أجرى علماء من جامعة دورهام في انجلترا دراسة حديثة كان أساسها سؤال جوهري في علم الكونيات وهو: كيف تؤثر كثافة الطاقة المظلمة على احتمالية نشوء حياة ذكية في الكون.
أجاب الباحثون عن هذا السؤال عبر تطوير نموذج نظري مستوحى من معادلة دريك الشهيرة، التي تبحث في الشروط المثالية لتكوين النجوم وظهور الحضارات الذكية في الكون.
تشير كثافة الطاقة المظلمة إلى مقدار الطاقة المظلمة في حجم معين من الكون، والطاقة المظلمة هي شكل غير مرئي وغامض من الطاقة يُعتقد أنه مسؤول عن توسع الكون المتسارع، حيث تعمل بشكل معاكس للجاذبية، مما يتسبب في تباعد المجرات عن بعضها البعض بمرور الوقت.
تُقدَّر كثافة الطاقة المظلمة حاليًا بحوالي 68% من إجمالي محتوى الطاقة في الكون، ورغم عدم وضوح طبيعتها بشكل كامل، إلا أن العلماء يعتقدون أن لها تأثيراً مباشراً على شكل وحجم الكون وكذلك على تكوين النجوم والمجرات، مما يعني أن لها دورًا كبيرًا في تشكيل بيئة الكون التي قد تؤدي إلى نشوء الحياة.
وقد وضع عالم الفلك فرانك دريك معادلة دريك في ستينيات القرن الماضي بهدف تقدير عدد الحضارات خارج كوكب الأرض في مجرة درب التبانة.
وتأخذ هذه المعادلة في الحسبان عوامل مثل معدل تكوين النجوم، وجود كواكب صالحة للسكن، واحتمالية نشوء الحياة ووصولها إلى مستوى تكنولوجي يمكن اكتشافه.
يركز النموذج الجديد الذي اقترحه علماء الفيزياء الفلكية في دورهام على جانب آخر مهم: كيف يمكن للطاقة المظلمة، التي تعتبر القوة الغامضة التي تدفع التوسع المتسارع للكون، أن تؤثر على فرص تشكل الحياة الذكية.
طاقة الحياة المظلمة في الكون
تظهر الدراسة كيف تبدو نفس المنطقة من الكون من حيث عدد النجوم عند كثافات مختلفة للطاقة المظلمة، وتوضح الصور الناتجة عن مجموعة من المحاكاة الكونية هذه التغيرات؛ في اتجاه عقارب الساعة من أعلى اليسار، نرى كونًا بلا طاقة مظلمة، وآخر له نفس كثافة الطاقة المظلمة كما في كوننا، وأكوانًا بكثافات أعلى من الطاقة المظلمة بمقدار 10 و30 ضعفًا.
تشكل الطاقة المظلمة ما يقرب من ثلثي محتوى الطاقة في الكون، ورغم غموض طبيعتها، يُفهم أنها تساهم في تسريع التوسع الكوني وتؤثر على تكوين الهياكل واسعة النطاق مثل المجرات وعناقيد النجوم.
ومن خلال سلسلة من عمليات المحاكاة الكونية، تمكن الباحثون من تصور كيف يختلف عدد النجوم في الأكوان ذات الكثافات المتباينة للطاقة المظلمة، ووفقاً لهذه النماذج، فإن عدم وجود الطاقة المظلمة أو زيادتها عن كثافتها في كوننا بشكل ملحوظ سيؤدي إلى تغييرات في توزيع النجوم.
يدرس النموذج نسبة المادة التي تتحول إلى نجوم طوال تاريخ الكون تحت كثافات مختلفة من الطاقة المظلمة، وتشير النتائج إلى أن الكون الذي تبلغ كثافة طاقته المظلمة 27% أعلى من تلك الموجودة في كوننا سيكون الأمثل لتكوين النجوم، وفي المقابل، كوننا ذو كثافة طاقة مظلمة أقل نسبياً، مما لا يوفر الشروط المثالية لتعظيم تكوين النجوم، وبالتالي احتمالية وجود كواكب صالحة للحياة.
ويحلل النموذج أيضًا احتمالية وجود مراقب عشوائي أي شكل من أشكال الحياة الواعية في كون له خصائص مشابهة لعالمنا، ويشير الاستنتاج إلى أن المراقب العادي يتوقع أن يجد نفسه في كون بكثافة طاقة مظلمة أعلى، مما يعني أن خصائص كوننا قد تكون، بطريقة ما، استثنائية في إطار الكون المتعدد الافتراضي.
يشير الدكتور دانييل سوريني، الباحث الرئيسي في الدراسة، إلى أهمية فهم كيفية تشكيل الطاقة المظلمة للكون كما نعرفه، ووفقاً لسوريني، تبدو كثافة الطاقة المظلمة في كوننا كافية للسماح بتكوين هياكل معقدة ومستقرة بمرور الوقت، وهي الشروط اللازمة لتطور الحياة الذكية.
تطرح هذه النتائج مفارقة، حيث إن كثافة الطاقة المظلمة التي نرصدها ليست المثلى لزيادة فرص تكوّن الحياة، ويشير هذا الاكتشاف إلى أنه رغم أن كوننا يتمتع بالخصائص المناسبة لوجود الحياة، إلا أنه ليس بالضرورة أفضل السيناريوهات الممكنة، وذلك طبقا لما نقله موقع labrujulaverde.