رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


دراسة: انتشار المطابع بأوروبا تسبب في إعدام 45 ألف ساحر

3-10-2024 | 12:03


لوحة للرسام ويليام فريث عام 1848 توضح محاكمة الساحرات بأوروبا

إسلام علي

سعت دراسة تاريخية حديثة نُشرت في مجلة  "Theory and Society" في آواخر شهر سبتمبر الماضي، إلى تفسير واحدة من أكثر الفترات غموضًا وظلامًا في أوروبا الحديثة المبكرة ألا وهي فترة "مطاردة الساحرات الكبرى".

انتشار الطباعة وعلاقتها بالفكر الأوروبي

يكشف الباحثون أن التوسع في هذه الاضطهادات بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر كان مرتبطًا بشكل وثيق بانتشار الأفكار عبر الطباعة والشبكات التجارية.

ووفقًا للدراسة، لم تكن هذه الظاهرة نتاجًا للخرافات الشعبية أو الصراعات الدينية فقط، بل تأثرت أيضًا بانتشار نظريات شيطانية جديدة، ساعدت على نشرها تقنية الطباعة.

ويرى فريق البحث والذي يضم كيريس دوتن سنيتكر وستيفن بفاف ويوان هسياو، أن المطبعة لعبت دورًا محوريًا في خلق بيئة ملائمة لمطاردة الساحرات.

 

المطبعة ودورها في تغيير مستوى الوعي العام

فلعبت المطبعة دورًا محوريًا في مطاردة السحرة في ذلك الوقت، حيث سمحت بانتشار واسع للأفكار والنظريات التي كانت محدودة الانتشار سابقًا.

فقبل اختراع الطباعة، كانت الكتب والنصوص تكتب بخط اليد، ما جعل انتشار الأفكار بطيئًا ومحدودًا للجماعات القليلة المتعلمة، ومع اختراع يوهانس جوتنبرج للمطبعة في القرن الخامس عشر، أصبح من الممكن طباعة الكتب والنصوص بكميات كبيرة وسرعة أكبر، مما جعل المعلومات تصل إلى جمهور أوسع من الناس.

وسمح هذا الانتشار السريع للأفكار بتداول النظريات الشيطانية الجديدة المتعلقة بالسحر، وسمحت بذلك المطبعة في نشر العديد من كتب السحر والهرطقة والتي وفرت مبررات دينية وقانونية لمطاردة الساحرات ومحاكمتهن.

وهذه الكتب لم تكن مجرد دليل، بل أداة ساعدت في خلق فكر جديد، فاعتبر السحر مؤامرة شيطانية تهدد المجتمع، وبالتالي، عندما انتشرت هذه النصوص المطبوعة، انتشرت معها فكرة أن مطاردة الساحرات ضرورة لحماية المجتمعات من قوى شريرة.

 

القضاء على السحر باستخدام المطبعة

وعلاوة على ذلك، استفادت محاكمات الساحرات من توسع الشبكات التجارية التي سهلت نقل الأفكار المطبوعة بين المدن، مما أدى إلى تسريع عمليات الاضطهاد في العديد من المناطق الأوروبية.

وأصبح المدونون ورجال الكنيسة والسلطات المحلية قادرين على الوصول بسهولة إلى هذه النصوص المطبوعة، ما جعلهم أكثر استعدادًا لتبني الأفكار الجديدة وتنفيذها بشكل واسع.

باختصار، المطبعة لم تقتصر على نشر المعرفة فقط، بل ساعدت أيضًا في نشر الخوف والذعر من السحر، مما جعل المطاردة تنتشر بشكل أوسع وأسرع، وهو ما ساهم في تكثيف هذه الحملات الوحشية.

 

90 ألف ساحر على المقصلة

بين عامي 1450 و1750، تم محاكمة نحو 90 ألف شخص بتهمة السحر في أوروبا، وأُعدم حوالي 45 ألفًا منهم، هذا الارتفاع الكبير في المحاكمات، المعروف باسم "جنون السحرة"، حير المؤرخين لفترات طويلة، ورغم أن الاعتقاد بالسحر كان موجودًا منذ العصور الوسطى، إلا أن أوروبا لم تشهد من قبل مثل هذه الزيادة الكبيرة في الاضطهادات والوحشية.

وتشير الدراسة إلى أن هذا الارتفاع في الاضطهاد كان نتيجة لانتشار فكري واسع، حيث انتقلت النظريات الجديدة حول السحر والشيطان بسرعة كبيرة بفضل المطبوعات والشبكات التجارية.

وكانت الطباعة، التي اخترعها يوهانس جوتنبرج في القرن الخامس عشر، قد ساهمت في وصول الأفكار اللاهوتية المتعلقة بالسحر إلى جمهور أوسع، شملت السلطات المحلية والكنسية.

دمجت كتب السحر في القرون الوسطى بين التفسيرات اللاهوتية والإرشادات العملية لملاحقة المتهمين بالسحر، وتوضح الدراسة أن انتشار هذا الكتاب وغيره من النصوص المماثلة تزامن مع زيادة محاكمات السحرة، خاصة في المدن القريبة من مراكز الطباعة، التي كانت أول من تبنى الاضطهادات، قبل أن تنتشر إلى مناطق أخرى متأثرة بالشبكات التجارية.

ووجد الباحثون من خلال تحليل 553 مدينة في أوروبا الوسطى بين عامي 1400 و1679، أن محاكمات الساحرات كانت أكثر انتشارًا في المدن التي كانت لديها قدرة أكبر على الوصول إلى النصوص الشيطانية المطبوعة.

وكانت مرتبطة بشكل جيد عبر طرق التجارة، هذه المدن، خاصة في الإمبراطورية الرومانية المقدسة، أصبحت مراكز لنشر الأفكار والممارسات المتعلقة بمطاردة الساحرات.

أشارت الدراسة أيضا إلى عوامل أخرى مثل التوترات الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت والأزمات الاقتصادية كضعف المحاصيل والمجاعات، ومع ذلك، لم تتبع كل المدن نفس المسار، إذ أن المراكز التجارية الكبرى، مثل أعضاء الرابطة الهانزية، كانت أكثر قدرة على تجنب هذه الحملات بسبب قوة هياكل الحكم فيها.

وتخلص الدراسة إلى أن العوامل المناخية والصراعات الدينية ساهمت في مطاردة الساحرات، لكن الشرارة الحقيقية كانت انتشار الأفكار الشيطانية الجديدة التي سهلتها الطباعة، هذه الأفكار أعادت تعريف السحر كمؤامرة شيطانية تستوجب القضاء عليها من خلال المحاكمات والإعدامات.

وتؤكد الدراسة أن هذه الظاهرة توضح كيف يمكن للأيديولوجيات أن تحدث تغييرات اجتماعية كبيرة عند اتحادها مع تكنولوجيا اتصال جديدة، مثل الطباعة، بهذا المعنى، لم تكن مطاردة الساحرات مجرد تعبير عن الخرافات السائدة في العصور الوسطى، بل كانت أيضًا نتيجة لثقافة الكتب المتنامية وانتشار الأفكار في أوروبا الحديثة المبكرة.