معركة السويس.. 100 يوم من البسالة والصمود ضد حصار العدو خلال حرب أكتوبر
سجلت حرب السادس من أكتوبر 1973 بطولات وملاحم خالدة للقوات المسلحة وكل أطياف الشعب المصري، ومن أبرزها معركة السويس في 24 أكتوبر 1973 وقصة صمود المدينة في وجه العدو ودحر مخططه لاحتلالها، فوقف أبناء السويس والمقاومة الشعبية بالمرصاد لمحاولات العدو اقتحام المدينة ودارت معركة من أبرز المعارك، وهي آخرها خلال الحرب قبل صدور القرار الأممي بوقف إطلاق النار.
في 24 أكتوبر من كل عام تحتفل محافظة السويس بالعيد القومي لها، تخليدا لذكرى هذه الملحمة، عندما تصدت المقاومة الشعبية بالمحافظة تساندها قوات من الجيش والشرطة لقوات إسرائيلية عندما حاولت دخول المدينة واحتلالها وردوها على أعقابها وحطموا معداتها.
معركة السويس
في 23 أكتوبر 1973، قرر العدو باقتحام السويس، باعتبارها ضعيفة الدفاعات، وكلف العدو لواء مدرع وكتيبة مشاة من لواء المظليين بدخول السويس، بهدف قطع الإمدادات عن الجيش الثالث الميداني، دخل لواءان إسرائيليان على مشارف المدينة، مع كتيبة واحدة من المظليين إلا أنهم تعرضوا لكمين أسفر عن خسائر فادحة حيث فوجأت قوات المظليين بنيران كثيفة، وحصار داخل المباني المحلية بالمدينة، رغم أن المدينة لم تكن تمتلك سوى الأسلحة الصغيرة والبنادق الهجومية.
وتجلت بطولة السويس في حرب أكتوبر، يومي 24 و25 أكتوبر 1973، عندما حاول العدو قطع الطرق المؤدية إلى مدينة السويس واقتحام المدينة ودارات على مشارفها أشرف وأعنف المعارك، ليفشل العدو فى اقتحام المدينة ويتكبد خسائر كبيرة، من بينها 13 دبابة و8 طائرات ميراج.
وقرر العميد أركان حرب يوسف عفيفي، قائد الفرقة 19 مشاة شرق القناة، دعم المدينة بالصواريخ المضادة بالدروع ومجموعات صائدي الدبابات، فعندما تقدمت الوحدات الإسرائيلية في اتجاه حى الأربعين بالمدينة، تصدّت لها مجموعة الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، كذلك عناصر المقاومة الشعبية، فأصيبت الدبابات الإسرائيلية، وتم تدمير أكثر من تسع دبابات.
وكان من أبطال عناصر المقاومة الشعبية في تلك المعركة محمود عواد، الذي أطلق قذائف RPJ ضد الدبابات المتقدمة، ومعه زميلاه إبراهيم سليمان ورفيقه محمد سرحان، وذلك عندما وصلت الكتيبة الإسرائيلية إلى مفترق طرق في حي الأربعين، حيث أطلق محمود عواد، قذيفتين آر بي جي على الدبابة الأمامية، واحدة تسببت في أضرار سطحية، وبعد من ذلك، جهزت المقاومة كميناً آخر، بينما كان بطل المقاومة الشعبية إبراهيم سليمان يتمركز في مخبأ بين سينما رويال وسينما مصر، حيث طلب من رفيقه محمد سرحان أن يعد له قذيفة آر بي جي، ليطلقها من مسافة 12 متر، فأصاب قرص الدبابة فانفجرت ومال مدفعها إلى الأرض، بعد لحظات، أطلق محمد سرحان قذيفة آر بي جي أخرى على ناقلة الجنود المدرعة التي تحمل المظليين التي كانت خلف الدبابة الأولى، فاشتعلت فيها النيران.
وفي غضون دقائق، قتل عشرين من أصل أربعة وعشرين من قادة الدبابات الإسرائيلية، وبينما حاولت قوات العدو القفز من تلك الدبابات والاختباء في أماكن أخرى، حاولوا دخول سينما رويال، ولكن تم تصفيتهم عند المدخل، حيث باغتهم رجال المقاومة الشعبية في السويس والجيش الثالث، مما أجبر عناصر المظلين الإسرائيليين على التراجع.
ومع محاولتهم الاحتماء داخل قسم الأربعين، حاصرهم رجال المقاومة داخل القسم، ودارت الاشتباكات بين الجانبين، فيما حاولت أربع دبابات الهروب من وراء مسجد سيدي الأربعين، ولكن كمين نصبه جنود من الفرقة 19 مشاة، اضطرهم للتراجع، وخسر العدو، حتى صدرت الأوامر من الجيش الإسرائيلي لقواته بالانسحاب، وهو ما حدث في فجر يوم 25 أكتوبر، بعدما تكبدوا خسائر تقدر بـ80 قتيلًا و120 جريحًا.
وأعاد العدو محاولته في 25 أكتوبر، بمحاولة اقتحام السويس، والتي منى فيها أيضا بفشل ذريع، حيث تصدت المقاومة الشعبية وقوات الجيش ونجحوا في تدمير 11 دبابة للعدو، ليعيد جيش العدو محاولته في اقتحام المدينة مرة ثالثة دمرت له 8 دبابات أخرى، حتى صدر قرار مجلس الأمن رقم 340 بناء على مشروع تقدمت به دول عدم الانحياز الذى نص على إنشاء قوة دولية لمراقبة وقف إطلاق النار وعودة القوات لخطوط يوم 22 أكتوبر.
حصار السويس خلال حرب أكتوبر 1973
حاصرت قوات العدو السويس على مدار أكثر من 100 يوم حصار، من خلال إغلاق كل الطرق المؤدية إليها، كما حاولت فرض حصارًا بحريًا عليها بقطع الطريق المائي المؤدي إلى الخليج والبحر الأحمر، وقطعت إمدادات المياه والكهرباء، في محاولة للضغط على الأهالي لكي يستسلموا إلا أن المقاومة الشعبية كانت حائط صد ضد هجمات قوات العدو ونجحت في إلحاق الخسائر بالعدو، حتى انتهى الحصار ورحل الإسرائيليون.
وكانت أصعب المراحل التي مرت على السويس خلال الحصار هي المرحلة من 23 أكتوبر حتى 14 نوفمبر 1973، واعتمد فيها الأهالي على مواردهم الذاتية الضئيلة مع ضربات عنيفة من العدو الإسرائيلي وغارات على الأحياء السكنية، لكن بعد 14 نوفمبر 1973 بدأ وصول الإمدادات من القاهرة، بعد توقيع اتفاقية النقاط الستة في 11 نوفمبر 1973 بين مصر وإسرائيل خلال فترة وقف إطلاق النار بناءً على مباحثات الكيلو 101.
ونصت الاتفاقية على أنه يتعين أن تحصل مدينة السويس على إمدادات يومية من الطعام والماء والأدوية ونقل الجرحى منها، وألا تفرض أي عوائق تمنع نقل إمدادات غير عسكرية إلى الضفة الشرقية للقناة، وبدأ بعد ذلك تبادل الأسرى والجرحى.
وفي يوم 28 يناير 1974، انتهى حصار السويس عمليًا، وانسحبت القوات الإسرائيلية من جميع مواقعها، وأعيد فتح جميع الطرق التي تربط السويس بالخارج، وأعيدت الاتصالات، بعد توقيع اتفاقية فض الاشتباك الأولى في 18 يناير 1974 بين مصر وإسرائيل، ليخرج الأهالي في اليوم التالي في موكب يستقبلون مواطني السويس القادمين من القاهرة مع أولئك الأبطال الصامدين في السويس.