يشهد اقتصاد سويسرا حاليًا تحولا ملفتا، حيث باتت عائدات تصدير الأدوية ضمن دعائمه المهمة، إلى جوار قطاعات تقليدية مثل صادرات الشوكولاتة والساعات الفاخرة، وفق تقرير وكالة "بلومبرج الأمريكية" الذي رصد ذلك.
وتنافس صناعة الأدوية الآن في دعم القطاع المالي السويسري؛ حيث تسهم بحوالي 6.3% من الناتج المحلي الإجمالي في سويسرا، وتمثل هذه النسبة ضعف مساهمتها قبل ثلاثين عاما، وهي أكبر من ثلث مساهمة القطاع الصناعي التي تتراجع تدريجيًا.
وأصبحت شركات الأدوية الكبرى، مثل "روش" و"نوفارتيس"، محركات رئيسية للنمو الاقتصادي، ما يعزز موقعها في الهيكل الاقتصادي للبلاد.
ويبدو أن هذا التحول ساعد البنك الوطني السويسري في تبني نهج أكثر تسامحا مع قوة الفرنك السويسري، الذي يحافظ على مكانته كملاذ آمن، مع استمرار الطلب عليه في ظل تصاعد الاضطرابات الجيوسياسية.
ووصل الفرنك السويسري خلال العام الماضي إلى أعلى مستوى له منذ أوائل عام 2015 مقابل الدولار واليورو.
وعلى الرغم من أن البنك الوطني السويسري خفض سعر الفائدة إلى 1%، ومن المتوقع أن يواصل خفضه في ديسمبر المقبل، فإن وتيرة التخفيض ظلت تدريجية بواقع 25 نقطة أساس لكل ربع سنة، بخلاف التحركات الأكثر دراماتيكية في دول مثل الولايات المتحدة ونيوزيلندا، كما حافظ البنك على تدخل محدود في أسواق الصرف الأجنبي.
ويكشف هذا التحول في الاقتصاد السويسري أن الأمر لا يتعلق فقط بتوسع قطاع الأدوية، ولكنه يشير أيضا إلى التحديات التي تواجهها الصناعات الأخرى؛ خاصة تلك التي تعتمد بشكل كبير على أسعار الصرف مثل الصناعات في ألمانيا المجاورة.
وفي هذا السياق، قال ألكسندر كوتش، الاقتصادي في "رايفايزن" في زيورخ، إن قوة قطاع الأدوية تخفي ضعف الصناعات الأخرى التي تتأثر بشكل أكبر بالأسعار وسعر الصرف"، مضيفًا: "هناك تحول هيكلي سريع بعيدًا عن الإنتاج الصناعي في سويسرا".
وأصبحت شركات الأدوية السويسرية بالفعل ركيزة هامة للنمو؛ حيث أشار وزير الاقتصاد السويسري غي بارميلين، العام الماضي إلى أن الصناعة كانت أحد الأسباب الرئيسية لانكماش الاقتصاد بمعدل أقل مقارنة باقتصادات أخرى بعد أزمات مثل أزمة 2008 وكوفيد-19.
وشهد قطاع الأدوية دفعة ملحوظة في عام 2015 عندما قرر البنك الوطني السويسري التخلي عن الحد الأقصى لسعر الفرنك، رغم أنه أثر سلبا على بعض المصدرين الذين تعتمد مبيعاتهم الخارجية بشكل كبير على الأسعار، فمنذ ذلك الحين، استمر البنك المركزي في تبني سياسة صارمة للحد من تدفقات الأموال، حيث خفض معدلات الفائدة إلى ما دون الصفر أكثر من أي بنك مركزي آخر قبل أن يبدأ التضخم في الظهور.
وتسعى سويسرا للاستفادة من قطاع الأدوية المزدهر كعنصر رئيسي في مواجهة تحديات الاقتصاد العالمي، على الرغم من استمرار المخاطر التي قد تواجهها مثل السياسات الأمريكية المتعلقة بتسعير الأدوية، والتي يمكن أن تؤثر على السوق بشكل كبير.