رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


مذكرات جرجي زيدان| الفصل السادس «تلميذا في كلية الطب» (5-1)

27-10-2024 | 10:22


جرجي زيدان

بيمن خليل

بمناسبة الذكرى الـ110 لرحيل عملاق الأدب والفكر العربي، جرجي زيدان، تقوم "بوابة دار الهلال" بإعادة نشر مذكراته الشخصية، هذه المذكرات القيّمة، التي خطها زيدان بقلمه، سبق أن نشرتها مجلة الهلال على سبعة أجزاء متتالية في أعدادها الشهرية، بدأ نشرها في الأول من فبراير 1954، واستمر حتى الأول من سبتمبر من العام نفسه، مما يتيح الآن فرصة جديدة للقراء للاطلاع على هذه الوثيقة التاريخية الهامة في سيرة أحد أبرز رواد النهضة العربية.

هذا هو الفصل السادس من مذكرات مؤسس الهلال، وقد وقف في الفصل الماضي عند الحديث على نجاحه في امتحان القبول بكلية الطب بالمدرسة الكلية ببيروت "الجامعة الأمريكية الآن"، وكيف تم له هذا النجاح على الرغم من العقبات التي كانت أمامه، ثم تغلب عليها بالصبر والثبات والاجتهاد حتى حقق أمنيته، وأصبح طالبا بهذه الكلية، وفي هذا الفصل يتحدث عن حياته الدراسية بهذه الكلية.

الفصل السادس: تلميذا في كلية الطب

أصبحت في يوم الأربعاء.. سنة 1881 وقد تحققت أمنيتي الكبرى فصرت تلميذا في كلية الطب بالمدرسة الكلية ببيروت

وكان اغتباطي بدخولي الكلية عظيما حقا، بل كنت لا أكاد أصدق أنني حصلت على هذه الأمنية، ولكني مع هذا، بقيت فترة طويلة بعد التحاقي بها، أعاني شعورا شديدا بالنقص، فأحسب نفسي غريبا فيها، وأحس أنني ألبس ثوبا فصل لسواي، وذلك لاعتقادي وقتئذ أنني أقل ذكاء واستعدادا من زملائي في الكلية، لأن أكثرهم قضوا فيها سنوات، وقد تعودوا الدراسة بها، ودرسوا في غيرها من قبل، ولأن لكل منهم والدا أو قريبا يتكفل بنفقات تعليمه ومعيشته، بينما أنا وحدي مضطر إلى العمل لكي أحصل على هذه النفقات.

ونتيجة لذلك الشعور، تجنبت الاختلاط بزملائي في صف المبتدئين من طلبة الكلية، إذ كنت أنظر إليهم هذه النظرة نفسها، ونسب أكثرهم ذلك  إلى كبرياء في طبعي، مع انه في الحقيقة لم يكن إلا خجلا في وثوبي تلك الوثبة الكبرى.

على أن هذا الخجل أخذ يزايلني تدريجا في خلال الأشهر التالية، إذ بدأت أتبين خطا ظني، وأجد في تقربهم مني وتوددهم إليّ، وفي اطرائهم حسن فهمي واستيعابي لما نتلقاه من الدروس ما أقنعني بأني لا أقل عنهم ذكاء واستعدادا وتحصيلا لمختلف العلوم، برغم ما لدي من مشاغل أخرى في الأعمال الخارجية التي أزاولها التماسا للرزق.

وصرت أجد لذة كبيرة كلما وجدت زملائي هؤلاء يحرصون على الالتفاف حولي في الكلية، قبل كل درس، ليستعينوا بي على فهم ما لم يستطيعوا فهمه، وكلما وجدتهم يصفون في إعجاب لما أقوم به من شرح وتفسير، وهكذا لم تمض أشهر حتى تبدل شعوري، فذهب عني خجلي وسوء ظني بذكائي واستعدادي ومنزلتي بین زملائي وصرت أشعر بالابتهاج والاغتباط كلما آنست من زملائي وأساتذتي دهشة من استطاعتي برغم ظروفي الخاصة - استيعاب تلك الدروس الدقيقة المختلفة المقررة على طلبة السنة الأولى في الكلية، من كيمياء ونبات وتشريح ولغة لاتينية.

وظل صديقي "المعلم اسکندر بارودي" فترة طويلة كلما لقيني في الكلية يقول لي مازحا: "أنت هنا في مدرسة الطب يا جرجي؟!" وكأنه يستغرب حصول ذلك، فكنت أسر كثيرا بمداعبته هذه، وأعدها من قبيل الاطراء والتقريظ!.