الولايات المتحدة الأمريكية شمس لا تغيب.. متى ينطفئ نورها؟
تنتقل كل دولة من حالة إلى حالة ومن طور إلى طور، وهذه الحالات وهذه الأطوار تتوالى على وتيرة واحدة، حيث تشمل جميع الدول في جميع الأقطار وجميع الأدوار بلا استثناء، حتى تنتهي بنفسها إلى الفناء والاضمحلال، هذا ما ارتآه ابن "خالدون" في مقدمته، موقنًا بذلك سنة أوجدها الله في خلقه، فلم يبقى لا أكاسرة، ولا قياصرة، حتى أن شمس الأندلس التي أضاءت ظلمات أوروبا في العصور الوسطى قد انطفأت.
وإلى درة عصرنا، الولايات المتحدة الأمريكية، تلك الحضارة التي تزعم أنها لم يخلق مثلها في البلاد، فأعطت لنفسها الحق أن تسود العباد، بشكل قد يبدو بأنه لم يسبقها فيه السابق، وقد لا يلحقها فيه لاحق، إلا أن شمسها سواءً طال زمنها أم قصر سوف يحين لها أن تغرب.
ولقرابة 80 عامًا، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية هيمنتها على الصعيد العالمي، منذ انقشاع غبار الحرب العالمية الثانية، بعون اثنين لا ثالث لهما، قوتها العسكرية التي حافظت عليها طوال تلك المدة، و"دولارها" الذي خضع له الاقتصاد العالمي خلال الحقبة الزمنية ذاتها، كنتيجة لما تمخض عنه مؤتمر "بريتون وودز".
وفي هذه الأثناء، يكاد يجزم البعض بأن شمس الولايات المتحدة الأمريكية، حان لها أن تغرب، خاصة في ظل التغيرات المتسارعة الذي يشهدها الصعيد العالمي، بشكل يؤكد أن الأسس التي أقامت عليها "واشنطن" النظام العالم باتت تتساقط واحدة تلو الأخرى، ولعلها بدورها كانت شريكة في ذلك دون أن تدري.
ولن تغرب تلك الشمس الواهجة منذ نحو 80 عامًا، إلا في حال تضرر إحدى هذين المحورين، بأن تحل قوة عظمى أخرى موضعها، أو أن يتحرر الاقتصاد العالمي من هيمنة "دولارها".
إلى ذلك.. هل تحل قوة عظمى موضع الولايات المتحدة الأمريكية؟
وبهذا الخصوص، يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، أن السيناريو المطروح بأننا قد نشاهد قوة أخرى تفرض سيطرتها على الصعيد العالمي، كبديل للولايات المتحدة الأمريكية، خالي من الواقعية تمامًا، وذلك في غضون النصف قرن المقبل.
ويصف "فهمي" في حديثه لـ"دار الهلال"، الخطاب القائم على أن العالم يتسع لكيانات ودول قادرة على الوقوف في وجه الولايات المتحدة الأمريكية بـ"الأيدلوجي"، حيث ستبقى "واشنطن" على رأس النظام العالمي لمدة نصف قرن من الزمان، وذلك على أقل تقدير، وهذا بالنسبة للمستوى السياسي والعسكري.
أما على الصعيد الاقتصادي، يوضح أستاذ العلوم السياسية، أن هناك قوة منافسه للولايات المتحدة، وهي الصين، لكن اقتصادها يعتمد في الأخير على الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي هناك "اندماج"، ما يُسمى بـ"التكاملية" في الاقتصاد.
وفيما يتعلق بمنافسة "بكين" لـ"واشنطن"، فهذا غير ممكن، ويتضح ذلك من خلال الإجراءات التي اتخذتها إدارة الرئيس الأسبق دونالد ترامب، حيث كان من الواضح أن الإجراءات المتخذة، آنذاك، بما في ذلك الضرائب التي فرضت كانت تستهدف الصين بشكل مباشر، وهو أمر سبب لها الإزعاج، وفقًا له.
وفي شأن ما إذا كان الدب الروسي قادرًا على مجابهة "واشنطن"، يقول فهمي، إن روسيا قادة على المنافسة، لكنها منهكة في الوقت الراهن بفعل العقوبات المفروضة عليها على إثر الحرب التي تشنها على أوكرانيا، كما أن هناك فروقات "جمة" في القدرات الاقتصادية مقارنة بالولايات المتحدة.
وبناء على ذلك، يجزم بأنه لا توجد قوة قائمة في الوقت الحالي قادرة على شغل مكانة الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك على الرغم أنه يتأسف على قول ذلك، لكن تلك هي الحقيقة التي يجب أن ندركها.
اقتصاديًا، يقول الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، إن الحديث في هذه الأثناء عن أي صعود أو هبوط للاقتصاد الأمريكي يتوقف على حاكم البلاد، حيث إن كان يمتلك رؤية اقتصادية جيدة، يستعين على تطبيقها بذوي الخبرات فمما لا شك فيها أن ذلك سيجلب الازدهار.
لكن في الوقت الرهن يتعرض الاقتصاد الأمريكي لمعضلات "جمة"، جراء الدعم اللامحدود المقدم لأوكرانيا وإسرائيل، وفي حال المواصلة في ذلك النهج فإن اقتصاد البلاد سيسوء، بحسب ما يذكره "عبده" في حديثه لـ"دار الهلال".
وفي شأن ما إن كانت الصين قادرة على أن تصبح الاقتصاد الأقوى عالميًا بديلًا عن الولايات المتحدة، يقول الخبير الاقتصادي، أنه في غضون الخمس سنوات القادمة، ستتخطى "بكين" "واشنطن" كما تخطت اليابان وغيرها من قبل، وهذا ليس مستجدًا، بل معلوم منذ عشر سنوات مضت.
أما بالنسبة لانكسار الهيمنة الدولارية، يوضح أن هذه هي الغاية، التي تريدها الصين وروسيا، ويتضح ذلك من خلال رغبتهما في إيجاد نظام عالمي "متعدد القوى"، بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية، التي يسيطر دولارها على الاقتصاد العالمي بناءً على اتفاقيات قائمة.
ويرى أن انكسار الهيمنة الدولارية على الاقتصاد العالمي أمر ممكن وغير مستبعد، ولكن على المدى الطويل.