رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


آخرها كنيسة النبطية الأثرية.. التراث الثقافي في لبنان وغزة تحت وطأة الهجمات الإسرائيلية

24-11-2024 | 19:43


المواقع التراثية المدمرة

إسلام علي

يعيش التراث اللبناني والفلسطيني في ظل الحرب الإسرائيلية أشد اللحظات مأساوية، فالقصف الإسرائيلي لم يكن ليستهدف فقط البنية التحتية والأحياء السكنية كما يذكر في تقاريره، بل يتجاوز ذلك ليمحو تاريخ الأمم الحالية والسابقة، فطالت يد المحتل التراث الثقافي والإنساني الذي يشهد على عراقة الحضارات التي تعاقبت على هذه الأرض.

واستهدف الطيران الحربي الإسرائيلي اليوم الأحد في احدث استهداف لكنيسة سيدة الانتقال في حارة المسيحيين بمدينة النبطية جنوب لبنان، وتحدث وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية إن غارة إسرائيلية على حي المسيحيين بالنبطية سببت أضرارا كبيرة بكنيسة سيدة الانتقال وبيت الرعية كنيسة سيدة الانتقال العجائبية تابعة للروم الملكيين الكاثوليك (إحدى الطوائف المسيحية) في النبطية، وعمرها مئات السنين، تم ترميمها بعد تعرضها للقصف الإسرائيلي في حرب يوليو عام 2006.

تدمير تراث مدينتي بعلبك وصور

صنفت مدينة بعلبك، ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1984، والتي تعتبر رمزًا للعمارة الرومانية في العالم، حيث تضم معابد باخوس وجوبيتر التي تمثل أوج الهندسة الرومانية، وباتت هذه الجواهر المعمارية تواجه خطرًا غير مسبوق؛ ففي غارة إسرائيلية بتاريخ 7 نوفمبر الماضي، دُمّرت أجزاء من المباني العثمانية القريبة من المعابد، وتساقطت حجارة من سور القلعة التاريخية، القريبة من تلك المعابد.

وفي السياق ذاته، تعرضت قبة دورس الأيوبية، التي بُنيت في القرن الثالث عشر باستخدام أعمدة رومانية، لأضرار بالغة جراء غارات إسرائيلية على مدخل بعلبك الجنوبي، وتعتبر هذه القبة جزءًا من التراث العالمي لليونسكو، لكنها لم تسلم من الانفجارات التي أدت إلى تدمير أعمدتها وتساقط أحجارها، كما استهدف القصف السور الروماني التراثي المحيط بثكنة "غورو"، مما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات.

وعلى جانب آخر، تعتبر مدينة صور، إحدى أقدم المدن في التاريخ، التي تشهد على مجد الحضارة الفينيقية، والتي يعود تاريخها إلى 2750 قبل الميلاد، لم تسلم بدورها من الاستهداف، معالمها الأثرية، مثل قوس هادريان وموقع منشية الأثري، تعرضت لأضرار كبيرة.

يعود بناء قوس هادريان إلى القرن الثاني الميلادي خلال فترة حكم الإمبراطور هادريان (117-138 م)، ويُعتقد أنه شُيّد لتكريم زيارة الإمبراطور للمدينة أو كجزء من المشاريع العمرانية التي دعمتها الإمبراطورية الرومانية.

 

 مدينتي بيروت والبقاع

لطالما كانت مدينة بيروت مركزًا للثقافة والفن، والتي تواجه في الوقت الحالي قصفًا متكررًا يستهدف معالمها الثقافية، بما في ذلك المتحف الوطني، الذي يضم آثارًا تمتد عبر تاريخ لبنان، أما البقاع، المليء بالمواقع الأثرية كمعابد بعلبك الشهيرة، فبات ساحة معركة تفقد فيها هذه الكنوز التاريخية قيمتها تحت ضربات القصف الإسرائيلية العشوائي.

لم تقتصر الخسائر على المعالم الكبرى، بل امتدت إلى البيوت التراثية التي تحمل ذاكرة الأجيال، مثل منزل شاهين في النبطية، الذي يزيد عمره عن 150 عامًا وكان مركزًا ثقافيًا بارزًا، تحول إلى ركام بفعل القصف، كما تعرضت كنيسة القديس جاورجيوس، التي خضعت لترميمات حديثة لتدمير كبير.

وشهد سوق النبطية، الذي يعود تاريخه إلى أكثر من أربعة قرون، دمارًا هائلًا إثر الغارات، فقد دمرت محال تاريخية وبيوت حجرية تقليدية تمثل جزءًا من ذاكرة المدينة.

تُظهر الانتهاكات الإسرائيلية بحث الآثار في الجانب اللبناني والفلسطيني تجاهلًا صارخًا لاتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة لعام 1954، ويبدو أن استهداف إسرائيل للمواقع التراثية يمثل محاولة لطمس الهوية الثقافية للبنان وفلسطين.

وكما نصت اتفاقية لاهاي " مع كل حجر يسقط، تُطوى صفحة من تاريخ البشرية جمعاء، لأن أي ضرر يلحق بالممتلكات الثقافية هو خسارة للتراث الإنساني العالمي".

هذا، ولم تكن هذه هي المرة الأولى الذي يتعرض فيه التراث الثقافي في لبنان للضربات الإسرائيلية، ففي حرب 2006 الماضية، دمرت قلعة شقيف، والتي تعد من أبرز القلاع التاريخية في جنوب لبنان، يعود تاريخها إلى العصور الوسطى، تعرضت القلعة لأضرار كبيرة بسبب القصف الإسرائيلي الذي استهدف المنطقة المحيطة بها.

وبالإضافة إلى، قصر بيت الدين، والقرى التراثية الجنوبية ذات الطابع الأثري، مثل بنت جبيل والنبطية، لدمار واسع، وشملت الأضرار المباني التقليدية والأسواق التاريخية، وجسر القعقعية الذي يعود إلى العهد العثماني، تعرض للتدمير نتيجة القصف الإسرائيلي.

 

التراث الثقافي في غزة 

تعرّض التراث الثقافي والتاريخي في غزة لأضرار جسيمة، كمثيله في لبنان، نتيجة الهجمات الإسرائيلية المستمرة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، ما تسبب في دمار واسع طال العديد من المواقع الأثرية والمباني التاريخية التي تعد شاهدة على حضارات متعددة، وهذه الأعمال لا تمثل خسارة مادية فقط، بل هي تهديد مباشر لمحو هوية أهل غزة الثقافية والتاريخية التي تجسدت عبر العصور.

دمرت طائرات الاحتلال الحربية في أحدث استهداف لها للتراث الثقافي والمادي بغزة، مسجد الفاروق في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، فقد دمر جيش الاحتلال الإسرائيلي 206 مواقع أثرية وتاريخية من أصل 325 موقعًا مسجلًا في قطاع غزة.

وشملت الأضرار تدميرًا كليًا أو جزئيًا لمبانٍ أثرية، مساجد، كنائس، ومدارس تاريخية، ما أدى إلى طمس معالم أثرية مميزة عاشت عبر العصور.

وعلى الجانب الآخر، تعد البلدة القديمة واحدة من أبرز المواقع التي تعرضت للدمار، حيث يعود تاريخها إلى الحضارة الفينيقية حوالي 1500 عام قبل الميلاد، وشمل الدمار الأسوار، البوابات، والمباني الأثرية، التي كانت شاهدة على تعاقب الحضارات من الإغريق والرومان وصولًا إلى الحقبة الإسلامية.

 

دمار المساجد التاريخية والكنائس في القطاع

ويعد من أهم هذه الآثار المسجد العمري الكبير والذي يعود تاريخيه إلى القرن الثاني عشر الميلادي، وكان من أهم المساجد في فلسطين، لكنه تعرض للدمار الشامل.

وفي السياق ذاته، يعود مسجد السيد هاشم للعصر العثماني، ويضم قبر السيد هاشم بن عبد مناف، الجد الأكبر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد دُمّر بالكامل في ديسمبر الماضي لعام 2023.

هذا وبالإضافة إلى مسجد عثمان قشقار، والذي يعد أحد أقدم المساجد في غزة، ويعود تأسيسه إلى القرن السابع الهجري، ولم يسلم من الهجمات.

وعلى الجانب الآخر، وعلى رأس الآثار المسيحية التي دمرت في غزة، كانت كنيسة القديس بورفيريوس، والتي تعد واحدة من أقدم الكنائس في العالم، وتعود إلى القرن الخامس الميلادي، وتضررت نتيجة القصف الإسرائيلي الذي أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، ما أثار غضبًا دوليًا بشأن استهداف أماكن العبادة.

يجري حاليا توثيق الدمار باستخدام صور الأقمار الصناعية والتقارير المصوّرة التي أظهرت الانهيارات السريعة للمساجد، مثل مسجد خالد بن الوليد ومسجد خليل الرحمن.

وفي الأخير، يعتبر استهداف المباني الدينية والأثرية جريمة حرب وفقًا للقانون الإنساني الدولي، إلا أن إسرائيل بررت الهجمات باستخدام هذه المواقع لأغراض عسكرية من قبل حزب الله وحماس.