رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


المثنوي.. الرومي وأصل الإنسان (1)

5-11-2024 | 08:14


مولانا جلال الدين الرومي

إسلام علي

كتاب المثنوي، أو كما يعرف أيضًا "المثنوي المعنوي"، هو أحد أعظم الأعمال الأدبية الصوفية للشاعر والفيلسوف الإسلامي جلال الدين الرومي، كتبه باللغة الفارسية في القرن الثالث عشر الميلادي، ويعتبر من أبرز كتب الصوفية في الأدب الإسلامي يتناول المثنوي موضوعات عميقة تتعلق بالعلاقة بين الإنسان والله، والحب الإلهي، والعرفان.

وفيما يلي عرض للأبيات الرابع والخامس من المثنوي بالجزء الأول:  "استمع إلى هذا الناي يأخذ في الشكاية، ومن الفرقات يمضي في الحكاية": وقصد الرومي هنا برمزية الناي، هو الإنسان، يبدأ بالشكوى ويعبّر عن قصة الألم الناتجة عن فراق وانفصال الإنسان من مصدره الروحي أي السماوات وهبوطه إلى الأرض.

"منذ أن كان من الغاب اقتلاعي، ضج الرجال والنساء في صوت التباعي": يشير هنا أن انفصال الناي عن الغابة التي كانت موطنه الأصلي والمقصد، الجنة السماوية، التي كانت أرضه وحياته، مما تسبب في شعوره بالوحدة على الأرض في مكان موحش لا يليق به، وأصبح صدى شكواه يصل إلى الجميع.

"ابتغى صدراً يمزقه الفراق، كي يثبت شرح آلام الاشتياق": يعبر هنا الرومي بمشاعره الدفينة للجنة السماوية أن الإنسان أصبح بعد هبوطه من السماوات لا يفكر في ماضيه السحيق اتباعا بقوله تعالى "أفلا تتذكرون" والمشار بها هنا لتذكره أصله السماوي، يلا يجد الرومي من يحاول أن يتذكر أصله السماوي، فلا يجد لأبناء آدم أي حنين للعودة إلى خالقتهم.

"كل من يبقى بعيداً عن أصوله، لا يزال يروم أيام وصاله": وهذا البيت نتيجه للسابق، فمن يبتعد عن جذوره الأصلية يظل يحنّ ويشتاق للأيام التي كان فيها قريبًا منها، فيحزن الإنسان من حين لأخر في حياته الأرضية ولكن لا يعرف سبب ذلك الحزن أنما تتلاعب به الحياة الماضية ويكشف هنا الرومي عن سبب الحزن الحقيقي والذي يخفى على البشرية.

"نائحاً صرت على كل شهود، وقريناً للشقى وللسعيد": أصبح الناي صديقًا لكل من يشعر بالحزن أو السعادة، شاهداً على مشاعر الجميع.

"ظن كل امرئ أن صار رفيقي، لكنه لم يبحث من داخلي عن أسراري": الناس يرون الناي "الإنسان" رفيقًا، لكنهم لا يحاولون فهم مشاعره وأسراره العميقة.

"وليس سرّي ببعيد عن نواحي، لكن العين والأذن قد خرمتا هذا النور": يشرح الرومي في هذا البيت عن أن الناس لا ينظرون إلى الدنيا من المنظور الصحيح وهذا سر من أسرار حزنهم، ولذلك تبقى سر الحياة بعيدة عن إدراك الناس الذين لا ينظرون بعمق كافٍ.

"وليس الجسد مستوراً عن الروح ولا الروح مستورة عن الجسد، لكن أحداً لم يؤذن له بمعاينة الروح" : الجسد والروح مرتبطان، لكن قلة من الناس لديهم القدرة على إدراك الروح بعمق.

"وإن هذا الأنين نار وليس هواء، وكل من ليست لديه هذه النار ليكن هباءً": هذا الصوت ليس مجرد هواء يمر بالناي، بل هو نار الألم والشوق التي تشتعل فيه.