في عيد ميلاد فيروز.. جارة القمر بين الأمومة والمعاناة والنجومية
وراء الشهرة التي لا تنتهي، والصوت الساحر الذي يلامس قلوب مستمعيه، تختفي حكاية إنسانية عميقة عن جارة القمر، تلك الأم التي تحملت المسؤولية على عاتقها، وقاست آلام فراق أحبابها، وسعت جاهدة لتوفير حياة كريمة لأبنائها حتى في ظل مرضهم، إنها أيقونة الغناء العربي فيروز، التي أثبتت للعالم أن الموهبة الفنية لا تتعارض مع الأمومة الحانية، وأن المعاناة قد تكون مفتاحًا للنجاح، وألهمت كل امرأة تسعى لتحقيق التوازن بين حياتها الشخصية والمهنية.
وبمناسبة عيد ميلاد جارة القمر الـ90، تستعرض بوابة دار الهلال، الجانب الإنساني والمسئولية الأسرية الصعبة التي تحملتها فيروز، مع أبنائها الأربعة، وإثباتها أن الحب والأمل هما أقوى سلاح لمواجهة تحديات الحياة، وإليك التفاصيل:
-تزوجت فيروز من عاصي الرحباني في 23 يناير عام 1955، وأنجبت أربعة أبناء، زياد عام 1956، وهالي 1958، وليال 1960، وريما عام 1965.
-واجهت فيروز أول صدمة في حياتها، عندما انجبت ابنها هالي، بسبب كونه من ذوي الاحتياجات الخاصة الذي أخبرها الأطباء حينذاك، أنه لن يعيش إلا لمدة 8 سنوات وليس أكثر، كما كان لديه إعاقة في الحركة يتطلب معها استخدام كرسي متحرك مدى حياته، ولكنها لم تستسلم لذلك وتتركه بل ظلت تقضي وقتها في الاعتناء بنجلها المريض، والذي يبلغ من العمر 63 عاما الآن وما زالت الأم الحنونة تقدم له كافة سبل الرعاية والعطف، ولا تخجل من ظهوره أمام جمهورها العريق.
-كانت الفاجعة الثانية في حياة نهاد حداد الملقبة بـ"فيروز" في عام 1972، عندما أصيب حب عمرها وزوجها عاصي الرحباني بنزيف دماغي حاد، وأجريت له عملية جراحية ولم يقدر على العمل فقرر التوقف عن التلحين، ومكث في المستشفى لفترة طويلة، وكانت فيروز تستعد لبطولة مسرحية «المحطة» للأخوين رحباني، وحينها كتب لها منصور الرحباني كلمات أغنية «سألوني الناس» التي تعبر فيها عن غياب عاصي لتغنيها في المسرحية.
وأكمل زياد الرحباني المشوار بعد والده، ولحن أغنية (سألوني الناس) الشهيرة، و تأثرت فيروز بمرض زوجها وحزنت كثيرًا، فقد كانت المرة الأولى التي تعمل فيها بعيدًا عنه وتفترق عنه، وفي إحدى حفلاتها الغنائية عام 1973 وقفت فيروز على المسرح وغنت (سألوني الناس)، وعندما وصلت إلى مقطع (بيعز علي غنى يا حبيبي.. ولأول مرة ما بنكون سوا)، تأثرت بشدة ولاحظ مستمعيه الغصة التي تملكت صوتها.
- وفي عام 1972 وبعد شفاء عاصي الرحباني، انفصل عن جارة القمر، بسبب خلافات بينهما، لينزل الخبر على جمهورهما كالصاعقة، وتستمر فيروز المرأة القوية في رعاية أبنائها وتنظيم حفلاتها وعملها بكل إتقان، رغم مرارة ألم الطلاق مع حبيب عمرها.
- في أوائل الثمانينيّات دخل عاصي إلى المستشفى لمرّاتٍ عديدة كانت آخرها في العام 1986، بسب حدوث "نزيف بالدماغ" أفقدته قدرته عن الحركة ودخل في غيبوبة لمدة ستة أشهر، وكانت فيروز تزوره دائمًا وتعتني به وتقول {أنا هون يا عاصي لا تحمل هم شيء، أنا معك}، حتى توفى في نفس العام 1986.
-كانت المحطة الأكثر حزناً في حياة فيروز، عندما تلقت خبر وفاة ابنتها الشابة «ليال» والتي لم تتجاوز الـ 29 عاما، في 1988، والتي رحلت بسبب انفجار في المخ وتم تشخيصها بنفس المرض الذي توفى به والدها، وكانت هي الأكثر شبهاً لوالدتها والأكثر تعلقاً بها.
-كما كانت القطيعة الأسرية التي ظلت سنوات بين فيروز وابنها الملحن زياد الرحباني، بمثابة ألم نفسي كبير في حياتها، والتي عاشت فيها حتى تم الصلح بينهما، لتعود لها الحياة مرة أخرى، فلم يتبقى في أسرتها سوى أبنائها الثلاث زياد وهالي وريما.
-عاشت فيروز مع زوجها وأبنائها تجربة الأمومة بكل تفاصيلها، بما فيها الفرح والحزن والألم، وتمكنت من تجاوز هذه المحنة بفضل إيمانها القوي بالحياة.
-عبرت عن هذا الألم النفسي التي عاشته في العديد من أغانيها، والتي تحمل الكثير من الشجن والحنين، استطاعت فيروز أن تحقق نجاحًا باهرًا في عالم الفن، فقد قدمت لنا مجموعة كبيرة من الأغاني التي أصبحت جزءًا من ذاكرتنا، وأثبتت للعالم أن المرأة قادرة على تحقيق التوفيق بين دورها كأم ودورها كفنانة.