رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


اكتشاف نموذج مستوطنة زراعية متطورة منذ 7000 عام

29-10-2024 | 23:37


حفرة تخزين على شكل مرجل

إسلام علي

اكتشاف بقايا المجمع السكني من عصور ما قبل التاريخ في جمهورية التشيك هو تقدم علمي مهم يساعد في كشف حياة ونشاطات المزارعين الأوائل الذين سكنوا منطقة وسط أوروبا منذ حوالي 7000 عام، حيث يعد هذا الموقع أحد أقدم المستوطنات المعروفة في المنطقة.

ووفقا لما ذكره موقع ancient-origins، هذا الاكتشاف خلال عملية حفر إنقاذ قصيرة استمرت أسبوعين بالقرب من نوفي ديدينا، بقيادة عالم الآثار مارك كالابيك من مركز أولوموك الأثري، مما يقدم لمحة مميزة عن نمط الحياة والتقنيات المستخدمة في تلك الفترة.

 

يعتبر البيت الطويل المكتشف من أهم الاكتشافات في الموقع، فهو هيكل مستطيل الشكل بُني بتقنيات متطورة نسبيًا لتلك الفترة، مثل استعمال الأعمدة الرأسية التي شكلت الأساس، وجدرانًا منسوجة بالخيوط ومغطاة بطبقات من الطين لتوفير العزل الحراري، مما يدل على وعي السكان بأهمية الراحة الحرارية في المنازل خاصة خلال فصول الشتاء الباردة.

كانت البيوت الطويلة تشكل مركز الحياة الأسرية والاجتماعية، إذ تؤوي عائلات ممتدة تحت سقف واحد، ويبدو أنها صممت بحيث تكون مكانًا مستقرًا لممارسة الأنشطة اليومية كالطهي والتخزين وتربية الحيوانات، مما يُظهر كيف كانت المجتمعات الزراعية قادرة على التكيف مع بيئتها واستخدام الموارد المحلية في البناء.

حفر التخزين

وجد الفريق مجموعة من حفر التخزين المصممة على شكل قدور أو أكياس، والتي استُخدمت على الأرجح لتخزين المحاصيل، كالقمح والشعير، التي كانت مصدرًا رئيسيًا للغذاء، بعد انتهاء استخدام هذه الحفر للتخزين، تحولت تدريجيًا لتصبح حفرًا للنفايات، مما يشير إلى مرونة في استخدام المساحات، ويعكس مفهوم إعادة الاستخدام.

قبور حرق الجثث وعادات الدفن

إلى جانب الاكتشافات المعمارية، تم العثور على مجموعة من قبور حرق الجثث من العصر البرونزي المتأخر تعود إلى ما بين 1200 و1000 قبل الميلاد.

 وقد تمثل هذه القبور جزءًا من ثقافة لوساتيا التي تميزت بممارسات دفن فريدة، حيث كان يتم حرق الجثث ووضع الرماد في أوانٍ أو جرار، مع تغطية الجرار بأوعية أخرى ووضع بعض القطع البرونزية، مثل الأساور والخواتم، وتعكس هذه الممارسة الرمزية وتقدير الشخص المتوفى وتدل على مستوى عالٍ من الطقوسية واحترام الموتى.

 الاقتصاد والزراعة

كانت ثقافة لوساتيا، والتي ازدهرت في المناطق المحيطة بجمهورية التشيك وبولندا وألمانيا الشرقية، تعتمد بشكل رئيسي على الزراعة المكثفة، حيث زرع السكان الشعير والقمح، كما دعموا نشاطاتهم الزراعية بأنشطة محدودة من الصيد وتربية الماشية.

تميزت هذه الثقافة ببناء مستوطنات محصنة بالقرب من الأنهار أو السهول، مما ساعد في دعم اقتصاد زراعي مستقر ومتين، مع تطوير أساليب زراعية متقدمة.

البيوت الطويلة كنموذج للاستيطان الجماعي

كانت البيوت الطويلة، التي وصلت أطوالها إلى حوالي 20-30 مترًا، مثالاً حيًا على الاستيطان الجماعي، حيث كانت هذه الهياكل تجمع العائلات الممتدة مع الماشية والمخازن تحت سقف واحد.

 وفرت هذه المنازل عزلًا جيدًا من البرودة، ما ساعد السكان على مواجهة تحديات المناخ، وكانت مرصوصة بجانب بعضها البعض في نمط مفتوح أو دائري في القرى، مما يشير إلى مجتمع مترابط تنظمه قوانين وتقاليد متينة، ويعكس تنظيم الحياة اليومية بشكل جماعي وفعال.

استنتاجات ثقافية واجتماعية

تُعد هذه الاكتشافات لمحة فريدة عن المجتمعات الزراعية الأولى في أوروبا الوسطى وتُسلط الضوء على حياة مجتمع زراعي متطور يعتمد على الموارد المتاحة. كما تقدم معلومات غنية عن الجوانب الاجتماعية، مثل أهمية التخزين والتكيف مع الظروف المناخية، وأيضًا الطقوس الدفنية التي تعبر عن تطور عقائدهم وتقديرهم للموتى.

يساعدنا هذا الاكتشاف في فهم تطور المجتمعات البشرية وكيفية تكيفها مع البيئة المحيطة وتطويرها لنماذج بناء مجتمعية متقدمة، مما يعكس بشكل عام بداية تشكل الحضارات الأوروبية الزراعية المبكرة والتي وضعت أساسًا للنظم المجتمعية التي نعرفها اليوم.