الاتحاد الأوروبي يركز على سياسة الصين: بروكسل تحضر أداة لمكافحة السعة الإنتاجية الزائدة
في خطوة تعكس التوجهات المستقبلية للاتحاد الأوروبي تجاه الصين، وافق مشرعو الاتحاد الأوروبي بصعوبة على فريق الرئيسة المنتخبة للمفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، لفترتها الثانية في المنصب، لكن حدثًا غامضًا في بروكسل الأسبوع الماضي قدّم إشارات أوضح حول خططها المتعلقة بالسياسة الصينية على مدى السنوات الخمس القادمة.
وذكرت صحيفة "سوث تشينا مورننج بوست" الصينية، أن في قاعة محاضرات مخصصة داخل مبنى "شارلمان" في المفوضية الأوروبية، اجتمع الخبراء والمختصون، يوم الجمعة الماضي، في "المنتدى رفيع المستوى حول السعة الإنتاجية الزائدة غير السوقية"، الذي تم تنظيمه بناءً على دعوة شخصية من فون دير لاين. ورغم العنوان الطويل والمعقد للمنتدى، فإن المقصود بالحديث كان الصين، الدولة التي تُعتبر أحد أبرز اللاعبين في أزمة السعة الإنتاجية الزائدة.
وخلال المنتدى، تمت مناقشة تأثيرات السعة الإنتاجية الزائدة في العديد من الصناعات الصينية مثل الصلب، والطاقة الشمسية، والسيارات، والصناعات الثقيلة.
وقد وصف رئيس التجارة السابق في الاتحاد الأوروبي فالديش دومبروفسكيس، هذه القضية بأنها "تهديد كبير" للقطاعات الصناعية في أوروبا والعالم، معتبرًا أن هذه السعة الإنتاجية الزائدة تؤثر سلبًا على الشركات الأوروبية التي تواجه منافسة شديدة من المنتجات الصينية المدعومة حكوميًا.
ومن المثير أن المنتدى لم يقتصر على مجرد النقاش، بل تم استعراض أفكار لحلول عملية لمواجهة هذه المشكلة.
وعلى الرغم من أن النقاشات كانت في مراحلها الأولى، فقد تبلور هدف رئيسي من هذا الحدث: الاتحاد الأوروبي يعتزم استخدام أدوات جديدة لمكافحة تدفق المنتجات الصينية الرخيصة إلى الأسواق الأوروبية.
وأشار أحد المتحدثين إلى أن فون دير لاين قد أوضحت بجلاء أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى "أدوات أقوى لمكافحة السعة الإنتاجية الزائدة".
وأضاف: "لقد حان الوقت لوقف السماح للآخرين بغمر أسواقنا بينما نترك الباب مفتوحًا". ويبدو أن بروكسل تتجه نحو تطوير "أداة السعة الإنتاجية الزائدة" التي يمكن أن تمثل سلاحًا جديدًا لمكافحة تدفق المنتجات الصينية.
من جانبه، تناول تقرير حديث نشره معهد "ميركاتور" لدراسات الصين، تأثير السعة الإنتاجية الزائدة على التجارة العالمية، مشيرًا إلى أن أكثر من 50 حكومة حول العالم قد بدأت في اتخاذ تدابير لحماية أسواقها من تدفق صادرات الصين في السنوات الأخيرة.
وفيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، أصبحت قضية السعة الإنتاجية الزائدة من الصين قضية حساسة بشكل متزايد. فمنذ انتخاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ازدادت صادرات الصين إلى أوروبا بشكل ملحوظ، بينما تراجعت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الصين.
وفقًا للبيانات الصينية، زادت صادرات الصين إلى أوروبا بنسبة 85.5% في الفترة ما بين عامي 2016 و2024، في حين زادت واردات الصين من أوروبا بنسبة 45.7%.
وهذا التحول في الديناميكيات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والصين يعود إلى السياسات الاقتصادية الصينية، التي تشمل دعم الحكومة الصينية لصناعاتها. وهذه السياسات أدت إلى تدفق استثمارات كبيرة في قطاعات صناعية مثل الصلب والكيماويات والأسمنت والطاقة المتجددة، مما أدى إلى زيادة الإنتاج في هذه المجالات.
ومع تراجع الطلب المحلي في الصين، أصبح من المتوقع أن تذهب هذه السلع إلى الأسواق الخارجية، بما في ذلك أوروبا.
ويخشى الاتحاد الأوروبي أن تؤدي هذه التدفقات الزائدة من المنتجات الصينية إلى إغراق الأسواق الأوروبية وتدمير بعض الصناعات المحلية، خصوصًا في القطاعات التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة مثل أشباه الموصلات.
كما يعتقد بعض المسؤولين الأوروبيين أن الصين قد تقوم عمداً بزيادة طاقتها الإنتاجية في بعض الصناعات بهدف خلق اعتمادية في المستقبل يمكن استخدامها كأداة ضغط سياسي.
وفي هذا السياق، تشير التوقعات إلى أن الاتحاد الأوروبي قد يكون بصدد تطوير أداة جديدة للتعامل مع هذه القضية. وقد أُثيرت هذه الفكرة في عدة مناقشات داخل بروكسل، حيث أكد دبلوماسيون ومسؤولون داخليون، أن هناك بالفعل محادثات جارية حول سبل استخدام هذه الأداة الجديدة ضد "التأثير الزائد" للصين في السوق الأوروبية.
وفي ختام المنتدى.. أكد العديد من المسؤولين أن الاتحاد الأوروبي ليس وحيدًا في قلقه تجاه هذه القضية، حيث أعربت مجموعة الدول السبع الكبرى عن قلقها من السياسات الاقتصادية غير السوقية التي تتبعها الصين.