رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


بين‭ ‬فيروز‭ ‬والخريف‭ ‬ولبنان‭ ..‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬إلى‭ ‬بيروت‭ ‬سلام

13-11-2024 | 13:41


طه فرغلي

طه فرغلي,

ينساب‭ ‬صوت‭ ‬فيروز‭ ‬فيثير‭ ‬الشجون،‭ ‬تغني‭ ‬بصوتها‭ ‬الشجي‭:‬ ‮«‬بتذكرك‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تيجي‭ ‬لتغيم‭.. ‬وجهك‭ ‬بيذكر‭ ‬بالخريف‭.. ‬بترجع‭ ‬لى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬الدنى‭ ‬بدها‭ ‬تعتم‭.. ‬مثل‭ ‬الهوا‭ ‬اللى‭ ‬مبلش‭ ‬على‭ ‬الخفيف‭.. ‬القصة‭ ‬مش‭ ‬طقس‭ ‬يا‭ ‬حبيبي‭ ‬هاى‭ ‬قصة‭ ‬ماض‭ ‬كان‭ ‬عنيف‮»‬‭ .. ‬ تغني‭ ‬فيروز‭ ‬فترسم‭ ‬الصورة‭ ‬كاملة،‭ ‬ذكريات‭ ‬وشجون،‭ ‬حزن‭ ‬نبيل،‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬بعضهم‭ ‬الخريف،‭ ‬فصل‭ ‬مظلوم‭ ‬بيننا،‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬أمتع‭ ‬وأجمل‭ ‬الفصول‭.‬

قد‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬السطور‭ ‬أنى‭ ‬سأسترسل‭ ‬في‭ ‬الخريف‭ ‬ومحبته‭ ‬ومتعته،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬يستحق‭ ‬وأكثر‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬بيت‭ ‬القصيد،‭ ‬حقيقى‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حولنا‭ ‬يبعث‭ ‬على‭ ‬الشجن‭ ‬الخريفي،‭ ‬دموع‭ ‬غزة‭.. ‬حزن‭ ‬لبنان‭.. ‬أنين‭ ‬القدس‭ ‬المحتلة،‭ ‬بكاء‭ ‬الأطفال‭ ‬وعويل‭ ‬الثكالى،‭ ‬وأنين‭ ‬الشيوخ،‭ ‬وقهر‭ ‬الرجال،‭ ‬وتوحش‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال،‭ ‬يبدو‭ ‬الأمر‭ ‬مثيرا‭ ‬للحزن‭ ‬ويحمل‭ ‬سطور‭ ‬النهاية،‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نعتبره‭ ‬نهاية‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬باطنه‭ ‬إلا‭ ‬بداية،‭ ‬وما‭ ‬الخريف‭ ‬إلا‭ ‬سطر‭ ‬يكتب‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بداية‭ ‬مختلفة‭.‬

لا‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يحمل‭ ‬فلسفة،‭ ‬ولكنه‭ ‬الواقع،‭ ‬خريفنا‭ ‬يحمل‭ ‬بشريات‭ ‬البداية‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬فصل‭ ‬من‭ ‬فصول‭ ‬الحياة‭ ‬معبق‭ ‬بسحر‭ ‬الأمل‭ ‬والنجاة،‭ ‬الخريف‭ ‬جسر‭ ‬راحة‭ ‬جميل‭ ‬بين‭ ‬وهج‭ ‬الصيف‭ ‬وحرارته‭ ‬الملعونة‭ ‬وزمهرير‭ ‬الشتاء‭ ‬وبرودته‭ ‬القاسية،‭ ‬التقاط‭ ‬الأنفاس‭ ‬لإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬الحسابات‭.‬

الخريف‭ ‬فاصل‭ ‬شجى‭ ‬يحمل‭ ‬لنا‭ ‬بين‭ ‬طياته‭ ‬الحنين‭ ‬والحزن‭ ‬النبيل،‭ ‬واليقين‭ ‬أن‭ ‬البداية‭ ‬آتية‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬لا‭ ‬ريب‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬وأوراق‭ ‬الشجر‭ ‬التي‭ ‬ذبلت‭ ‬وسقطت‭ ‬ستزهر‭ ‬بدلا‭ ‬منها‭ ‬آلاف‭ ‬الأوراق،‭ ‬لا‭ ‬تنخدع‭ ‬في‭ ‬استحكام‭ ‬الحلقات‭ ‬التي‭ ‬ضاقت‭ ‬حولنا،‭ ‬فما‭ ‬الاستحكام‭ ‬إلا‭ ‬بداية‭ ‬للانفراج‭.‬

لا‭ ‬تفزع‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬العدو‭ ‬الغاشمة‭ ‬وضرباته‭ ‬المتوحشة‭ ‬ضد‭ ‬الأبرياء‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وغزة،‭ ‬المؤكد‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬زاد‭ ‬توحشه‭ ‬اقتربت‭ ‬نهايته‭ ‬وكلما‭ ‬سفك‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬الدماء‭ ‬كتب‭ ‬بها‭ ‬سطر‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬نهايته‭ ‬المحتومة‭.‬

التاريخ‭ ‬حافل‭ ‬وصفحاته‭ ‬تحكى‭ ‬الكثير‭ ‬وما‭ ‬تتار‭ ‬العصر‭ ‬إلا‭ ‬كمثل‭ ‬تتار‭ ‬جنكيز‭ ‬خان،‭ ‬سطر‭ ‬عابر‭ ‬سيمر‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭  ‬سقط‭ ‬آلاف‭ ‬الشهداء‭.‬

دعك‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬ولنعتصم‭ ‬بحضارتنا‭ ‬وثقافتنا‭ ‬وهويتنا،‭ ‬فمن‭ ‬اعتصم‭ ‬بهويته‭ ‬ووطنه‭ ‬ما‭ ‬ضل‭ ‬وما‭ ‬خاب،‭ ‬رسالة‭ ‬مصر‭ ‬الخالدة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬والجيوش‭ ‬الوطنية،‭ ‬هذا‭ ‬سبيل‭ ‬الخلاص،‭ ‬صوت‭ ‬مصر‭ ‬الأبي‭ ‬لا‭ ‬يخفت‭ ‬أبدا‭ ‬يستمسك‭ ‬بالعروة‭ ‬الوثقى‭ ‬ويعرف‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬انفصام‭ ‬لها،‭ ‬وعروتنا‭ ‬الوثقى‭ ‬وطننا‭ ‬الحبيب،‭ ‬ودعم‭ ‬أشقائنا‭.‬

لم‭ ‬أذهب‭ ‬بعيدا‭ ‬فالأمر‭ ‬كله‭ ‬مرتبط،‭ ‬وسطوره‭ ‬متصلة،‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬لليأس‭ ‬عند‭ ‬أمم‭ ‬عريقة‭ ‬وأوطان‭ ‬خالدة،‭ ‬وحديثنا‭ ‬عن‭ ‬لبنان‭ ‬العروبة،‭ ‬وطن‭ ‬الثقافة‭ ‬والحضارة‭ ‬يحمل‭ ‬شجون‭ ‬الخريف،‭ ‬نقولها‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬إلى‭ ‬بيروت‭ ‬سلام‭ ‬على‭ ‬البلاد‭ ‬الجميلة،‭ ‬رمز‭ ‬المحبة‭ ‬والعطر‭ ‬الفواح،‭ ‬بلاد‭ ‬جبال‭ ‬الأرز‭ ‬وصوت‭ ‬فيروز‭ ‬والأخوين‭ ‬رحباني،‭ ‬بلاد‭ ‬جبران،‭ ‬ومطران،‭ ‬وزيدان،‭ ‬حاضرة‭ ‬الأدب‭ ‬والشعر‭ ‬والصحافة‭ ‬والغناء‭ ‬والمسرح‭.‬

ما‭ ‬بين‭ ‬القاهرة‭ ‬وبيروت‭ ‬روح‭ ‬واحدة،‭ ‬فيروز‭ ‬الصباح‭ ‬وأم‭ ‬كلثوم‭ ‬المساء،‭ ‬اتصال‭ ‬وجدانى‭ ‬إبداعي‭ ‬تشكلت‭ ‬خيوطه‭ ‬ونسجت‭ ‬بأيدى‭ ‬مبدعين‭ ‬نقلوا‭ ‬إبداعهم‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ ‬ووجدوا‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬الملاذ‭ ‬والأمان،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬عبر‭ ‬العصور‭ ‬تاريخا‭ ‬متجذرا،‭ ‬نفخر‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬الهلال‭ ‬جزء‭ ‬منه‭ ‬بفضل‭ ‬لبنانى‭ ‬أصيل‭ ‬سبق‭ ‬عصره‭ ‬وكان‭ ‬مبدعا‭ ‬في‭ ‬أوانه‭.‬

محبة‭ ‬لبنان‭ ‬لا‭ ‬تنقطع،‭ ‬ولها‭ ‬في‭ ‬عنق‭ ‬كل‭ ‬عربى‭ ‬دين‭ ‬وواجب،‭ ‬فهو‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬انطلق‭ ‬منه‭ ‬شعاع‭ ‬الانفتاح‭ ‬الثقافي‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬رواد‭ ‬المسرح‭ ‬الحديث‭ ‬والصحافة‭ ‬المبدعة،‭ ‬تاريخ‭ ‬الإبداع‭ ‬العربى‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬منه‭ ‬يكتب‭ ‬عن‭ ‬القاهرة‭ ‬وبيروت،‭ ‬ومن‭ ‬ورائها‭ ‬بغداد‭ ‬ودمشق،‭ ‬حواضر‭ ‬العرب‭ ‬الزاهرة‭.‬

خريفنا‭ ‬يحمل‭ ‬أمل‭ ‬البداية‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬لا‭ ‬ننكر‭ ‬أن‭ ‬الحزن‭ ‬عميق،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الضيق‭ ‬إلا‭ ‬الفرج‭ ‬هكذا‭  ‬تعلمنا‭ ‬ثقافتنا‭ ‬وهويتنا،‭ ‬وتراثنا‭ ‬العربي‭ ‬الأصيل، "‬ضاقت‭ ‬فلما‭ ‬استحكمت‭ ‬حلقاتها‭ ‬فرجت‭ ‬وكنت‭ ‬أظن‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تفرج‭ ،" ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬لبنان‭ ‬يمر‭ ‬بظرف‭ ‬دقيق،‭ ‬فالمؤكد‭ ‬أنه‭ ‬سينهض‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬ليعود‭ ‬حاضرة‭ ‬ثقافية‭ ‬بهية‭ ‬يشع‭ ‬نورها‭ ‬الإبداعي‭ ‬وينير‭ ‬جنبات‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭.‬

‬وفى‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬المساندة‭ ‬المصرية‭ ‬للأشقاء‭ ‬حاضرة‭ ‬وبقوة،‭ ‬ودعم‭ ‬القيادة‭ ‬المصرية‭ ‬التي‭ ‬تدرك‭ ‬قيمة‭ ‬لبنان‭ ‬الشقيق‭ ‬ودوره‭ ‬الثقافي ‬والحضاري‭ ‬والتاريخي‭ ‬لا‭ ‬ينقطع،‭ ‬وكعادتها‭ ‬مع‭ ‬الأشقاء‭ ‬تساند‭ ‬القاهرة‭ ‬جميع‭ ‬العواصم‭ ‬العربية،‭ ‬لا‭ ‬تبخل‭ ‬ولا‭ ‬تمن،‭ ‬تلعب‭ ‬دورها‭ ‬ولا‭ ‬تبتغي‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ذلك‭ ‬جزاء‭ ‬ولا‭ ‬شكورا‭.‬

هذه‭ ‬تحية‭ ‬معبقة‭ ‬برائحة‭ ‬الخريف‭ ‬وطقسه‭ ‬الجميل‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬الشقيق،‭ ‬تحية‭ ‬محبة‭ ‬وامتنان‭ ‬وعرفان‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬إلى‭ ‬بيروت‭ ‬سلام‭.‬