رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


علي حسن عن روايته الفائزة بـ«اتحاد الكتاب»: أتمنى أن أكون واحدًا من الذين سعوا لإنصاف مي زيادة| حوار

19-11-2024 | 17:18


الكاتب الروائي علي حسن

دعاء برعي

وإن فارقت الحياة تبقى شمسها ساطعة لا تغيب، فلا تزال مي زيادة محط أنظار النقاد والباحثين والمبدعين من مختلف الدول العربية يتناولون سيرتها بالبحث والتحليل، ولا يكاد بلد عربي إلا وفيه باحث أو ناقد أو مبدع تناول سيرتها وأعمالها الأدبية ليبقى أثرها حاضرًا بقوة في المشهد الثقافي العربي..

ولا تخلو مصر من كبار الأدباء والمبدعين الذين كتبوا عن مي زيادة ويأتي الكاتب الروائي علي حسن الذي حاز أخيرًا جائزة اتحاد الكتاب للسرد 2024 عن روايته "أنا مي زيادة" واحدًا من هؤلاء، وهو كاتب وقاص وروائي؛ عضو نقابة اتحاد كتاب مصر، ونادي القصة المصري، ومشارك في تقييم الأعمال الأدبية بالهيئة المصرية العامة للكتاب، ترجمت بعض أعماله إلى الإسبانية ونشرت في مجلة "لايف إنكوتر".. حاورته بوابة "دار الهلال" فإلى نص الحوار..

 

حصدت روايتك "أنا مي زيادة" جائزة اتحاد الكتاب للسرد..  كيف ترى قيمة الجائزة وتأثيرها؟ وهل سبقتها جوائز أخرى؟

الجوائز لا تُقدر بقيمتها أبدًا، ربما الجائزة الأعظم التي ينالها الأديب تتجسد في كلمة "الله"
حين يقولها قارئ؛ يكون الأديب قد نال أعظم وسام على ظهر الأرض. لكن لو تغاضينا عن ذلك، فنحن نستطيع القول إن القيمة المادية تمنح الجائزة والمؤسسة القائمة عليها قدرًا من التقدير والاحترام، لكنها لا تشكل شيئًا للكاتب أبدًا، فالكاتب لا يعير للمال اهتمامًا، وإلا امتهن وظيفة تدر عليه مالًا وفيرًا منذ البداية.


أما الجوائز التي سبقت جائزة السرد من اتحاد الكتاب، فلم أنل منها ولم أسع إليها، فقد كان التقدم إلى هذه الجائزة محض صدفة! لكنني نلت من التقدير الكثير، من القراء قبل  كل شيء ومن نقاد يحترمون أقلامهم وقراءهم.

 


كيف كان مسار تجربتك الروائية.. بداياتها وأبرز مراحلها؟

بدأتها شعرًا؛ حين كنت في الثانية عشرة من عمري، راسلت كبريات الصحف والمجلات، نشرت في مجلة العربي الكويتية نصًا شعريًا عام ١٩٩٦، وكتبت نصوصًا مسرحية وقصصًا قصيرة وأنا في المرحلة الثانوية والجامعية. أوليت اللغة العربية عناية فائقة بفضل حبي لها ولآدابها ورعاية معلميها في المراحل التعليمة المختلفة، ثم كان الاهتمام بالمستقبل وتحقيق الذات. كنت الابن الأكبر لأسرة فقدت عائلها في سن مبكرة، توفى والدي شابًا في الثامنة والأربعين، فكان لزامًا أن أتجه نحو تدبير لوازم الحياة. عملت في مجال البترول؛ جيولوجي، لكن الرغبة في الكتابة لم تدع عاطفتي وتفكيري أبدًا. قضيت ثلاثين عامًا في مجال البترول، ثم تركته حبًا في الكتابة وشغفًا بها،
كل هذا والقراءة هي الشاغل الأكبر. لم أدعها يومًا ولم تلفظني أبدًا.

 

أيهما الأقرب للكاتب الروائي علي حسن.. القصة أم الرواية؟

-ربما القصة القصيرة هي هوايتي الأولى والأقرب إلى قلبي، لأنها الأكثر إحكامًا وتمكنًا وبراعةً، لكن الرواية تمثل للقارئ شغفًا والأكثر اهتمامًا ورغبة. ربما لأنه يرغب في اكتشاف أصل الحكاية كاملة والتعرف إلى أبطالها دون اختزال أو نقصان! 
قال لي أحد أصدقائي: "أحب أن أعيش مع الشخصيات.. أن أعرف الحكاية كاملة، لهذا أنا انتظر رواياتك لا قصصك". من هنا أكتب القصة القصيرة لإرضاء ذاتي، وأمارس الرواية لإرضاء القارئ، ولكن حين أكون على يقين بأن الرواية تأخذ كل كياني وتملك كل ذاتي. العمل الروائي شديد الصعوبة، ليس سهلًا أبدًا.

 

منذ انطلاق تجربتك.. كيف كانت المؤثرات التي أحاطت بها داخل المشهد الروائي المصري والعربي؟

-أكتب ما أشعر به، ويزلزلني، ما أشعر أنني إن لم أكتبه خسرت. أنا أكتب ما أحب أن أقدمه لهذا العالم، لا ما يريد العالم أن أقدمه إليه. عالمنا يحتاج إلى الكثير من الأفكار والرؤى، إن لم نقدم له ما نؤمن به فقد خسرنا الكثير، وسوف تبقى الحياة جامدة عقيمة، لا روح فيها. مَن أراد لها ذلك ساهم وعليه أن يتحمل تبعات خياراته ومساهماته.

 

 

برأيك.. هل للنقد دور في التأثير على المشهد الروائي وما أبرز ملاحظاتك على المشهد النقدي؟

-النقد الأدبي في غاية الأهمية؛ الرسالة الأدبية والإبداعية والفكرية لا تكتمل إلا به. الناقد حلقة وصل بين القارئ والمبدع، لا أقول أن عليه تفسير النص، لكن واجبه أن يظهر جمالياته، أهدافه، ما يحمله من تأويلات، إشارات، تلميحات، أهداف. كذلك مكامن القصور ومواضع الهنات. فهو يرشد القارئ بقدر المستطاع، يخلق نصًا موازيًا لا يقل جمالًا عن النص المنقود، ودائمًا "القارئ" هو الرابح.

مع الأسف؛ يصعب على المبدع أن يقدم إبداعه لكل النقاد، ومع كامل الأسف ليس للناقد قدرة على متابعة كل ما يصدر من إبداع، لذلك لدينا فجوة ليست صغيرة بين الناقد والمنقود، والقارئ هو الخاسر في هذه الدائرة المفرغة!

 

"أنا مي زيادة" مجرد سيرة ذاتية أم أن الخيال لعب دوره؟ وما طبيعة التقنية التي استخدمتها؟

-رواية "أنا مي زيادة" سيرة غيرية، وذاتية رغم أن صاحبتها لم تكتب حرفًا فيها! هي رواية تعتمد على الحقائق، المتعانقة مع الخيال لتخلق عالمًا يروق لقلب وعقل القارئ، اعتمدت في كتابتها على أكثر من مئة وثلاثين مرجعًا جديرين بالاحترام، وتجنبت الكتابات الصفراء التي تنشد الإثارة. لم أذكر في الرواية ما يخالف الحقيقة والواقع، ومع ذلك تركت العنان للخيال أن يبدع ويثمر وينتج، فكان مزيجًا من الواقع والخيال، شهد بروعته وتفوقه عشرات النقاد، ومئات القراء، ما أحمد الله عليه.

 

لماذا "مي زيادة"؟

-الآنسة "مي زيادة" أيقونة العشرينيات وحتى نهاية الأربعينيات من القرن الماضي دون منازع؛ خمسة وعشرون عامًا من المجد الأدبي، صاحبة أعظم صالون ثقافي في القرن العشرين. كتب عنها كثير من عمالقة عصر النهضة أيام مجدها بتودد وانبهار، وآخرون تملقًا وتزلفًا سرعان ما تبدل وقت مأساتها إلى قليل من رثاء وشفقة وكثير من تشفي وحقد على نابغة الشرق.
ثم توالت بعد رحيلها؛ كتابات لم تخلُ أبدًا من إسفاف وإثارة، واستغلال وتربح، بنشر أكاذيب واختلاق روايات وهمية، ومثل هذه الحكايات تجد صدى لدى بعض القراء الباحثين عن التسلية والنميمة!

كان كتاب "غرام الكبار في صالون مي زيادة" للكاتب أنيس الدغيدي أول كتاب يقع في يدي عن "مي". هالني ما فيه من خيال جامح، ترك الكاتب خياله يعربد كما يشاء في حياة "مي" ومغامراتها كأنها فتاة لعوب، غايتها إغواء الرجال! هذا الكتاب كان دافعًا كي استكشف عالم "مي زيادة" الغامض.

 

ماذا عن كواليس كتابتك الرواية؟

-بدأت رحلتي مع الآنسة "مي" متأثرًا بعوامل الانتشار وسهولة الاقتناء وشهرة بعض الكتاب الذين تناولوا حياتها، فبدأت بكتاب "الذين أحبوا مي" للشاعر كامل الشناوي ثم كتاب "أطياف من حياة مي" لطاهر الطناحي، ثم كتاب "حياة الرافعي" للكاتب محمد سعيد العُريان، وكلها كتابات صادمة، تحتوي علي أخطاء تاريخية فادحة، لم تعدم أسلوب الإثارة واجتذاب القارئ بما تحتويه من قصص خيالية، ناهيك عن أنها كُتيبات يسهل قراءتها في سويعات لكن أثرها البالغ يبقى في الوجدان طويلًا. وأحمد الله أنني بعد أكثر من خمس سنوات قضيتها في البحث ومراجعة كل ما كُتِبَ عن "مي زيادة" حياتها، وشخصيتها، وأفكارها، وكتاباتها، كذلك دراسة حياة كل من ارتبط بها أو دار في فلكها وكتاباته بما تجاوز أكثر من مئة وثلاثين مؤلفًا ومرجعًا، كل هذا جعل الصدق والحقيقة يتجسدان في رواية تحمل اسمها وتتحدث بلسانها "أنا مي زيادة".

بلغ بي الأمر أنني تماهيت مع "مي" تمامًا، فكتبت فصول الرواية بألم أرهقني، وكثيرًا ما غلبني البكاء وأنا في عزلتي ساعات الكتابة الطويلة، لهذا كانت الجائزة التي أعتز بها جدًا، ولأنها جاءت من بيت الكُتاب والمبدعين.

 

قضيت أكثر من خمس سنوات في البحث ومراجعة كل ما كُتِبَ عن مي زيادة.. فما تقييمك أخيرًا؟

-إن كل ما قرأناه عن غراميات الآنسة "مي" لم يكن إلا كذبًا وتدليسًا وتزويرًا للحقائق والتاريخ، ومحاولة بائسة من بعض الكتاب للتربح على حساب أديبة قلما يجود الزمان بمثلها، ومن المؤسف أن الاهتمام بالآنسة لم يكن عبر أدبها ومؤلفاتها وأفكارها التي سبقت عصرها وتقديم كل ذلك إلى الشباب لتكون مصدرًا لفخرهم واتخاذها قدوةً تستحق التقدير والثناء، وإنما تناولوا سيرتها كمتمردة متحررة، تلك هي المأساة الكبرى.
حملت "مي" في عقلها أفكارًا جليلة ومبادئ سامية، وفي قلبها محبة بحجم الكون للإنسانية دون التفات إلى دين أو عرق أو مبادئ وأفكار، لكن الطعنة جاءتها بيد أقرب الناس إليها، جوزيف ابن عمها!
قبل أن تغادر مي زيادة هذا العالم تركت وصيتها، تركتها على مكتبها في شقتها الصغيرة التي اعتزلت بين جدرانها العالية كل الذين حاولوا استغلالها والنيل من عقلها وتاريخها، والفوز بأموالها وميراثها الضخم ومكتبتها الجبارة!
لقد أكدت مي في هذه الوصية عدم ثقتها في كل أقاربها، وأنها تحذرهم جميعًا من الاقتراب من جسدها، حتى يتأكد الأطباء من موتها ميتة طبيعية، وأن لا يتم دفنها إلا بعد مرور ٢٤ ساعة من خروج الروح!
لم تعر مي زيادة أي اهتمام للذين تعاملت معهم واكتشفت عدم أحقيتهم في مودتها وتقديرها، قطعت علاقتها بكل هؤلاء الذين استفادوا من وجودها، من عبقريتها ونبوغها، من جمال روحها، من ألق صالونها الأدبي الذي تاق الحضور إليه كبار أدباء ذلك العصر الذهبي.
لم تعبأ مي بالأسماء الكبيرة من رجال الأدب والفكر والثقافة، لم تعر أحدًا منهم اهتمامًا أو تبجيلًا غير جدير بهما، قاطعتهم جميعًا، اكتفت فقط بالذين أحبوها، وبذلوا الوقت والجهد والمال والحب من أجل انعتاقها من سجن العصفورية. حاولت رد الجميل إليهم، بادلتهم ودًا بود، وتقديرًا بتقدير، تلك حياة مي!
ولكل هذا الظلم ولكل هذا الصبر، أردت أن أنصفها.. تمنت "مي زيادة" أن يأتي مَن ينصفها بعد موتها، وأتمنى أن أكون واحدًا من هؤلاء الذين سعوا إلى إنصافها.