رسائل العقاد لمي زيادة.. تكشف عن احترامه لموهبتها الفكرية والأدبية
تداولت الصحف وغيرها من الإصدارات الرسائل التي بين عباس محمود العقاد ومي زيادة والتي كشفت عن جوانب متعددة من شخصيتيهما، وتوضح عمق العلاقة العاطفية والفكرية بينهما.
فالعقاد، المعروف بصلابته الثقافية وعزيمته الفكرية، يظهر في رسائله لمي زيادة مشاعر الحب والرقة، وهو ما لم يكن يتوقعه الكثيرون ممن عرفوه فقط ككاتب قوي وصاحب مواقف حازمة.
أكدت هذه الرسائل أن الحب كان جزءًا هامًا من حياة العقاد، وعبّر عن ذلك بصور شعرية وأحاسيس صادقة، رغم أنه لم يرضَ بأن يتم المساس بكرامته في إطار هذه العلاقة، فكان متطلبًا في حبه ويبحث عن الإخلاص الكامل.
بالإضافة إلى العلاقة الشخصية التي جمعته بمي زيادة، كان للصالون الأدبي الذي كانت تديره مي زيادة دور كبير في تشكيل هذه العلاقة الفكرية بينهما.
كان هذا الصالون محط اهتمام الأدباء والمثقفين في ذلك الوقت، وكان العقاد من رواده، ومن خلال هذا الصالون، تشكلت شبكة من العلاقات بين الأدباء مثل أحمد شوقي، طه حسين، والمازني وغيرهم، مما ساهم في تبادل الأفكار وتطوير الحركة الأدبية.
كانت مي زيادة بدورها شخصية متفردة، تتمتع بثقافة واسعة وإلمام بعدة لغات، وكانت تُلقي المحاضرات وتنشر المقالات الأدبية والفكرية في عدد من الصحف، مما جعلها تحظى باحترام واسع في الأوساط الأدبية.
وعلى الرغم من تعدد الشخصيات التي أحبت مي زيادة مثل جبران خليل جبران ومصطفى صادق الرافعي، إلا أن العلاقة بينها وبين العقاد كانت مميزة بسبب اشتراكهما في الاهتمام بالأدب والشعر والفكر.
عكست الرسائل المتبادلة حالة من الاحترام المتبادل بينهما، وتظهر العقاد وهو يشكر مي على قصائدها وآرائها، بينما تُعبّر مي في رسائلها عن إعجابها بشخصية العقاد الأدبية والسياسية، وتصفه بأسلوب شاعري مميز، فكان كلاهما يحترم عقل الآخر ومواهبه، وهو ما جعل علاقتهما تحمل طابعًا فكريًا وعاطفيًا متوازنًا.
وفي خضم هذه العلاقة، كان للعقاد مواقف شخصية وسياسية واضحة، فبالإضافة إلى كونه كاتبًا وشاعرًا، كان له موقف سياسي حازم، حيث شارك في الحياة السياسية المصرية ودافع عن الدستور واستقلال الوطن، وكان ذلك أحد أسباب دخوله السجن لفترة بعد مواجهته الملك فؤاد، فهذه المواقف الجريئة كانت جزءًا من شخصية العقاد التي عُرفت بالمقاومة والتحدي.
ورغم انتهاء العلاقة بين العقاد ومي بالدموع، إلا أنها مثلت فصلًا مهمًا في حياة كل منهما، حيث تعلّم كلاهما دروسًا حول الحب، الكرامة، والإخلاص.
لم يرضى العقاد الذي حمل كرامته فوق رأسه، بالخيانة أو التشارك في حب محبوبته مع آخرين، وهو ما جعله يبتعد رغم حبه الكبير لها.
في النهاية، تُظهر هذه الرسائل أن الحب كان جزءًا حقيقيًا في حياة العقاد، وامتزج هذا الحب بأفكاره الأدبية والسياسية ليشكل شخصية فريدة جمعت بين العقلانية والمشاعر، بين الأدب والسياسة، وبين القوة والرقة في آن واحد.