رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


حسن يوسف.. الابن المدلل لشمس البارودى

1-11-2024 | 16:11


رشا صموئيل,
حزن دفين ودموع نازفة وآهات حارقة، كان هذا حال الفنانة المعتزلة، والصديقة الغالية شمس البارودى، عندما أسرعت أهاتفها بعد تداول خبر وفاة الفنان القدير حسن يوسف بنصف ساعة. حديثها وكلماتها جعلتنى فى حالة خرس إجلالاً لمشاعرها الصادقة المخلصة الخارجة من رحم حب وعِشرة عمر توِّج بزواج امتد لأكثر من 50 عاماً، حيث عبّرت عن صدمتها بفقدان رفيق العمر: «حبيبى راح لحبيبى عبدالله، وذهب لرب كريم وحنون، كان أكرم وأحن الرجال على وجه الأرض، ربنا يرحمه ويصبرنا». زواجهما أسفر عن إنجاب أربعة أولاد كان نتاج حبهما؛ هم ناريمان ومحمود وعمر وعبدالله، الابن الأصغر الذى رحل عن عالمنا منذ سنة وثلاثة أشهر فى حادث غرق بالساحل الشمالى، مما أبكى الشعب المصرى، فقد كان شاباً يافعاً فى عمر الزهور وكان الوحيد بين إخوته يعيش مع والديه فى نفس المنزل بحكم أنه أعزب لم يتزوج، وكان جميلاً شكلاً وموضوعاً، يملأ عليهما البيت بهجة وسعادة وانطفأ برحيله المفجع، الذى كسر ظهر والديه كسرة قوية جداً.. من وقتها والدته لم تكف عن البكاء، ووالده أصبحت حالته النفسية والجسدية فى عد تنازلى. وحسن يوسف الذى لم يكن يتوقف عن الضحك الممزوج بخفة دمه المعهودة لم أعد حتى أسمع صوته، وعندما كنت أسأل عنه البارودى كانت تقول لى إنه رغم إيمانه العميق بالله، ولكن دائماً يدعو ربه بأن يلحق بعبدالله لأنه لا يطيق الحياة بدونه. ثم استكملت البارودى: «رحيل عبدالله كان صادماً جداً، وأصبح حسن خائفاً علينا جميعاً بعدما عرف الموت طريقه لمنزلنا، وتغيرت نظرته للحياة تماماً».   وفى نفس الوقت لا أخفى عليكم بحكم صداقتى وقربى من شمس البارودى أستطيع أن أقول إنها شخصية فولاذية، بالرغم من حالتها النفسية السيئة جداً، ودموعها التى لم تتوقف منذ رحيل عبدالله، ولكنها كانت مؤمنة بقضاء الله وقدره، كانت دائماً تشد من أزر زوجها وتقويه وتصبره بقراءة القرآن، وتجمع أحباءه وأولاده وأهله حوله بصفة مستمرة حتى لا تمنحه فرصة للتذكر والانغماس فى الحزن. كانت تجتهد طوال الوقت ولكن حزن حسن يوسف تفوق على محاولاتها المستميتة، حزن جعله يرفض الأكل والكلام والخروج، إلى أن وصل لرفض الحياة نفسها، فقد كان فى حالة من الإعياء الشديد لدرجة أن الأطباء المتابعين لحالته أوصوا بضرورة نقلة للمستشفى لإلحاقه بالعناية المركزة، ولكن البارودى رفضت تماماً أن يبتعد حبيب العمر عن حضنها، و طبيب القلب والباطنة المتابع لحالته وافقها الرأى قائلاً: «حسن روحه فيكى لو بات بعيد عنك ليلة فى المستشفى مش هيستحمل». وبالفعل قررت البارودى أن تحول حجرتهما لعناية مركزة تتوافر بها جميع الأجهزة التى يحتاجها يوسف تحت إشراف طبى وتمريض يتناوبون على خدمته. وبالفعل كان هذا قرراً صائباً من قبل البارودى، قراراً لم يكن نابعاً من عقلها بقدر ما كان نابعاً من قلبها، فهما كانا شديدي التعلق ببعضهما جداً، فهى كانت تعى جيداً مدى تعلق يوسف بها كالابن الذى يتعلق بأمه، كانت تناديه «يا بابا»، وهو يناديها: «يا ماما».. لدرجة فى الفترة الأخيرة من مرضه كانت لا تغيب عنه إلا عندما تذهب لإحضار الغداء، وعندما يفتح عينيه ولا يجدها فى وسط إخوته وأحبائه الذين كانوا يلتفون دائماً حول سريره يسأل عنها فتأتى مسرعة. كانا يفهمان بعضهما من نظرة العين، البارودى لم تترك يوسف دقيقة واحدة فى أيامه الأخيرة ورغم استسلامه للمرض واعتراف الأطباء أنه مجرد وقت، فإنها لم تفقد الأمل لحظة واحدة، فكانت وأولادهما يتحدثون دائماً معه ولكن كان يستجيب بالإشارة أو الضغط على الأيدى ممسكاً بالسبحة فى يده اليسرى مسبحاً بها، وأخبرتنى شمس بالنص:  «حسن توفى وشه منور، جميل، مبتسم، وهادئ، ومستسلم، ويردد يا الله»، ثم استكملت وهى تجهش بالبكاء: «يكفى أنه مات فى حضنى وأنا أُلقنه الشهادة». وأنا بحكم  حواراتى الصحفية مع هذين العملاقين التى تحولت بعد ذلك لصداقة من نوع خاص، أستطيع أن أحكى لكم عن موقف حدث بينهما كشف لى عن سر استمرار زواجهما لأكثر من 50 عاماً، فعندما كنت أتصل بصديقتى شمس البارودى للاطمئنان عليها كان حسن يطلب منى التوقف عن الكلام، ويقول لى بخفة دمه المعهودة وبالنص: «كفاية كلام يا رشا واقفلى».. وقتها أيقنت أن تعلق حسن يوسف بالبارودى ليس قصة حب تقليدية ساقتها الأقدار للاستمرار، بل إن صح التعبير تعلق الابن بأمه، كان يغار عليها كثيراً حتى من مجرد دقائق معدودة فى مكالمة تليفون، قلت فى نفسى إن القدر جمعنى بهذا الثنائى المتفرد لأكون شاهدة على قصة حبهما الاستثنائية التى كنت أراها أيضاً فى مدى احتواء شمس لحسن يوسف رغم أنه يكبرها بحوالى 12 عاماً ولكنها كانت تملك مفاتيحه وتعلم كيف تتعامل مع هذا الابن المدلل وتصبر عليه ومطيعة لكل طلباته، وحتى اهتمامها بتفاصيله كان يبهرنى. حسن وشمس رغم أن قصة حبهما بدأت بزواج نجمين ساطعين فى سماء الفن، ولكن الزمن أثبت أنها قصة مختلفة، قصة لم نعتدها فى الوسط الفنى، مرّا معاً بمراحل متعددة، واتخذا معاً قرارات صعبة منها اعتزال البارودى التمثيل فى عز نجوميتها، ولكن يوسف كان خير مشجع وسند لها، وغيرها من الصعوبات والتحديات التى تجاوزاها معاً ليثبتا أنهما لم يكونا مجرد قصة عادية، ولكنها قصة حياة تمنح درساً فى الحب والوفاء والإنسانية.