رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ابن الجزري.. «إمام علم القراءات»

2-12-2024 | 07:42


ابن الجزري

همت مصطفى

هو مجدد ومحقق علم القراءات، للقرآن الكريم ورائد نهضة علومها في زمانه ومن بعده،  كما يعرف أنه سند المقرئين، وشيخ شيوخ الإقراء، وعمدة أهل الأداء، وصاحب التصانيف التي لم يسبق مثلها، ولم ينسج على منوالها، بلغ الذروة في علوم التجويد وفنون القراءات، حتى صار فيها الإمام الذي لا يدرك، ولا يشق غبار، إنه  شيخُ القرَّاء  وإمام علم القراءات  الإمام «ابن الجَزَرِيِّ» . 
اسمه ومولده

 وُلد  «ابن الجَزَرِيِّ»  في دِمشق في ليلةِ السبت الخامس والعشرين من شهرِ رمضان سنة 751هــ، الموافق 30 نوفمبر 1350 م،  وهو محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجزري الدمشقي العمري الشيرازي الشافعي، وكنيته أبو الخير، والشهير بـ  «ابن الجَزَرِيِّ» نسبة إلى جزيرة ابن عمر؛ وتسمَّى جزيرة "بُوْطَان»  حاليًّا، وتقع في منطقة جنوب شرق الأناضول بتركيا، قربَ حدود العراق وسوريا ، ونسب إلى الجزري كما أتى في المنح الفكرية للشيخ ملا علي القاري، نسبة إلى جزيرة ابن عمر شمال سوريا.

قصة ولادته

ولد «ابن الجَزَرِيِّ»  داخل خط القصاعين بين السورين بدمشق الشام كان أبوه تاجرًا ومكث أربعين سنة لم يرزق ولداً، وفي أثناءِ حجَّته شرب مِن ماء زمزم بنيَّة أن يُرزَق ولدًا صالحًا عالمًا، ثم رجع  الأب إلى الشام،  فما أن جاء رمضان إلاَّ وقد وُلد ابنُه محمد بعد صلاة التراويح.

نشأ «ابن الجَزَرِيِّ» في دمشق الشام، وفيها حفظ القرآن  الكريم وأكمله وهو ابن ثلاثة عشر عامًا وصلى به وهو ابن أربعة عشر،  كان صاحب ثراء ومال، وبياض وحمرة، فصيحاً بليغا اتجهت نفسه إلى علوم القراءات فتلقاها عن جهابذة عصره، من علماء الشام ومصر والحجاز إفرادًا وجمعا بمضمن كتب كثيرة، كالشاطبية والتيسير والكافي والعنوان والإعلان والمستنير والتذكرة والتجريد وغيرها من أمهات الكتب وأصول المراجع،  وأفرد «ابن الجَزَرِيِّ» القراءات وعمره خمس عشرة سنة، وجمعَها وهو ابن سبعة عشر عامًا.

طلبه للعلم وشيوخه الكبار

رحل «ابن الجَزَرِيِّ»  إلى بلدان كثيرة لتعلم القراءات وتعليمها والتقَى بالأئمَّة القرَّاء، وسمع الحديثَ، وأخذ الفقهَ، وأجازَه بالإفتاء أبو الفداء إسماعيل بن كثير وغيرُه، ورحلَ إلى مصر تكرارًا، وحج مرارا ورحل إلى البصرة وبلاد ما وراء النهر وسمرقند وخراسان وأصفهان وشيراز، وبعد أن أخذ ما عند علماء بلده من العلم، بدأ يطوف البلدان بهمة لا تعرف الملل ولا الكلل، وكان لا يجد أنسه وراحته إلا في الازدياد من الشيوخ، واكتساب ما عندهم من العلم، فرحل للحجاز وله من العمر سبع عشرة سنة.

وتلقى  الإمام «ابن الجَزَرِيِّ» علم القراءات على عدد من أكابر علماء الشام آنذاك، منهم: من دمشق الشيخ  أبو محمد عبد الوهاب بن يوسف السلار، والشيخ أحمد بن إبراهيم بن الطحان، والشيخ أحمد بن رجب بن الحسن في سنة (766هـ و767هـ)، والشيخ إبراهيم الحموي، والشيخ أبو المعالي محمد بن أحمد اللبان. في سنة (768هـ)، أبو يوسف أحمد بن الحسين الكفري الحنفي، وأبو الفداء إسماعيل بن كثير صاحب التفسير المعروف، وهو أول من أجاز له بالإفتاء والتدريس سنة 774 هـ.
شيوخه في مصر والمدينة  المنورة

 قرأ «ابن الجَزَرِيِّ» في المدينة المنورة على إمام المدينة وخطيبها الشيخ أبي عبد الله محمد بن صالح بن إسماعيل الخطيب الأنصاري،الإمام ومعلم في الحرم المدني، في شهر ذي القعدة سنة (768هـ) بين الروضة والمنبر.

ثم رحل «ابن الجَزَرِيِّ»  إلى مصر ثلاث رحلات، وذلك في سنة (769هـ و771هـ و778هـ) فالتقى فيها بكبار علماء القراءات،  وتتلمذ على أيديهم كأبي بكر عبد الله بن الجندي، وأبي عبد الله محمد بن الصائغ، وأبي محمد عبد الرحمن بن أحمد بن علي ابن البغدادي، كما سمع الحديث على بعض العلماء، وأخذ الفقه عن الإسنوي وغيره، وقرأ الأصول والمعاني والبيان على ضياء الدين سعد الله القزويني، ورحل إلى الإسكندرية فقرأ القراءات وسمع الحديث على بعض شيوخها، وأجازه وأذن له بالإفتاء شيخ الإسلام ابن كثير سنة (774هـ)،  الشيخ  عبد الوهاب القروي، وأذن له بالإفتاء سنة 778 هـ، صلاح الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الله المقدسي الحنبلي، والشيخ ضياء الدين سنة (778هـ)، وشيخ الإسلام البلقيني سنة (785هـ).

 وتأثر«ابن الجَزَرِيِّ» كثيـرا بأغلب شيوخ القراءات غير أن تأثره بالإمامين أبي عمرو الداني والشاطبي كان أكثر ولذا فقد عمل على أن تكون جهوده في إتمام وإكمال أعمالهما، و كل من جاء بعد ابن الجزري من أصحاب القراءات كانوا متأثرين به آراء ومنهجا وكيف لا؟ ومعظم أسانيد القراءات لا تعلو ـ من بعده ـ إلا إذا أسندت من طريقه.
ومن خلال ترجمة «ابن الجَزَرِيِّ»  لأبنائه أنه رحل بهم أكثر من مرة ليقرؤوا على علماء القراءات، وليدركوا من بقي من مشايخها المسندين الكبار، وينالوا بركة مجالس العلم المحفوفة بالملائكة.

وترجم في كتابه غاية النهاية أربعة من أولاده: «ابنه أحمد أبو بكر، وابنه محمد أبو الفتح، وابنه محمد أبو الخير، وابنته سلمى أم الخير»التي قال ابن الجزري في ترجمتها:« ابنتي نفع الله تعالى بها ووفقها لما فيه صلاحها دنيا وأخرى، .. حفظت مقدمة التجويد وعرضتها ومقدمة النحو ثم حفظت طيبة النشر الألفية وحفظت القرآن وعرضته حفظا بالقراءات العشر وأكملته في الثاني عشر من ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة قراءة صحيحة مجودة مشتملة على جميع وجوه القراءات بحيث وصلت في الاستحضار إلى غاية لا يشاركها أحد في وقتها وتعلمت العروض والعربية وكتبت الخط الجيد ونظمت بالعربي والفارسي هذا وهي في ازدياد إن شاء الله تعالى وقرأت بنفسها الحديث وسمعت مني وعليّ كثيرا بحيث صار لها فيه أهلية وافرة فالله يسعدها ويوفقها للخير في الدنيا والآخرة».

مؤلفاته ووظائفه
 بنى «ابن الجَزَرِيِّ»  بدمشق مدرسة، سمَّاها «دار القرآن»، وأخرى أنشأها بمدينة شيراز، و تصدى للإقراء تحت قبة النسر من جامع ابن أمية سنين، و ولي مشيخة الإقراء الكبرى، بتربة أم الصالح بعد شيخه ابن السَّلار،  ولي مشيخة الإقراء بالعادلية،  ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية،  ولي تدريس الصلاحية القدسية،  ولي قضاء شيراز وممالكها وما أضيف إليها على كُرْه ٍمنه وبقي على ذلك مدة طويلة.

مؤلفات «ابن الجَزَرِيِّ»

كان  الإمام «ابن الجَزَرِيِّ» غزير الإنتاج في ميدان التأليف، في أكثر من علم من العلوم الإسلامية، وإن كان علم القراءات  هو العلم الذي اشتهر به، وغلب عليه. ويعكس تنوع موضوعات مؤلفاته تنوع عناصر ثقافته، إلى جانب كتب القراءات وعلوم القرآن، كتباً في الحديث ومصطلحه، والفقه وأصوله، والتأريخ والمناقب، وعلوم العربية، وغير ذلك، تجاوز عدد مصنفاته التسعين كتاباً، وأقبل على مؤلفات «ابن الجَزَرِيِّ» العلماء وتناقلوها بين البلدان، حيث تظهر قيمة مؤلفاته في قيمة موارده وكثرتها وتنوعها ودقة التوثيق  ومن مؤلفاته:

  • النشر في القراءات العشر، مطبوع في مجلدين،  تقريب النشر، مطبوع في مجلد،  تحبير التيسير، مطبوع في مجلد - طيبة النشر في القراءات العشر، منظومة ألفية، مطبوعة ومتداولة.
  •  الدرة المضية في القراءات الثلاث، منظومة في 241 بيتًا، مطبوعة ومتداولة.
  • منجد المقرئين، رسالة تتعلق بأقسام القراءات وبيان تواترها وطبقات القراء، مهمة للغاية، طبعت بتحقيق د. عبد الحي الفرماوي، وقد كانت مطبوعة قبل ذلك بدون تحقيق.
  •   «متن الجزرية» المقدمة فيما على القارئ أن يعلمه، أشهر منظومة في التجويد، مطبوعة متداولة، وعليها شروح عديدة، من أشهرها: شرح ملا علي القارئ، وشرح شيخ الإسلام زكريا الأنصاري.
  • غاية النهاية في طبقات القراء، أوسع كتاب في طبقات القراء، مطبوع في مجلدين.
  • التمهيد في علم التجويد، مطبوع بتحقيق دكتور  علي البواب، وبتحقيق د. غانم قدوري الحمد، وهو أول تأليف لابن الجزري.
  •  الاهتداء في معرفة الوقف والابتداء وغيرها من الكتب الكثيرة المفيدة.

رحيل وأثر باق
ورحل  الإمام«ابن الجَزَرِيِّ» عن عالمنا  ضحوة الجمعة 5 من ربيع الأول سنة (833هـ)،  بمنزله بسوق الإسكافيين  بمدينة  شيراز،  عن عمر يناهز 82 سنة،  ودفن بمدرسته «دار القرآن»  التي أنشأها هناك ، بعد حياة خصبة مباركة،  وأثر كبير لعالم جليل في صفحات التاريخ الإسلامي.