رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


التأثير الفرنسي على طه حسين والحب الضائع

13-11-2024 | 18:26


أحمد عبدالرازق أبوالعلا,

كان لتواجد طه حسين  في باريس - أثناء فترة بعثته لاستكمال دراسته في جامعة السوربون، أبلغ الأثر على تكوينه الفكری والإبداعي، فلقد تعلق بها حتى ظن أن الموت واجب في سبيلها -كما ذكر ذلك في كتابه أديب- وهناك عايش الثقافة الفرنسية بعقله وفكره، واهتم بالقصة الفرنسية -خاصة- واستوعب آراء  أصحاب المذاهب المُختلفة، ولكنه لم يجعل اهتماماته للقراءة تنحصر في فكرة واحدة أو مدرسة واحدة. بل انفتح على كل المذاهب وتناول كل الأفكار دون تحيز لهذا أو لذاك. فعرف قصص رومان ولوس، وقصص ورنى وراسين وغيرهم من الكلاسيكيين كقصص فولتير وآناتول فرانس والفريد كابور.                                                               
وعندما تحدث عن بعض الكتاب الفرنسيين، لم نجده متحيزا لرأي أو فكرة معينة، بقدر ما كان يناقش قدرة الكاتب على التحليل النفسي داخل العمل ذاته، وكذلك قدرته على إرضاء العقل، وهذه المسألة واضحة تماما في كتابه (صوت باريس). لقد تعامل مع الثقافة الفرنسية تعامل المستفيد من التجارب، بالإضافة إلى موقفه النقدي تجاه كل ما اطلع عليه وقرأه.

من هنا يتبين لنا أن طه حسين عندما أراد أن يسلك طريق التأليف الفني القصصي (كانت ثقافته الفرنسية لها أبلغ الأثر على موضوعاته المختلفة التي عالجها فنيا، ويتضح هذا في عمليَه (دعاء الكروان)، و(الحُب الضائع ) على وجه الخصوص.

وفي مجموعة (الحب الضائع) اهتم بالتحليل النفسي لشخوص عمله، كما كان يفعل ذلك الكاتب الفرنسي، واتخذه إطارا لفكرته القصصية.

والمجموعة تتعرض لأنواع متباينة من الحب، قدمها في سياق اجتماعي، يوضح به مبررات سلوك شخوصه، فهناك الحب الضائع، والحب اليائس، والحب المُكره، وبين الحب والإثم. وكلها تُعالج فكرة واحدة هي فكرة الصراع بين الحب والواجب، وهى الفكرة نفسها، التي اهتم بها الأدب الكلاسيكي الفرنسي، بما يكشف مدى تأثره به.  

الحب الضائع

هذه القصة فيها من الصراع والتحليل النفسي، ما يوضح أن الكاتب تأثر بالفكرة الفرنسية، ولكنه عالجها باللغة العربية، الحدث فيها غير واضح تماما وغائب، وهذا الغياب نجده في معظم قصص المجموعة، وذلك لأن طه حسين لم يكن يهتم بالحدث القصصي بقدر اهتمامه بالتحليل النفسي لشخوصه، والفكرة تدور حول قضية الحب والواجب والصراع بينهما لو وُضع الإنسان في حالة اختيار.

ولقد تعرض طه حسين لنفس الفكرة في رواية (دعاء الكروان) موضحا أن الحب عاطفة جوانية لا دخل لأحد في التأثير عليها، وعلى الإنسان التزامات قد تتعارض مع تلك العاطفة ومن السهل التأثر بها. والواجب يفرض على الإنسان التزامات قد تتعارض مع العاطفة، أو تعوق مسارها الشعوري الصحيح، ومن حيث إنه مرتبط بالقيم والمبادئ، التي هي -في أغلبها- أخلاقية. لهذا السبب نجد الواجب دائما هو المنتصر.

(مادلين) بطلة (الحب الضائع) تعيش الصراع بين الحب والواجب، حيث ترى زوجها (مكسيم) أحب صديقتها (لورنس) ولأنها لا تعرف حقيقة هذا الحب، رضيت بالسكوت والصمت، على الرغم من أنها تعرف أن في الدار قلبا متحطما قد ذاق خيبة الأمل وعرف مرارة اليأس، ولم يبرأ من هذه العلة التي مزقته تمزيقا.                                                           

هذا القلب هو قلب (مادلين) الذي صار حطاما، يتمزق في صمت، فهي تحس بواجبها نحو زوجها، ونحو ولدها الصغير "بيير" ونحو نفسها، لا تريد أن تنغص حياتها تقول:

"كنت أدافع نفسي أشد الدفاع عن مصارحة زوجي بهذا كله أو بعضه، أريد أن أثأر للكرامة التي أهينت، والحُرمة التي انتهكت، والحب الذي أضيع وأخشي إن فعلت أن يكون الفساد الذي لا سبيل إلى إصلاحه، والصدع الذي لا سبيل إلى رأبه ثم طال هذا التردد، وطال حتى تغلب العقل، أو تغلبت العاطفة، أو اتفق العقل والعاطفة" هنا يصل الصراع- بين العاطفة والواجب إلى قمته، ويتضح -تبعا لذلك- تحليل الشخصية نفسيا من خلال تصرفاتها مع الآخرين. مع نفسها، مع زوجها، مع كل الأشياء المحيطة بها، وبما يعتمل في داخلها، فيظهر كل هذا في السلوك الخارجي.  

صمت (مادلین) الخفي، أكثر بكثير من انفعالها الظاهر، بمعنى أنها وبصمتها تكبت عاطفتها كبتا يجعلها تتمزق من الداخل، فهي لا تُعبر عن رغبتها الحقيقية في الصراخ، لأن الحب الذي أعطته لزوجها (مكسيم) هو حب من طرف واحد، هذا الطرف يتمثل فيها على الرغم من أنها زوجته.. ولذلك فهو من وجهة نظرها لا يعدو أن يكون حبا ضائعا لا يستحق حتى مجرد أن تدافع عنه.

وهذا الموقف يبدو لنا غريبا وسلبيا، تكمن غرابته في أن عاطفة المرأة - وكما يحددها علم النفس عندما تعرض لسيكولوجية المرأة، عاطفة انفعالية، أشد انفعالية من الرجال، وأكد على أن "الانفعالية القوية -للمرأة- لا تتجلى في قوة الاستجابة لحوادث مهمة فحسب، بل تتجلى كذلك في كثرة استجابات لمناسبات تافهة كل التفاهة".

ورغم أن المناسبة هنا لیست تافهة كل التفاهة بالنسبة لامرأة متزوجة ترى زوجها يحب امرأة أخرى، فهي هنا تشعر بالإهانة، وقد يبرر البعض ذلك على أساس أن هذه المرأة امرأة باريسية، فأقول إن المشاعر والأحاسيس والعواطف، لا تتبع التقسيم من حيث النوعية فكما يقولون (المرأة هي المرأة).. 

تظل مادلين صامتة، ساكنة، راضية بحالها، وهذا هو وجه الغرابة في موقفها  الذي لم تبح لأحد به، ولم تكشف عن حزنها، وسفك مشاعرها، إلا مع الدفتر الذي تبثه أشجانها وتكتب فيه، ما تشعر به. وهذه الفكرة -فكرة الخيانة- ألبسها (طه حسين) ثوبا رومانسيا في طريقة التعبير، ونلمس ذلك من خلال الزوجة التي تعلم أن زوجها يخونها، ولا تخشى شيئا غير أن يعرضها ذلك إلى طمع الطامعين!! تقول: "وقد عرضني ما ظهر من أمره إلى أكثر من ألم الطامعين، أغرى بى الذين ينتهزون الفرص من المرأة التي يخونها زوجها، عرضني لطمع الأصدقاء الأوفياء، عرضني لألم المرأة التي تُهان في حبها، ولخزي المرأة التي تُهان في كرامتها".                                   
وعندما يتصاعد الصراع بين الواجب والعاطفة إلى أن يصل للقمة، نجد الفعل يأتي سلبيا، تبعا لمعطيات شخصية (مادلين) السلبية أيضا، ويكون الحل حلا ميلودراميا، يدفع القارئ للبكاء! خاصة وأنها انتصرت للواجب، بالانتحار.  

ولو كان الأمر قد انتهى عند هذا الحد  لكان أهون، ولكن الذي حدث أن (لورنس) التي عشقت زوج مادلين، انتحرت هي الأخرى.    

"وأصبح الناس ذات يوم وقد قرأوا في صحف الإقليم نعى سيدتين أهدت كل واحدة نفسها إلى الموت، وجعل الناس في المدينة إذا لقى بعضهم بعضا، يرددون هذا النبأ، ويقول بعضهم لبعض: يا عجبا كأنما كانتا على ميعاد".

نهاية مأساوية بلا مبرد فنی، وقد يقول قائل: إن هذه القصة كُتبت في فترة تاريخية معينة، كان الأدب فيها يجنح إلى الميلودرامية.. أقول: قد تكون صادقة موضوعيا، لكنها من الناحية الفنية ليست كذلك.                                        
الحب اليائس

تصور هذه القصة -أيضا- الصراع العنيف بين الحب -من حيث إنه عاطفة جوانية، والواجب من حيث أنه فعل يخضع للعقل- فنجد تلك الفتاة الراهبة ذات الشخصية المهيبة التي تمضى في سبيل الواجب، ولا تستجيب إلى العواطف -على الرغم من شدتها- فنراها وبينما كانت تمنح أحد المرضى بعضا من (الرحمة والعطف والحنان والعناية المادية) بحكم وظيفتها كممرضة، نراها وقد رأت هذا القسيس الذي يقبل ليرى المريض، ويطمئن عليه فتقول له: ألم تعرفني یا أبت؟!

فيجيبها: كلا أيتها الأخت، عم عسى أن تكوني؟

فتجيب: ومع ذلك فلم أكد أراك حتى عرفتك، ولم أكد أسمع صوتك حتى انهدم له قلبي انهداما، فيسألها القسيس مُلحا فتجيبه: أنا فلانة بنت فلان، وأخت فلان، ولكنه نظر إليها وتركها منصرفا مهرولا.

عاطفتها القديمة تصحو.. وحبها القديم يدنو من عقلها يحدثها، ولكن واجبها نحو الله قد غلب كل شيء، حتى التفكير في عاطفتها، مجرد التفكير - فترجع ثانية إلى الله راجية من القسيس الشيخ أن يرد إلى قلبها الأمن، وأن يستنقذ نفسها من هذا الخوف، وخُيل إليها أنها قد انصرفت من الحب الإنساني، وتعزت عنه بهذا الحب الإلهي، ولكنها رأته فتذكرت، وعاودها الأسى، فهي نادمة ومشفقة من الخطيئة، وهي تلح في هذا الندم، وتغرق في هذا الإشفاق. تلك هي الفكرة في قصة (الحب اليائس) ولكن ما يؤخذ عليها وعلى غيرها من قصص المجموعة، أن أفكارها ليست نابعة من وجدان الكاتب ذاته، ولكنها نتاج التفكير العقلاني -إن صح التعبير- بمعنى أن طه حسين أراد أن يقدم نماذجا من الحب متعددة الأنواع، فهذا حب قد ضاع، وهذا حب يائس، وهذا حب مكره.. إلخ كل هذا دفع بالقصص- نحو الجمود (الاستاتيكية) بحيث تحولت الشخصيات إلى دمى يحركها الكاتب كيفما شاء، لا كما يفرضها الموقف أثناء التطور والنمو. فالشخصية التي يُبدعها القاص -عموما- يجب ألا تخضع لآرائه، ولا معتقداته ولا نظرته الذاتية إلى الحياة، بل عليها السير طليقة في عالمها، تخضع لمنطقها الخاص.

فنحن لا نعرف عن شخصية الراهبة أي شيء -سوى أنها جاءت تطلب الغفران، لأنها استجابت لعاطفتها، ونسيت واجبها نحو الطاعة الإلهية كونها ترهبت.. لم نعرف عنها أكثر من هذا، ولذلك فقد جاءت غير حية، وهذا ما يدفعني للقول إنها شخصية خضعت لعقل الكاتب قبل أن تخضع للحدث الفني ذاته.

الحب المُكره

تناقش هذه القصة -أيضا- فكرة الصراع بين الواجب والعاطفة- كبقية القصص، ولكن من منطلق آخر، حيث نجد تلك المرأة التي تريد أن تُحب حبا صادقا خالصا، تريد أن تنفتح عاطفتها انفتاحا اختياريا إراديا، ولكنها فوجئت بهذا الفتى الذي يتعرف عليها، ويُعلن حبه لها، ورغبته في الزواج منها، وقد ثارت نفسها لهذا الحب الذي يُلقى إلقاء، ولهذا الزواج الذي يصور به الأمر.   

وأرادت أن ترفض هذا الزواج لأنها لا تشعر إلا بالكراهية تجاه هذا الفتى، لا بالحب الذي تريد أن يكون، ولكن الفتى خيرها في صوت حازم رقيق قائلا لها: "أترين إلى هذا البحر الذي لاحد له ولا قرار؟: فإنه سيتزوجك إذا لم أتزوجك أنا، فاختاري أحبنا إليك، وآثرنا عندك، وموعدك الغد" 

وهنا توافق الفتاة (اليونتين) مكرهة.

عاشت حياتها بين حدى السيف، الحد الأول هو رغبتها في أن تحب من تشاء، وأن تلهو كما تشاء، ولكنها تتراجع، لأنها تعرف أن هذا خيانة لبيتها وزوجها ولابد أن تُخلص لهما -إذا تزوجت- وهذا هو الحد الثاني.

ولذلك فقد عاشت هذا الصراع بين الحب الذي تريده، والواجب الذي يحتم عليها ألا تفكر -مجرد تفكير- في أن تحب شخصا آخر غير زوجها.                                    

حب مُكره يصوره لنا (طه حسین)، ثم يسألها -فى نهاية القصة- على لسان الراوي:

لو خيرت الآن فماذا تختارين؟

تقول له: الظن أني أختار حرية الفرنسيات.

إذن هذه الشخصية كأية شخصية تشعر أنها مسيرة فى أمورها، مكرهة على الفعل، ولا تستطيع تحقيق رغباتها وعواطفها، هذه الشخصية تعبر في النهاية عن رغبتها الحقيقية في الحرية..  
وإذا نظرنا إلى صورة (ليونتين) في هذه القصة، لوجدناها فتاة لم تحظ بجانب من التعليم "فهى تعمل خادمة في البيوت، وعلى الرغم من هذا رسم (طه حسين) شخصيتها، فجعلها تبدو وكأنها فيلسوف، تحدثك عن الحب والكراهية، الأمن والخوف، الامتنان والاشمئزاز، السعادة والشقاء، تحدثك عن موسوليني، وكيف أنه أصلح إيطاليا وعن هتلر وكيف أنه قد قوم ألمانيا وتقرر أن الإيطاليين والألمان  بعيدون عن الحرية إلى أقصى غايات البُعد، ولكن أمورهم منظمة صالحة، وفي النهاية تُطالب بحرية الفرنسيات.

هذه هى صورة (ليونتين) الفتاة الفرنسية في قصة (الحُب المُكره) ومن هذه الصورة  يتضح لنا  مدى التنافس الشديد بين الشخصية من حيث إنها مرسومة من الخارج، وبين داخلها الذي هو المُعبر الحقيقي عنها.. الوحدة الموضوعية لم  تتضح في حركة الشخصية داخليا وخارجيا، بمعنى آخر لم يتحد الفعل الداخلي للشخصية مع الفعل الخارجي لها، لتُصبح شخصية متزنة فنيا، فبدت لنا في النهاية شخصية غير مقنعة على الإطلاق، فلو كانت ضائقة بهذه الصورة، فكان من الأحرى لها أن ترفض هذا الحب الذي فُرض عليها فرضا، كون هذا الرفض سيكون نتاجا لشخصيتها -الفعلية- والتي رسمها الكاتب، على أنها ترنو إلى الحرية، وتُلح في طلبها.                              
ولكن كيف يطالب الإنسان بالحرية، وهو في الوقت ذاته - يشارك في تثبيت حلقات القيد حول عنقه؟   

بين الحب والإثم

في هذه القصة، نتعرف على الصراع الذي تقع فيه امرأة تريد أن تُخلص لحبيبها الذي واراه التراب، تفعل هذا على الرغم من كونها زوجة لرجل آخر، ولكن الواجب يدعوها في النهاية إلى العودة لزوجها وأولادها، تعود ولكنها مازالت رهينة الصراع القائم بين حبها القديم، وواجبها الذي يفرض عليها ألا تنصاع وراء عواطفها الجامحة، إنها دائما لا تنظر إلى يمين إلا رأت شخص الواجب هائلا يظهر في وجهه الحزم الحلو، وتجرى على وجهه الابتسامة الحزينة، ولا تنظر عن شمال إلا رأت  شخص الحب هائلا يظهر في وجهه حزن وخزى، ويظهر في وجهه كذلك، تصميم على ألا يفارق هذه المرأة حتى تفارق الحياة. 

ولكنها تنتصر لشخص الواجب الذي يحدثها عن زوجها الوفى، وأبنائها الأعزاء الأطهار، وتتناسى شخص الحب الذي يحدثها عن هذا القبر الذي حال بينها وبين من كانت تُحب، والذي احتوى حبها وأملها ولذاتها وسعادتها.                                                   

وأقول: لو أن طه حسين أراد أن يحدد لنا صورة المرأة التي وقعت في إثم عظيم، حين خانت الأمانة الزوجية، وانحدرت نحو الرذيلة مع عشيق يلهو بعواطفها كما شاء له اللهو، ومن وراء ظهر زوجها الوفي- فقد نجح في توصيل هذه الفكرة، ولكن لو كان الكاتب الكبير يريد أن يقول لنا -كما جاء في نهاية القصة- إن هذه المرأة الآثمة. قد عادت أدراجها، وأحست بخطئها الذي ارتكبته، ويريد لنا -نحن القراء- أن نتعاطف معها، فهذا أمر يحتاج إلى تأمل، لأن هذه المرأة الآثمة لم تعد إلى بيت زوجها، ولم تشعر بضرورة عودتها إلا بعد موت حبيبها.

وهذا الحل الذي وضعه (طه حسين)  ليُخرج الشخصية من أزمتها، حل غير مبرر فنيا، وإلا لكان من الأولى -لنا- أن نتعاطف مع (فرعون) وقد آمن بربه أثناء الغرق.

فلابد أن يكون التعاطف نتاج التطور الطبيعي للموقف ذاته، فصورة المرأة في هذه القصة، وعلى الرغم من أن (طه حسين) أراد أن تكون صورة لامرأة تائبة، إلا أنها ظهرت -امرأة جامحة- مستسلمة لغريزتها، شاردة الإرادة، ومن ثم فإن موت الحبيب -سبب الأزمة كلها- كان الحل الوحيد أمام الكاتب للخروج من المأزق.                                                    

وكما هو واضح بعد تحليلنا لقصص المجموعة، نلمس التأثر الواضح بالأدب القصصي الفرنسي، حتى أنه حين كتب قصصه تلك، كتبها في أجواء المجتمع الفرنسي وليس المصري، وحتى الأسماء التي استعان بها أسماء فرنسية، كل ما في الأمر أنه قدمها بأسلوبه ولغته، وطريقته، التي لا تخلو من وعظ، ومباشرة، وتقريرية، ونمذجة صحفية، وذلك لأن فكر (طه حسين) كان يسبقه أثناء ممارسته للكتابة الإبداعية، بينما الأمر يتطلب العكس وهو السبيل لأي كاتب يريد التعبير، بدون أن يكون حاضرا حضورا مباشرا، يؤثر على فعل التأمل الذي هو أساس العملية الإبداعية برمتها.