اكتشف بقايا مبنى إداري يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد في موقع أثري كبير في حي موردوت أرنونا بالقدس بفلسطين.
يعتقد علماء الآثار أن الآشوريين هدموا هذا المبنى أثناء حملة عسكرية في عام 701 ق.م.، التي شنها الملك الآشوري سنحاريب ضد يهوذا، والتي أدت إلى حصار القدس، ولكن دون الاستيلاء عليها.
الحملة الآشورية على يهوذا
انطلقت الحملة الآشورية تحت قيادة الملك سنحاريب بهدف إجبار حزقيا، ملك يهوذا، على الخضوع لحكم آشور بعد تمرده، ومع أن الآشوريين نجحوا في السيطرة على أجزاء كبيرة من يهوذا وحاصروا القدس، إلا أنهم لم يتمكنوا من دخول المدينة.
وتشير السجلات التوراتية إلى أن قوة غامضة أدت إلى تراجع الآشوريين، بينما تزعم السجلات الآشورية أن حزقيا دفع جزية كبيرة لتجنب استيلاء المدينة.
دور المبنى الإداري المكتشف
كان المبنى المكتشف يعمل كمركز لتحصيل الضرائب لصالح الملك حزقيا، وجد علماء الآثار جرارًا ضخمة في الموقع، محفورة عليها نقوش تشير إلى أن الضرائب كانت تجمع باسم الملك، وقد اُستخدمت الجرار لجمع المنتجات الزراعية مثل زيت الزيتون من المناطق الريفية القريبة.
التدمير المتعمد للمبنى
عندما غزا سنحاريب يهوذا، دمر الجيش الآشوري المبنى الإداري وحوله إلى أنقاض، وتم وضع حجارة كبيرة من أساس المبنى فوق الأنقاض، مما يشير إلى أن التدمير كان متعمدًا لنقل رسالة سياسية واضحة، وهي أن الآشوريين هم من يحكمون المنطقة.
إعادة بناء المبنى وتغيير النظام الضريبي
في القرن السابع قبل الميلاد، أعيد بناء المبنى، ولكن مع تغير النقوش على الجرار، مما يدل على أن الضرائب كانت تجمع الآن لصالح ملك آشور، هذه التغيرات في النقوش تعكس التحول في السلطة بعد الحملة الآشورية، حيث سُمح لحزقيا بالاحتفاظ بملكه، ولكن تحت سيطرة آشورية.
استنتاجات ودلالات سياسية
يقدم هذا الاكتشاف أدلة مهمة على الديناميكيات السياسية في ذلك الوقت، حيث كانت القدس ومملكة يهوذا تحت ضغط من القوة الآشورية العظمى.
وتوضح التغييرات في النظام الإداري والضريبي أن الآشوريين لم يسيطروا فقط على الأرض بالقوة العسكرية، بل فرضوا نظامًا اقتصاديًا جديدًا يعزز سيطرتهم، وذلك طبقا لما ذكره موقع Live science.
الجانب التاريخي للملك سنحاريب وحزقيا
ويعد سنحاريب واحدا من أشهر ملوك الإمبراطورية الآشورية الحديثة، وقد حكم من عام 705 إلى 681 ق.م، وكان ابن الملك سرجون الثاني، وتولى الحكم بعد وفاة والده، عُرف سنحاريب بإنجازاته العسكرية والإنشائية، بالإضافة إلى حملاته ضد مملكة يهوذا ومدن الشرق الأدنى.
في عام 701 ق.م، شن سنحاريب حملة عسكرية كبرى ضد مملكة يهوذا، بقيادة الملك حزقيا، كانت هذه الحملة جزءًا من جهود سنحاريب لإعادة تأكيد السيطرة الآشورية على المناطق التي تمردت أو حاولت الانفصال عن حكمه.
وكان حزقيا من بين الملوك الذين تمردوا على سيطرة آشور، ورفض دفع الجزية التي كانت تفرضها الإمبراطورية الآشورية على الممالك التابعة.
تفاصيل الحملة الآشورية
في الحملة التي قادها سنحاريب، اجتاح الآشوريون مناطق عديدة من مملكة يهوذا، بما في ذلك مدن رئيسية مثل لخيش، التي تعرضت لحصار وتدمير شامل، وبعد السيطرة على العديد من المدن اليهودية، توجه الجيش الآشوري نحو القدس، حيث حاصر المدينة.
تعتبر المصادر التاريخية منقوشات سنحاريب المعروفة باسم "منقوشات الطين" أو "الأسطوانة الطينية" أحد أهم المصادر التي تقدم معلومات عن هذه الحملة.
وفقًا لهذه النقوش، يذكر سنحاريب أنه حاصر حزقيا في القدس "مثل طائر في قفص"، لكنه لم يقتحم المدينة، وبدلاً من ذلك، وفقًا للسجلات الآشورية، دفع حزقيا جزية كبيرة شملت الذهب والفضة والبضائع الثمينة الأخرى، وذلك لإنهاء الحصار والحفاظ على مملكته، وذلك ما أكده الاكتشاف الحديث.
الرواية التوراتية
وتأتي الرواية التوراتية للحملة في "سفر الملوك الثاني" و"سفر إشعياء"، ووفقًا لهذه الرواية، عندما حاصر سنحاريب القدس، صلى الملك حزقيا إلى الله لطلب النجاة.
ويذكر الكتاب المقدس أن "ملاك الرب خرج وضرب 185,000 من جنود الآشوريين" (2 ملوك 19:35)، مما أجبر سنحاريب على التراجع والعودة إلى نينوى دون اقتحام المدينة، وتعتبر هذه الرواية جزءًا من التقاليد اليهودية التي تشير إلى تدخل إلهي لحماية المدينة.
الملك حزقيا وإصلاحاته
كان حزقيا الذي حكم من 715 إلى 686 ق.م، ملكًا على يهوذا وعُرف بأنه ملك صالح وقوي قام بإصلاحات دينية كبيرة في مملكته، وكان حزقيا ملتزمًا بتوحيد عبادة يهوه "لإله في التقاليد اليهودية" وتطهير الهيكل في القدس من الممارسات الوثنية التي كانت منتشرة في ذلك الوقت.
إضافة إلى إصلاحاته الدينية، قام حزقيا بتقوية دفاعات القدس استعدادًا للحملة الآشورية. من أبرز إنجازاته البنائية في هذه الفترة "نفق حزقيا"، وهو قناة مائية تم حفرها تحت الأرض لنقل المياه من نبع جيحون إلى داخل المدينة لضمان توفر المياه خلال الحصار.
نتائج الحملة
بالرغم من أن سنحاريب نجح في تدمير العديد من المدن في مملكة يهوذا، إلا أن القدس نجت من السقوط المباشر، وتشير السجلات الآشورية إلى أن حزقيا اضطر لدفع جزية كبيرة، وهو ما يمكن اعتباره نجاحًا استراتيجيًا لآشور في تأكيد سيطرتها، ومع ذلك، تبقى حملة سنحاريب على القدس رمزًا للمقاومة اليهودية وصمود المدينة في وجه الإمبراطورية الآشورية القوية.
وفاة سنحاريب
بعد عدة سنوات من الحملة على يهوذا، تعرض سنحاريب لمؤامرة اغتيال داخلية، وفقًا للتقاليد الآشورية والتوراتية، قُتل سنحاريب على يد اثنين من أبنائه أثناء الصلاة في معبد، تولى ابنه أسرحدون الحكم بعده وأكمل سياسات آشور التوسعية.