رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


مصر والخريف

9-11-2024 | 13:48


عبد القادر شهيب,

الخريف فى الحياة والأدب والسياسة أيضا يحمل معنى اقتراب النهاية، ربما لأنه الفصل الذى تذبل فيه الورود والأشجار وتتساقط أوراقها على عكس الربيع الذى تزدهر فيه الأشجار وتتفتح الورود أو فصل الصيف  الذى يشهد الكثير من المرح والانطلاق خاصة فى المصايف أو فصل الشتاء الذى يتسم بالحميمة والمودة .. مع أن فصل الخريف فى بلدنا هو حتى الآن أفضل فصول العام كله لأنه يتسم باعتدال درجة الحرارة .. فهو يخلو من حرارة الصيف المرتفعة وبرودة الشتاء القارصة أحيانا، كما يخلو ايضا  من رياح الخماسين التى تهب علينا فى الربيع ! .. وأنا شخصيا رغم أننى من مواليد الربيع فإننى أحب فصل الخريف من بين فصول السنة الأربعةَ وأراه أفضل الفصول، ويزيد فيه إقبالى على الكتابة وينشط فيه تفكيرى، والعدد الأكبر من كتبى أنجزته فى السنوات الاخيرة من عمرى التى يطلق عليها خريف العمر! وقد كان الخريف دوما فى تاريخنا المعاصر حافلا والأحداث السياسية والوطنية المهمة والمؤثرة .. ففى الخريف وقع العدوان الثلاثى علينا بمشاركة بريطانيا وفرنسا وإسرائيل زاد على تأميم جمال عبدالناصر شركة قناة السويس وهو العدوان الذى خطط فيه المعتدون الثلاثة تصفية الجيش المصرى بعد حصاره فى  سيناء ، لكن قرار ناصر سحب الجيش من سيناء قبل إنزال القوات البريطانية والفرنسية فى بورسعيد فوت عليهم تلك الفرصة، كما أن شجاعة المقاومة المصرية فى المدينة الباسلة حمى بقية مدن القناة، السويس والإسماعيلية، من احتلال الغزاة، وكذلك انتفاضة الشعوب العربية فى وجه الغزاة والإنذار السوفيتى لبريطانيا وفرنسا وإسرائيل مع الغضب الأمريكى منهم أدى إلى إخفاق العدوان القلاثى سياسيا  وانسحاب القوات المعتدية من الأراضى المصرية ، وأدى أيضا وبزوغ نجم ناصر فى المنطقة العربية، بل والعالم الثالث كله فى آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية. 

وفى الخربف أيضا خضنا حرب أكتوبر المجيدة ونجحنا فى عبور أكبر مانع مائى وتدمير خط بارليف واستعادة مساحات من سيناء العزيزة ، وألحقنا بالعدو الاسراءيلى أكبر صدمة تعرض لها فى تاريخه بعد تنفيذ خطة خداع محكمة جعلته يتصور إننا غير قادرين على محاربته بخطة بارعة جرى تدريسها فى الأكاديميات العسكرية الغابية بعد أن جرى تدريب مقاتلينا عليها لسنوات.

  وفى الخريف كذلك فقدنا ناصر بوفاته المفاجئة الصادمة التى أثارت حزنا عميقا لدى عموم المصريين الذين تمسكوا ببقائه فى قيادة البلاد بعد هزيمة يونيو  لكى يعيد بناء القوات المسلحة ويعد البلاد ويقوم بتعبئة قدراتها لحرب استرداد  الكرامة واستعادة الارض التى احتلت، وخشوا أن يفتر الاستعداد لخوض الحرب بعد فقده أو يتعطل قرار الحرب الذى اتخذه بعد سنوات حرجة أنور السادات .

كما فى الخريف أيضا تم اغتيال السادات من قبل مجموعة من تنظيم الجهاد الموحد الإرهابى وهو يحتفل بذكرى نصر أكتوبر، وهو الاغتيال الذى أعقبه نشاط إرهابى كافحته  البلاد لسنوات حتى سيطرت عليه وقضت على تنظيماته الإرهابية بالسلاح ثم بالمراجعات الفكرية الدينية لقادة وكوادر التنظيمات الارهابية 

وشهد الخريف أيضا الزيارة  المفاجئة التى قام بها السادات للقدس المحتلة، وهى الزيارة التى كانت بمثابة زلزال سياسى عالمى وليس فى المنطقة وحدها وأفضت إلى بدء مفاوضات مع الإسرائيليين برعاية أمريكية تمخضت عن إبرام معاهدة كامب ديفيد التى قضت بانسحاب إسرائيل من كل سيناء مقابل تطبيع العلاقات المصرية الإسرائيلية بالكامل، وخلال تنفيذ المعاهدة رفضت إسرائيل الانسحاب من طابا واقتضى الأمر خوض مفاوضات معها ثم اللجوء إلى التحكيم الدولى الذى حكم بمصير طابا واستعدناها مع بقية أراضى سيناء. 

وهكذا .. الخريف بالنسبة لنا كان حافلا والأحداث  السياسية والعسكرية الكبيرة والضخمة والمؤثرة والبارزة فى تاريخنا 
أى أن الخريف لم يكن كما ينظر إليه البعض موءشرا لاقتراب النهاية .. نهاية عمر أو زمن أو مرحلة أو عمل كبير ، وإنما كان بمثابة بداية لتطورات واسعة جديدة. 

فبعد العدوان الثلاثى فى ٥٦ وانسحاب قوات الغزو من أرضينا كان ذلك بداية لإرساء قواعد نظام عالمى جديد ثنائى القطبية يتشارك فيه كل من أمريكا والاتحاد السوفيتى، وتراجعت القوى العظمى القديمة، بريطانيا وفرنسا  وصارت مصر قبلة وملاذ الأحرار فى كل الأزمنة والملاذ للباحثين  عن حرية واستقلال شعوبهم.

وبعد حرب أكتوبر استردت مصر أرضها المحتلة وقبلها كبرياءها الوطنى وبعد وفاة عبدالناصر اصرت مصر على خوض حرب استرداد الكرامة والأرض.

وبعد اغتيال السادات خاضت البلاد حربا أخرى ضد الاٍرهاب ونجحت فى تصفية تنظيماته. 

إذن الخريف فى تاريخنا المعاصر لم يكن مرحلة أفول أو تمهيد للنهاية كما صوره الأدباء فى أعمالهم الأدبية، واستعار السياسيون منهم هذ التصوير كما فعل محمد حسنين هيكل فى كتابة  الشهير خريف الغضب وإنما كان دوما فيه ما يليه ويتبعه، ولعل هذا يمثل عبقرية المصريين فى التعامل مع الزمن .. فكل نهاية عندهم هى بمثابة بداية جديدة، وكل خريف يأتى بعده شتاء وربيع وصيف!