رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


مذكرات جرجي زيدان| الفصل السادس «الكيمياء ألذ العلوم» (5-2)

30-10-2024 | 13:21


جرجي زيدان

بيمن خليل

بمناسبة الذكرى الـ110 لرحيل عملاق الأدب والفكر العربي، جرجي زيدان، تقوم "بوابة دار الهلال" بإعادة نشر مذكراته الشخصية، هذه المذكرات القيّمة، التي خطها زيدان بقلمه، سبق أن نشرتها مجلة الهلال على سبعة أجزاء متتالية في أعدادها الشهرية، بدأ نشرها في الأول من فبراير 1954، واستمر حتى الأول من سبتمبر من العام نفسه، مما يتيح الآن فرصة جديدة للقراء للاطلاع على هذه الوثيقة التاريخية الهامة في سيرة أحد أبرز رواد النهضة العربية.

هذا هو الفصل السادس من مذكرات مؤسس الهلال، وقد وقف في الفصل الماضي عند الحديث على نجاحه في امتحان القبول بكلية الطب بالمدرسة الكلية ببيروت "الجامعة الأمريكية الآن"، وكيف تم له هذا النجاح على الرغم من العقبات التي كانت أمامه، ثم تغلب عليها بالصبر والثبات والاجتهاد حتى حقق أمنيته، وأصبح طالبا بهذه الكلية، وفي هذا الفصل يتحدث عن حياته الدراسية بهذه الكلية.

الفصل السادس: الكيمياء ألذ العلوم

وكنت أرى من رفاقي مؤانسة وتلطفا، يزدادان من يوم إلى يوم ، خصوصا في أواخر السنة لما قرب موعد الامتحان وظهرت مواهب الطلبة على أني كنت أعد ما أسمع من اطرائهم لي من قبيل التشجيع والتنشيط، لعلمي بأني لست مثلهم متفرغا للدرس والاستذكار، ولأن أقصى ما كنت أطمح إليه إلا أقصر من أقراني، فلم أكن أطمع في سبق أو تفوق

ثم لحظت أن نظرتهم إليّ أرقى مما حسبت، وسمعت بعضهم يشيرون إلى توقعهم حصولي على درجة الامتياز في تلك السنة ولكنني لم أكن أتوقع ذلك، لاعتقادي أن زملائي في الصف أحق مني بذلك، لأن أكثرهم درسوا علومه أو أكثرها قبل التحاقهم بالكلية، وكان جرجي كفروني أكثرهم ذكاء واجتهادا، وله علائق ودية بالدكتور لويس أستاذ الكيمياء، إذ كان يعلمه العربية

وكان الدكتور لويس مدققا في تدريسه، وأتعبنا لذلك في أوائل السنة ولكني ما لبثت قليلا حتى فهمت أسلوبه في التدريس، فاسترحت إليه، ولذت لي الكيمياء بعد أن تفهمت مبادئها، فلما وصلنا في النصف الأخير من السنة إلى مزاولة التحليل الكيميائي، ازداد شغفي وإعجابي بها، فكنت لا أكاد أتسلم من الأستاذ إحدى المواد للكشف عنها، حين ندخل المعمل ويتخذ كل منا مكانه المخصص له وأمامه أنابيب الاختبار والمصباح وزجاجات المواد المختلفة، حتى أقبل على هذه المهمة بكل جوارحي، و سرعان ما أنجزها قبل أن ينتهي رفاقي من تحليل موادهم بوقت طويل، فلا يسع الأستاذ إلا أن يظهر لي إعجابه، ثم يعطيني مواد أخرى لاشتغل بتحليلها ريثما يفرغ الرفاق من تحليل المادة الأولى!

والواقع أني كنت في أوائل عهدي بدراسة العلوم الاعدادية، لا أكاد أمضي قليلا في دراسة أحدها حتى أحسب أنه ألذ العلوم وأنفعها، فلما شرعت في دراسة العلوم الطبيعية والرياضية، تحول إعجابي إليها، ثم تحول إلى علوم النبات والتشريح والفسيولوجيا والأقرباذين والكيمياء على أني ما زلت حتى الآن أعتقد أن الكيمياء ألذ العلوم وانفعها على الاطلاق لأن الإنسان يرى العالم بها غير ما كان يراه من قبل.