رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


اكتشاف مقبرة أسفل مبنى الخزنة بالأردن

16-10-2024 | 17:14


مبنى الخزنة

إسلام علي

تضم مدينة البتراء الأردنية، بناء الخزنة الشهير، تُعد واحدة من أعظم المدن الأثرية في العالم، إذ نُحتت في الصخور على يد الأنباط منذ أكثر من 2000 عام.

تعتبر البتراء مركزًا حضاريًا وتاريخيًا بالغ الأهمية بفضل هندستها المعمارية الفريدة والنحت المعقد في الصخر، الذي جذب ملايين الزوار والباحثين من مختلف أنحاء العالم.

 

الأنباط والخزنة

بنى الأنباط مدينة البتراء وهم حضارة عربية قديمة تميزت بمهاراتها العالية في التجارة والهندسة، كانت البتراء بمثابة عاصمة تجارية مزدهرة تربط طرق التجارة في منطقة الشرق الأوسط.

يُعتقد أن الخزنة كانت من بين أروع المعالم التي بناها الأنباط، لكن وظيفتها كانت غامضة لفترة طويلة، هناك العديد من النظريات حول الغرض من بناء الخزنة، حيث أشار بعض المؤرخين إلى أنها كانت مقبرة ملكية، بينما يعتقد آخرون أنها كانت معبدًا دينيًا أو حتى خزانة للأموال.

 

الاكتشاف الأثري الجديد

في اكتشاف أثري غير مسبوق، عثر فريق من الباحثين، بالتعاون مع عدة جهات دولية مثل جامعة سانت أندروز ودائرة الآثار الأردنية، على مقبرة نبطية أسفل مبنى الخزنة.

تعود هذه المقبرة إلى القرن الأول الميلادي وتحتوي على 12 هيكلًا عظميًا في حالة جيدة، مما يوفر معلومات قيّمة حول عادات الدفن لدى الأنباط وطريقة حياتهم اليومية.

 

وتعد أهمية الاكتشاف في دراسة الجينوم والتسلسل الزمني، فمن خلال تحليل الهياكل العظمية المكتشفة، سيتمكن الباحثون من دراسة التسلسل الزمني لتطور مدينة البتراء، وبالتالي تحديد الفترة التي بنيت فيها الهياكل المعمارية الكبرى مثل الخزنة.

 

يُعتقد أن هذه المقبرة قد تم بناؤها في عهد الملك النبطي أريتاس الرابع فيلوباتريس، وهو أحد أهم ملوك الأنباط الذين حكموا بين 9 قبل الميلاد و40 ميلاديًا، هذا الملك كان وراء فترة ازدهار اقتصادي وثقافي كبير في البتراء.

 

عادات الدفن والديانة

يُعد هذا الاكتشاف فرصة نادرة لفهم ممارسات الدفن لدى الأنباط، وكيف كانت تربطهم بالعالم الروحي والديني، ويبدو أن الهياكل العظمية المكتشفة في المقبرة قد تم دفنها وفق طقوس معينة، وربما تكون مرتبطة بالطبقة الملكية أو النخبة الاجتماعية، وهذا وبالإضافة إلى العثور على التحف والفخار داخل المقبرة يؤكد أن الأنباط كانوا يؤمنون بالحياة بعد الموت، وكانوا يضعون ممتلكات دفن مع موتاهم.

 

تحليل المواد الأثرية

إلى جانب الهياكل العظمية، اكتشف الباحثون أواني خزفية وتحف أخرى كانت موجودة في المقبرة، وهذه القطع الأثرية تُظهر التشابه مع الحضارات المجاورة، مما يشير إلى أن الأنباط كانوا متأثرين أو متواصلين مع ثقافات أخرى في الشرق الأوسط، خاصةً الرومان والمصريين.

 

عثر أيضا على وعاء خزفي مشابه لـ "الكأس المقدسة"، ورغم أنه تبيّن أنه جزء من إبريق مكسور يعود للقرن الأول قبل الميلاد، إلا أن الاكتشاف كان تجسيدًا مثيرًا للعلاقة بين الفن والواقع.

 

التحليل العلمي

كان لأبحاث البروفيسور ريتشارد بيتس من جامعة سانت أندروز دور كبير في استخدام تقنيات متقدمة مثل الرادار الذي يخترق الأرض والمسوحات الكهرومغناطيسية، فهذه التقنيات سمحت بتحديد الغرف الجوفية الموجودة أسفل الخزنة، ما ساعد الفريق على اختيار المواقع المناسبة للتنقيب.

 

بالإضافة إلى ذلك، اعتمد الفريق على تحليل الرواسب البيولوجية المحيطة بالهياكل العظمية، حيث تمكن الدكتور تيم كينارد من تأريخ بناء المقبرة إلى أوائل القرن الأول الميلادي، وهذه النتائج تعزز الفرضيات التي تربط بناء الخزنة بفترة حكم أريتاس الرابع، أحد أكثر الملوك الأنباط تأثيرًا في تاريخ البتراء.

 

دلالات الاكتشاف على الحضارة النبطية

يلقي هذا الاكتشاف ضوءًا جديدًا على حضارة الأنباط التي لطالما كانت محاطة بالغموض، وتُظهر النتائج أن الأنباط كانوا يمتلكون تقنيات متقدمة للبناء والنحت في الصخر، كما كانوا يعتمدون على طرق معقدة في الزراعة وإدارة المياه، وهو ما ساعدهم على بناء مدينتهم في بيئة صحراوية قاحلة.