51 عامًا على انتصار أكتوبر.. هكذا مرت أيام الحرب حتى «فك الاشتباك»
على مدى تاريخها القصير نسبيًا، لم تفزع إسرائيل كمثل فزعها في يوم السادس من أكتوبر 1973، حيث عاشت ساعات عصيبة على إثر تلك الحرب المفاجئة، في ظل استراتيجية عربية نجحت في إسقاط ما يعرف بـ"نظرية الأمن" الإسرائيلية.
شرارة الحرب
عندما أشارت عقارب الساعة إلى الثانية وخمس دقائق ظهرًا، في يوم السادس من أكتوبر 1973، اشتعلت حرب أكتوبر المجيدة بمبادأة مصرية سورية، جعلت العدو في موقف لا يحسد عليه.
وفي البداية، وجهت القوات الجوية المصرية ضربة ساحقة لمواقع العدو بسيناء، وهو نفس الشيء الذي حصل من الطيران السوري ضد المواقع الإسرائيلية بالجولان.
هاجمت الطائرات المصرية ثلاث قواعد ومطارات، وعشرة مواقع صواريخ مضادة للطائرات من طراز "هوك"، وثلاثة مراكز قيادة، وعددًا من محطات الرادار ومرابض المدفعية بعيدة المدى، وكان ذلك كله يتم في وقت واحد.
تزامنًا مع ذلك، هاجم أكثر من 2000 مدفع على طول جبهة القناة الأهداف الإسرائيلية في خط بارليف المنيع، وما كان ورائه من مواقع دفاعية ومدفعية، وعلى إثر ذلك تكبد العد خسائر فادحة في المعدات والأفراد.
وهكذا كان الموقف حتى جاءت الساعة المنتظرة، حيث اقتحمت قوات الجيش الثاني بقيادة اللواء سعد الدين مأمون، وقوات الجيش الثالث بقيادة اللواء عبد المنعم واصل قناة السويس في موجات متلاحقة، على امتداد القناة من بور سعيد شمالًا إلى السويس جنوبًا في قطاعات العبور المحدد لها، وهم يكبرون.. الله أكبر الله أكبر.
وبدأ المقاتلون من مشاة وصاعقة يصعدون الساتر الترابي العالي على الضفة الشرقية بوسائل تسلق مبتكرة مصنوعة محليًا عبارة عن سلالم من الحبال، ثم يقاتلون العدو الذي كان يواجههم سواء في حصون خط بارليف أو حولها.
وفي الدقائق الأولى من اندلاع شرارة الحرب أصبح لدينا 33 ألف مقاتل، استخدمت حوالي 750 قاربًا في عملية الاقتحام، كما استخدمت حوالي 1500 من سلالم الحبال لتسلق الساتر الترابي العالي على الضفة الشرقية.
وبذلك، تمكن جنودنا البواسل من رفع علم مصر على أرض سيناء فوق أنقاض حصون ومواقع العدو في خط بارليف رمز القوة والمناعة لـ إسرائيل.
وفي تمام الساعة الرابعة ظهرًا من هذا اليوم صدر البيان العسكري التالي:"نجحت قواتنا في اقتحام قناة السويس في قطاعات عديدة، ورفع علم مصر على الضفة الشرقية للقناة، كما قامت القوات المسلحة السورية باقتحام مواقع العدو في مواجهتها وحققت نجاحًا مماثلًا في قطاعات مختلفة".
وحول المشهد في إسرائيل مع بدء الهجمات المصرية، يقول رئيس الأركان دافيد أليعازار: "لقد كانت أخطر الإشارات التي وصلتنا حينئذ، هي التي أفادت أن المصريين بدؤوا في عمل ممرات في السواتر الترابية السميكة، باستخدام قوة دفع المياه عن طريق مضخات خاصة كانوا يستخدمونها تحت ساتر كثيف من نيران المدفعية والمشاة، كما بدءوا يسقطون معديات ومعدات عبور أمام رؤوس الكباري، وفعلًا كانت تلك الإشارة هي أخطر الإشارات، لأنها تعني أن أي تقدير للعمل العسكري، الذي تقوم به مصر وسوريا أصبح متأخرًا"
وفي هذا الوقت جن جنوننا فأصدرنا أوامرنا بأن يكثف سلاحنا الجوي هجومه في محاوله لمنع المصريين من عمل الممرات خلال السواتر، وتعطيل إسقاط المعديات والكباري، حسبما يذكر أليعازار في مذكراته، الذي أشار إلى أن وسائل الدفاع الجوي المصري المجهزة بصواريخ سام - 6 أسقطت خلال أربع دقائق خمس طائرات تابعة لهم.
يوم 7 أكتوبر.. فشل الهجوم المضاد الإسرائيلي
وفي صباح هذا اليوم، خاضت قواتنا سلسلة من المعارك، حيث قامت قوات الجيشين الثاني والثالث بصد هجمات العدو المضادة، وفي خضم ذلك نشبت معركة "القنطرة شرق" لتحرير المدينة، ودارت المعارك الجوية على أشدها، وكانت قوات الصاعقة تشعل النيران في آبار ومنشآت البترول على الشاطئ الشرقي لخليج السويس.
وفي هذه الأثناء، بدأت القوات الإسرائيلية هجومها المضاد ضد قواتنا بغية الإجهاز عليها، دافعة بثلاثة لواءات مدرعة بها حوالي 350 دبابة، بالإضافة لقوات الخطوط الأمامية بالجبهة والمجود بها حوالي 100 دبابة مشتركة في القتال منذ اليوم السابق.
لكن قواتنا أنزلت بهم خسائر فادحة عبر استخدام نيران الأسلحة المضادة للدبابات، لاسيما الصواريخ المخصص لذلك، وبات من شبه المؤكد لقوات الجيشين: الثاني والثالث، أن الهجوم المضاد قد فشل.
يوم 8 أكتوبر.. تعزيز وضع قواتنا في سيناء
في هذا اليوم عززت قوات الجيش الثاني أوضاعها في سيناء نتيجة للأعمال القتالية التي قامت بها بنجاح خلال اليومين السابقين، وباتت تقاتل على عمق 9 إلى 12 كم شرقي.
وفي ظل ذلك، نجحت قواتنا بقيادة العميد فؤاد عزيز غالي من تحرير مدينة "القنطرة شرق" بعد أن حاصرتها داخليًا وخارجيًا ثم اقتحمتها، ودار القتال في شوراعها وداخل مبانيها حتى انهارات القوات المعادية.
وعلى صعيد الجيش الثالث، كانت قواته تقاتل على عمق 8 إلى 11كم شرقي القناة، حيث نجحت في استرداد عيون موسى، فضلًا عن إسقاط عدد من مواقع العدو.
في المقابل، بدأت في صباح هذا اليوم الضربة المضادة الإسرائيلية ضد قوات الجيش الثاني في المنطقة من القنطرة شرق إلى الإسماعيلية شرق.
يوم 9 أكتوبر.. العدو في موقف حرج
سادت حالة من الطمأنينة في صفوف قواتنا هذا اليوم، نظرًا لأنها حققت كافة المهام المطلوبة منها، بما في ذلك تصفية جميع حصون خط بارليف ما عدا اثنين.
وواصلت قواتنا قتالها بغرض تكبيد العدو أكبر قدر من الخسائر في المعدات والأفراد، والتي كانت بدورها تحاول تعطيل تقدم قواتنا شرقًا.
يوم 10إلى 13 أكتوبر .. الدعم يصل إلى العدو
في هذه الأثناء، عملت قواتنا على تعزيز رءوس كباري الجيوش، وإعادة تنظيم القوات في المناطق المحيطة بها، مع تواصل القتال لتكبيد القوات الإسرائيلية أكبر قدر ممكن من الخسائر، التي كانت قد وصلتها الإمدادات الأمريكية.
14 أكتوبر.. تطوير الهجوم
جرى في هذا اليوم تطوير هجومنا ضد قوات العدو، اعتمادًا على القوات المدرعة التي قامت بالمجهود الرئيسي فيه الفرقة 21 مدرعة على المحور الأوسط في اتجاه "الطاسة"، في حين يعمل لواء مدرع ولواء مشاة في اتجاه الممرات الجبلية، على المحور الجنوبي، ويعمل لواء مدرع آخرفي اتجاه "رمانه" على المحور الشمالي انطلاقًا من القنطرة.
وكان الهدف من تطوير الهجوم هو الوصول إلى خطوط غرب المضايق الجبلية لحرمان القوات الإسرائيلية من حرية حركتها في مواجهة رءوس كباري الجيوش من القنطرة شمالًا حتى السويس جنوبًا.
وفي نفس الوقت، إجبار إسرائيل على تحويل جزء من مجهودها البري والجوي إلى جبهة سيناء، لتخفيف الضغط على الجبهة السورية حتى يتحقق لها الاستقرار.
15 أكتوبر.. الثغر
بينما كان القتال يدور على أشده في يوم 15 أكتوبر، ركز العدو هجومه بناء على معلومات أمريكية، على الجنب الأيمن للجيش الثاني بغرض عمل اختراق تصل فيه بعض قواته المدرعة إلى الضفة الشرقية.
16 إلى 17 أكتوبر.. القيادة تتعامل مع الموقف
أظهرت المعلومات أن العدو يمتلك نحو 30 دبابة وحوالي كتيبة من جنود المظلات جرى عبورها خلال الليل، وعن ذلك يقول المشير محمد عبد الغني الجمسي، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة إبان الحرب:" لم يكن الأمر سهلًا أمامنا في القيادة العامة، ونظراً لخطورته تقرر رفع درجة استعداد اللواء ۲۳ مدرع الموجود فى شرق القاهرة ضمن احتياطي القيادة العامة، وإنذاره بالتحرك إلى الجبهة في قطاع الجيش الثانى لمعاونة الجيش في القضاء على القوة الإسرائيلية المتسللة".
ويتابع في مذكراته:"كان علينا في القيادة العامة أن نقرر الطريقة التي تتبع لمواجهة الموقف في قطاع الاختراق، فهناك ثغرة في شرق القناة بمنطقة الدفرزوار تتدفق منها قوات العدو غربًا، وهناك قوة للعدو وصلت فعلاً إلى غرب القناة واشتبكت مع قواتنا".
وبناء على ذلك، تقرر مساء يوم 16 أكتوبر، سد الثغرة في شرق القناة لمنع تدفق أى قوات معادية تالية وعزل القوة التي تعمل في الغرب، وفي نفس الوقت يتم احتواء قوة العدو في الغرب لتدميرها، وفق الجمسي.
وفي يوم 17 من الشهر نفسه، كانت قواتنا في شرق القناة تقوم بسد ثغرة الدفرزوار، عن طريق قيام الفرقة 21 مدرعة التابعة للجيش الثاني، بدفع أحد لواءاتها فى اتجاه الجنوب، وفي نفس الوقت يقوم الجيش الثالث بدفع اللواء 25 مدرع في اتجاه الشمال، وبالتالي يمكن سد الثغرة من الشرق.
22 أكتوبر.. وقف إطلاق النار
أصدر مجلس الأمن، صباح يوم 22 أكتوبر، قرار يدعو جميع الأطراف المشتركة في الحرب الحالية إلى إيقاف إطلاق النار، وإنها كل نشاط حربي في مدة لا تزيد على 12 ساعة، وذلك في المواقع التي تحتلها الأطراف الآن.
وبالفعل، وافقت كل من مصر وإسرائيل على وقف إطلاق النار اعتبارًا من الساعة 6:52 دقيقة مساءً بتوقيت القاهرة، دون تحقيق إسرائيل أي من أهدافها.
المفاوضات مع العدو
ومع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بين مصر وإسرائيل، أطلقت أمريكا مبادرة تقترح بأن يتم عقد اجتماع عسكرى بين القوات المصرية والقوات الإسرائيلية؛ لبحث المشاكل العسكرية بمنطقة الكليومتر 101، وقد وافقا الطرفين على ذلك.
تحدد الاجتماع يوم 28 أكتوبر، وقد اختير الجمسي رئيسًا للوفد العسكرى المصرى، وعن ذلك يقول:"اعترضت على تعييني للقيام بهذه المهمة، لأنى لا أريدها ولا أرغب فى تنفيذها، فقد أمضيت حياتى العسكرية كلها فى حرب ضد إسرائيل".
ويرجع سبب اختيار الجمسى، للقيام بهذه المهمة حكم منصبه "رئيس هيئة العمليات" فكان على دراية تامة بأوضاع القوات المصرية وأوضاع قوات العدو، وعلى رغم من عقد 10 اجتماعات متتالية بين القوات المصرية والقوات الإسرائيلية إلا أن جميعها لم تحقق أى نجاح يذكر.
في هذه الأثناء، عين الجمسى رئيسا لهيئة أركان القوات المسلحة خلفًا للفريق سعد الدين الشاذلى، وبدوره قام بتوقيع اتفاقية "فك الاشتباك" فى يناير 1974، مع الجنرال إليعازر رئيس أركان القوات الإسرائيلية آنذاك.