هل يعتقل نتنياهو في بريطانيا؟.. تحديات سياسية تواجه ستارمر
رأت مجلة "بولتيكو" الأوروبية أن أمر الاعتقال الصادر بحق رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، من قبل المحكمة الجنائية الدولية؛ أصبح يشكل تحديًا جديدًا لحكومة حزب العمال البريطانية بقيادة كير ستارمر، لأن هذا الأمر يضع الحكومة البريطانية في موقف حساس أمام انقسامات حادة في الرأي العام، ويزيد من تعقيد سياسات ستارمر المتعلقة بالشرق الأوسط.
وذكرت المجلة أنه عندما تولى ستارمر رئاسة حزب العمال خلال يوليو الماضي بعد فوز كاسح، كان يواجه ضغوطًا شديدة من مرشحين مستقلين موالين للقضية الفلسطينية، خاصةً في الانتخابات التي جرت في المملكة المتحدة.
وعقب فوزه، تخلت حكومته عن الاعتراضات التي كان قد تبناها سابقيه من حزب المحافظين تجاه تحرك المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل، كما تم اتخاذ خطوات ملموسة مثل حظر بعض صادرات الأسلحة إلى إسرائيل وإعادة تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهي الوكالة التي تعرضت لانتقادات واسعة من إسرائيل بعد الهجمات التي شنتها حماس في 7 أكتوبر.
ورغم هذه الخطوات، رأى بعض النقاد الموالين لفلسطين داخل حزب العمال أن هذه الإجراءات لا تعكس سوى حدود التأثير البريطاني على إسرائيل.
وفي المقابل، يشعر المؤيدون لإسرائيل داخل الحزب بالقلق من تراجع الدعم البريطاني في وقت حساس بالنسبة لإسرائيل.
وأثناء رد الحكومة البريطانية على أمر القبض، الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية أمس الخميس، أكد المتحدث باسم رئيس الوزراء أن المحكمة الجنائية الدولية هي "المؤسسة الدولية الرئيسية للتحقيق في الجرائم الأكثر خطورة ذات البُعد الدولي" وأوضح أن بريطانيا ستلتزم "بالتزاماتها القانونية". كما أكدت الحكومة أن تنفيذ أمر الاعتقال يتطلب موافقة محكمة بريطانية، وأنه سيكون على الشرطة تنفيذ الاعتقال في حال تم تأكيده.
وفي تصريح آخر، قالت وزيرة الداخلية يفيت كوبر، إن التحقيقات الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية نادرًا ما تكون قضية تخص النظام القانوني البريطاني. وأضافت أنه في حال حدث ذلك، يجب اتباع "الإجراءات السليمة".
وتتعقد الأمور بالنسبة لـ ستارمر مع استمرار انتقادات العديد من أعضائه في اليسار، الذين يرون أن موقفه لا يتجاوز "الحد الأدنى" فيما يتعلق بدعم قرارات المحكمة الجنائية الدولية. وكان من أبرز المنتقدين جيريمي كوربين، الزعيم السابق لحزب العمال، الذي دعى الحكومة إلى دعم قرار المحكمة الجنائية الدولية على الفور، متسائلًا عن موقف ستارمر: "هل هو مع إفلات إسرائيل من العقاب أم مع تطبيق القانون الدولي؟"
وفي ظل هذه الانقسامات، يعاني حزب العمال من تحديات داخلية وخارجية. فالانتخابات المحلية في يوليو الماضي أظهرت تزايد التأييد للمرشحين المستقلين الذين يعبرون عن دعمهم القوي للقضية الفلسطينية، حيث فقد الحزب خمسة مقاعد لصالح هؤلاء المرشحين. كما أن الدعم التقليدي للموقف المؤيد لإسرائيل داخل الحزب يواجه تراجعًا في ظل الضغوط السياسية المتزايدة.
وفي أحد أبرز القرارات التي اتخذتها حكومة ستارمر، تم تعليق 30 ترخيصًا لتصدير الأسلحة بين المملكة المتحدة وإسرائيل بسبب المخاوف من استخدامها في انتهاك للقانون الإنساني الدولي في غزة. ورغم أن المملكة المتحدة توفر أسلحة أقل مقارنة بالولايات المتحدة، إلا أن هذا القرار أحدث ردود فعل دبلوماسية سريعة، حيث اتهم نتنياهو بريطانيا بأنها "أرسلت رسالة سيئة إلى حماس" وأثارت القلق بشأن أمن إسرائيل.
ومن جهة أخرى، يتهم حزب المحافظين حكومة حزب العمال بالاستسلام للضغوط الانتخابية، حيث اتهم بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني السابق، الحزب بـ"التخلي عن إسرائيل" في ظل المواقف الجديدة لحكومة ستارمر.
ومع اقتراب الانتخابات المحلية، يواجه حزب العمال تحديات متزايدة، حيث تتزايد المطالب داخل الحزب بوقف بيع الأسلحة لإسرائيل. وقد وقّع أكثر من 100 عضو مجلس محلي مسلم من حزب العمال رسالة إلى ستارمر مطالبين بوقف كامل لصادرات الأسلحة إلى إسرائيل.
ويتوقع المحللون أن تكون الانتخابات المحلية المقبلة بمثابة "استفتاء" على سياسات الحكومة، حيث سيستخدم الناخبون هذه الفرصة للتعبير عن موقفهم من السياسة الخارجية البريطانية.
وخلصت المجلة بأن الوضع الراهن يعكس التحديات السياسية الكبرى التي يواجهها كير ستارمر وحزب العمال في سياق نزاع غزة. وبين الضغوط الداخلية والخارجية، سيستمر الحزب في السير على حبل مشدود، محاولًا موازنة العلاقات مع إسرائيل مع الحفاظ على قاعدة دعم واسعة تشمل الأقليات والمسلمين في بريطانيا.