رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


واقع قاسٍ ينتظر الرئيس الأمريكي القادم

5-11-2024 | 17:41


د. نبيل رشوان,

عادة عندما يحين موعد الانتخابات الأمريكية مرة كل أربع سنوات تحضر كل القضايا المعلقة فى العالم على مائدة الانتخابات، ونحن فى هذه الانتخابات أمام قضيتين أو ملفين أحدهما قديم وهو القضية الفلسطينية والنزاع الروسى ـ الأوكرانى، وهو نزاع حديث لم يمض عليه ثلاث سنوات بعد، وهو من النزاعات وإن بدا أنه حديث إلا أنه عميق الجذور، تعود حتى إلى ما قبل انهيار الاتحاد السوفيتى، بداية من ضم أراض لأوكرانيا عقب ثورة أكتوبر الشيوعية عام 1917، ومن ثم تأسيس الاتحاد السوفيتى عام 1922، ومن بعدها عقب الحرب العالمية الثانية وضم أجزاء من بولندا والمجر لأوكرانيا فى إطار اتفاق مولوتوف ـ روبنتروب عشية الحرب العالمية الثانية، وانتهاءً بإلحاق شبه جزيرة القرم بأوكرانيا عام 1954 على يد الزعيم السوفيتى الأسبق نيكيتا خروشوف.

حديثنا هنا سيتناول النزاع الروسى ـ الأوكرانى ونظرة مرشحى الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب وكامالا هاريس، والذى كما يتوقع مراقبون ومحللين أن نهاية بل ونتيجة النزاع تعتمد إلى حد كبير على من سيفوز فى السابق الرئاسى.

فى حقيقة الأمر وبصرف النظر عن وجهة نظر المرشحين فى النزاع ووسائل تسويته، إلا أن الرئيس الأمريكى القادم سيصطدم فى أوكرانيا بواقع قاس، قد يتطلب تغيير السياسيين الحاليين في كييف، والقضية الأساسية تتمثل فى وضع نهاية للنزاع، حيث يوجد حالياً وقت وإمكانية لذلك. وكما يقول مراقبون كثيرون أنه بدون حل دبلوماسى فإن أوكرانيا مهددة بالانهيار.

بعض الخبراء يقولون إنه إذا لم يغير الرئيس الأمريكى القادم التوجه الحالى فيما يتعلق بأوكرانيا، فإن العملية الروسية العسكرية فى أوكرانيا من الممكن أن تتحول إلى مجرد بروفة لحرب عالمية ثالثة، أى تشارك فيها الدول الغربية وحلف الناتو.

فى واقع الأمر اعتماداً على نتائج الانتخابات الأمريمية اليوم (الثلاثاء 5 نوفمبر) فإن أوكرانيا تنتظر أحد حلين مع كامالا هاريس أو دونالد ترامب، كل منهم يختلف تماماً عن الآخر للمستقبل. كلا التطورين للأحداث مرتبط بكلمات كل مرشح أثناء الحملة الانتخابية.

إذا تحدثنا عن المرشحة كامالا هاريس نجد فإنها متمسكة بسياسة إدارة بايدن، التى وعدت بدعم أوكرانيا بالمال والسلاح بقدر ما يتطلب الأمر، لكى تنتصر على روسيا، هاريس وعدت باستمرار هذا النهج فى حال فوزها فى الانتخابات ودعم أوكرانيا بقوة"، واتهمت ترامب بعلاقاته الدافئة للغاية مع الرئيس الروسى بوتين، وقالت إنها ليس لديها أى نية للحديث مع الرئيس الروسى. كما نرى فيما يتعلق بالسيدة هاريس سيستمر النهج الحالى، دون تغيير، إلى متى؟! لا أحد يدرى.

من جانبه أعلن المرشح الرئاسى الأمريكى ترامب أنه سيجلس الجميع إلى مائدة المفاوضات وسينهى النزاع فى يوم واحد فقط، وانتقد استمرار دعم بلده لأوكرانيا، الذى بلغ منذ 2022 حوالى 175 مليار دولار ( منها 106 مليار حصلت عليها الحكومة الأوكرانية بشكل مباشر)، ولم يوضح ترامب كيف وعلى أى أساس سينهى النزاع، أو كيف سيجبر الأطراف على إيجاد لغة مشتركة فيما بينهم.

ولو تناولنا الموضوع بتفصيل أكثر، فإن خطة ترامب كما أوردتها صحيفة "الفاينشال تامز" تتخلص فى إعادة التفكير اتفاق "مينسك" ويمكن أن نطلق عليها "مينسك ـ 3" مع إلغاء مسألة انضمام أوكرانيا للناتو فى الوقت الراهن، ورغم أن موسكو أعلنت أنها مستعدة لبحث أى اتفاقية، بشرط الأخذ فى الاعتبار الواقع على الأرض. 

خطة ترامب وهذا هو المهم فيها، أنها سوف تعاقب بقسوة من يحاول عدم تنفيذها، وسيراقب التنفيد قوات أوروبية وليس قوات الناتو أو الأمم المتحدة بأى حال، بهذا لن تنفق واشنطن على النزاع الأوكرانى بعد ذلك، أوروبا هى من ستدفع الثمن.

خطة ترامب تنص على أن عضوية أوكرانيا فى الناتو يمكن تأجيلها لعدة سنوات لم تذكر الخطة كم، باعتبار أن هذا من الممكن أن يكون موضوع تفاوض. تنص الخطة على تجميد النزاع (هذا ترفضه أوكرانيا) وأن أوكرانيا مع ذلك لن تفقد أى جزء من أراضيها، أى أنها لن تتنازل عن أراض ولا حتى مطالبها فى عودة الأراضى التى تحت السيطرة الروسية (تجميد النزاع). الخطة الترامبية تفترض أن واشنطن ستزود أوكرانيا بالسلاح، فقط، فى حالة موافقتها على الجلوس لمائدة المفاوضات، ومع المفاوضات يتفق الطرفان أولاً على وقف إطلاق النار على طول الجبهة. 

أما المرشح لمنصب نائب الرئيس ترامب السيد جى دى فانس، فقد وصف خطة ترامب لإنهاء النزاع فى أوكرانيا على النحو التالى: ترامب سيجلس مع الروس والأوكران والأوروبيين وسيقول لهم "إن عليكم أن تحددوا كيف ستكون التسوية السلمية"، وعلى الأرجح أنها ستكون تقريباً مثل الحدود الحالية (الآن) بين روسيا وأوكرانيا، وهذه المنطقة ستكون منزوعة السلاح، وهو ما جعل مستشار مكتب الرئيس الأوكرانى ميخائيل بودولياك يقول "هذا معناه تجميد النزاع" واعتبر هذا الاقتراح غريب! نظراً لأن روسيا هى من "خالفت القانون الدولى" على حد تعبيره وقواتها توجد على الأراضى الأوكرانية وفق بودولياك، فى الكرملين علقوا على خطط ترامب ومستشاريه بقولهم "إن قيمة أى خطة تنحصر فى التفاصيل، وما إذا كانت ستأخذ فى الاعتبار الوضع على أرض المعارك".

حتى الآن رغم التسريبات لم يعلن الرئيس ترامب عن خطته بشكل مفصل وإن ما قلناه هو مجرد افتراضات وتصريحات لمستشارى ترامب، وتسريبات صحفية، ومن ثم علينا الانتظار.

روسيا لن تتحرك من الأراضى التى تسيطر عليها الآن، وهى مصرة على أن أى تسوية يجب أن تأخذا الواقع على الأرض بعين الاعتبار، وأوكرانيا ترفض أى سلام بدون انسحاب روسيا من كافة الأراضى بما فيها شبه جزيرة القرم. وحالياً المعركة بين الغرب والناتو من ناحية وروسيا من ناحية أخرى، وفى اعتقادى مجئ ترامب من الممكن أن يعطى دور أكبر لأوروبا، لكن هذا سوف يؤثر على علاقة القارة العجوز بواشنطن بدرجة كبيرة، حيث تعتمد الأولى فى أمنها على الثانية، ومن الممكن أن يلقى بأوروبا فى أحضان موسكو، إذا تخلت الولايات المتحدة عنها فى الدفاع عن هيمنها من خلال أوكرانيا، أليس اقتراح المستشار الألمانى شولتز الذى طالب أوكرانيا بالتنازل عن أراضى مقابل السلام مع روسيا، يأتى فى هذا الإطار.

القضية الآن فى أن النزاع بدأ يحدث فيه نوع من الاستقطاب بعد شائعات وصول قوات كورية شمالية إلى منطقة كورسك بالقرب من الجبهة الروسية ـ الأوكرانية، وإعلان كوريا الجنوبية عن أنها تنتظر موافقة واشنطن على إرسال أسلحة وربما قوات لأوكرانيا لقتال أشقائها الشماليين، وإعلان فرنسا عن أنها قد ترسل مدربين وخبراء عسكريين لأوكرانيا، وهنا مكمن الخطر فى النزاع، وسبق أن تحدثت عن أن احتمال مشاركة الناتو المباشرة فى النزاع فرصته كبيرة، إذا استمر النزاع. على أى حال لننتظر نتائج الانتخابات، ومبادرة ترامب فى حال فوزه، أو دعم هاريس لكييف فى حال فوزها.

ما لا يعرفه اكثيرون أن الرئيس الأوكرانى محكوم بالقوميين الذين يريدون الحرب حتى آخر رجل، وإذا تنازل عن أراض سوف يلقون به فى سلة القمامة، وللحقيقة ما يريده الأمريكيون هو استمرار الحرب، فهم بعيدين عن الخطر، وفى نفس الوقت يرغبون فى استنزاف روسيا عسكريا واقتصاديا من خلال الحرب والعقوبات، وهم يريدون فى نفس الوقت أن يبرزوا كحماة لأوروبا عسكرياً وتجارياً فهم مصدرى الغاز الكبار لها الآن بعد أن أزاحوا روسيا، رغم أفضلية الغاز الروسى سعراً ونقلاً.