمتعه بنفوذ كبير وقبضة حديدية فى وزارة الداخلية.
وتُعد صناعة الأمن مُنتج سعودى خاص وفريد فى التعامل مع الإرهاب بأشكاله كافة، وكان فى البداية محل شك واستغراب دوائر بحثية غربية كثيرة، فلم يكن أحد ليتصور أن استراتيجية «القوة الناعمة» التى دشنها الأمير محمد بن نايف، عبر رفع شعار «المواجهة الفكرية» القائمة على مبدأ المناصحة والإقناع للمتطرفين والمُغرر بهم، ستأتى بثمارها.
«اهتمام بالشباب»
يُولى الأمير بن نايف اهتماماً خاصاً بالشباب ودرء مخاطر الانحراف والإرهاب والمخدرات عنهم، ومساعدة أسرهم على مواجهة جنوح أبنائهم؛ فهو يولى فى الوقت نفسه اهتمامًا بشؤون السجناء، وأسرهم، وكذلك أسر المتورطين فى أعمال إرهابية والذين يتواصلون معه مباشرة، مستنكرين ما أقدم عليه أبناؤهم من تصرفات خاطئة بحق وطنهم وأسرهم.
كما دعم تأسيس أول مركز عالمى من نوعه لمُناصحة ومُتابعة المتطرفين والعائدين من مناطق الصراع، واستنسخت التجربة السعودية فى أكثر من ٢٠ دولة.. ويتوجه جهد مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية إلى أولئك المقبوض عليهم فى قضايا إرهابية وأصحاب الفكر المتطرف، حيث يتم إخضاعهم لدورات تعليمية تتضمن برامج شرعية ودعوية ونفسية واجتماعية وقانونية، بهدف تخليصهم من الأفكار المتطرفة التى يحملونها، وبعد ذلك تقوم الجهات المعنية بالإفراج عن المُتخرجين من الدورات، ممن لم يتورطوا فى قضايا التفجيرات بشكل مُباشر.
وغالباً ما يكون الخاضعون للدورات ممن يحملون الأفكار الإرهابية، أو قدموا نوعاً من المُساعدات البسيطة للإرهابيين، أو أولئك الذين حكم عليهم وانتهت مدة سجنهم.
وأخذ الأمير محمد منذ عام ١٩٩٩ على عاتقه مُهمة مطاردة «القاعدة» بعد العمليات الدامية التى نفذتها خلال الفترة بين عامى ٢٠٠٣ و ٢٠٠٦.
«تفوق سعودى»
يُشار إلى أن ما قام به الأمير محمد بن نايف ساهم فى منع كثير من الكوارث عبر التفوق السعودي، فى تحويل مفهوم الأمن من رد الفعل، إلى صناعة لها مبادئها واستراتيجيتها التى لم تكم وليدة اللحظة؛ بل عبر اختبار وسباق طويل منذ بدايات تأسيس المملكة، حتى اللحظات المفصلية التى شهدتها ضد الإرهاب والعنف المُسلح، مرة عبر حركات تمرد داخلية قبل ظهور «القاعدة» و«داعش» وتارات مع الإرهاب الشيعى المُسيس التابع لطهران عقب الثورة الخمينية، إضافة إلى الإرهاب الفوضوى الذى تتسم به المرحلة بعد صعود تنظيم «داعش». كما عنى بالمراجعين لوزارة الداخلية من المواطنين والمقيمين، ويتفهم أوضاعهم ويتابع إنهاء شكاواهم فى إطار النظام، ويحرص على إحاطتهم بما يتم حيال قضاياهم دون تكليفهم بمراجعة الوزارة وذلك من خلال وسائل الاتصال الحديثة، ويدعم المبادرات الإنسانية والأعمال الخيرية المخلصة، ويتابع ما يُنشر فى وسائل الإعلام عن ذوى الظروف الخاصة، ويبادر سموه إلى إنهاء مشكلاتهم وتحقيق مطالبهم.
«مناصب.. ومؤتمرات»
الأمير بن نايف تقلد عدة مناصب منها، الرئيس الفخرى لمجلس وزراء الداخلية العرب، والرئيس الفخرى ورئيس مجلس إدارة جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، ورئيس الهيئة العليا للأمن الصناعي، ورئيس المجلس الأعلى للدفاع المدني، والرئيس الفخرى للجمعية الوطنية للمتقاعدين، ورئيس اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، والرئيس الفخرى للجنة الوطنية السعودية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم «تراحم».. كما ترأس عدة لجان منها: لجنة الحج العليا، وأشرف على العديد من اللجان والحملات الإغاثية السعودية لمساعدة الشعوب المتضررة فى فلسطين، والصومال، وسوريا، وشرق آسيا، وأفغانستان، وباكستان، ولبنان.. وشارك فى مؤتمرات ولقاءات أمنية عديدة خارج المملكة، كما قام بالعديد من الزيارات الرسمية لعدد من الدول فى مهمات ذات صلة بالشئون الأمنية ومكافحة الإرهاب، وقاد عملية تطوير وتحديث شاملة لقطاعات وزارة الداخلية وفق متطلبات العمل الأمنى وتعزيز قدرات الأجهزة الأمنية ورفع كفاءة عملها.
«تميز.. وأوشحة»
قلّده الملك الراحل فهد بن عبد العزيز رحمه الله وشاح الملك فيصل تقديرًا لجهوده «تخطيطًا وإدارة ناجحة» فى اقتحام الطائرة الروسية المختطفة فى مطار الأمير محمد بن عبد العزيز بالمدينة المنورة، وإنقاذ ركابها مطلع مارس عام ٢٠٠١.. كما قلده خادم الحرمين الشريفين الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وشاح الملك عبد العزيز من الطبقة الأولى فى عام ٢٠٠٩، تقديراً لما يبذله من جهود فى مجال عمله.. كما توجت الإشادة العالمية بمجهودات ولى العهد السعودى بتكريم من قبل استخبارات الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال منحه الجائزة الأولى من نوعها وهى «ميدالية جورج تينيت».
ويقول مراقبون إن «هذا النوع من الإشادة الأمريكية يُعتبر مرحلة جديدة فى العلاقات الأمريكية- السعودية على الصعيد الأمني، والاعتراف بالدور المركزى السعودى فى أمن العالم وليس الإقليم فحسب، وهو دور لم يأت من فراغ؛ بل عبر تضحيات جسام قادتها «الداخلية» مُمثلة فى الأمير محمد بن نايف، الذى أصر على منح مزيد من الفرص لمن يُريد العودة إلى الاعتدال والنجاة من براثن الجماعات الإرهابية».