في ذكرى رحيل ألكسندر دوماس.. محطات بحياة صاحب «الكونت دي مونت كريستو»
تحل اليوم ذكرى رحيل الأديب الفرنسي ألكسندر دوماس أحد أكثر المؤلفين الفرنسيين شهرة، والتي ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات.
تميزت أعمال الكاتب الروائية بحس المغامرة ونشرت في صورة سلسلات أدبية في بدايتها، والتي جاء أشهرها الكونت دي مونت كريستو، والفرسان الثلاثة، وجسدت رواياته في 200 فيلم تقريبًا منذ أوائل القرن العشرين.
وتنوعت تصنيفات أعمال ألكسندر دوماس الأدبية، فكتب للمسرح الذي حقق من خلاله نجاحات كبيرة، إلى أن أسس المسرح التاريخي في باريس خلال أربعينيات القرن التاسع عشر كما كتب العديد من المقالات التي تم نشرها في المجلات وكتب السفر.
يقع مسقط رأس توماس ألكسندر دوما "الأب" في المستعمرة الفرنسية سان دومينيك، وهو ابن مُختلِط الأعراق لألكسندر أنطوان ديفي دي لا باليتيري وهو ماركيز من النبلاء الفرنسيين ومُفوض عام في مدفعية المستعمرة، ووالدته ماري سيسيت دوما كانت من الرقيق وتنحدر جذورها من أفارقة منطقة البحر الكاريبي، عند ولادة توماس ألكسندر دوما، كان والده يعاني من ضيق مادي.
غادر الأب في صِباه إلى فرنسا مع والده وتلقى هناك تعليمه في المدرسة العسكرية وانضم إلى الجيش عندما كان شابا. اتخذ توماس ألكسندر لقب والدته (دوما) بعدما انقطعت علاقته بوالده. تمت ترقيته إلى رتبة جنرال في سن 31 عامًا، وهو أول شخص تنحدر أصوله من أفارقة الأنتيل ويصل إلى تلك الرتبة في الجيش الفرنسي.
خدم بتميز في حروب الثورة الفرنسية، وكذلك كجنرال عام في جيش البرانس وكان أول رجل أسمر البشرة يعتلي ذلك المنصب. فقد توماس ألكسندر دوما الدعم الذي كان يتلقاه بحلول العام 1800 وطالب بالعودة إلى فرنسا على الرغم من كونه جنرال تحت قيادة بونابارت في إطار الحملات على إيطاليا ومصر، وعند رجوعه، أُجبرت سفينته على أن ترسو في تارانتو، مملكة نابولي، حيث تم احتجازه هو وغيره كأسرى حرب.
تُوفي توماس ألكسندر دوما "الأب" متأثرًا بمرض السرطان في سنة 1806 عندما كان ألكسندر دوما "الابن" في الرابعة من عمره. لم تتمكن والدته الأرملة ماري لويز من تحمل نفقات إعالة وتعليم ابنها، إلا أن ألكسندر دوما "الابن" عكف على قراءة كل ما يقع بين يديه وعلّم نفسه اللغة الإسبانية، حظت الأسرة بسمعة الوالد المتميزة ورتبته الأرستقراطية بالرغم من حالتهم المادية الصعبة مما ساهم في تقدم ألكسندر دوما في حياته.
انتقل ألكسندر دوما ذو العشرين عاما إلى باريس في 1822 بعد استعادة الملكية، وشغل هناك منصبًا في القصر الملكي.
في أثناء عمله بدأ دوما بكتابة مسرحيات ومقالات للمجلات، وعند بلوغه سن الرشد اتخذ لقب جدته "دوما" التي كانت من الرقيق سائرا على خطى والده من قبله.
وأنتج أول مسرحياته بعنوان هنري الثالث وبلاطه سنة 1829 عندما كان يبلغ من العمر 27 عاما ولاقت الكثير من الاستحسان، وفي العام التالي حظت مسرحيته الثانية بعنوان "كريستين" على نفس القدر من الشعبية، ووفرت له تلك النجاحات الدخل الكافي للكتابة بدوام كامل.
وفي عام 1830 شارك دوما في ثورة يوليو التي أطاحت بـ "شارل العاشر" وتم فيها تعيين رب عمل دوما السابق دوق أورليان بدلا منه على العرش حيث حكم تحت لقب لويس فيليب الملقب بالملك المواطن، وكانت الحياة مضطربة في فرنسا حتى منتصف ثلاثينيات القرن التاسع عشر، حيث انتشرت أعمال شغب متفرقة ما بين استياء الجمهوريين وسخط العمال في المناطق الحضرية الفقيرة سعيا وراء التغيير.
عادت الحياة إلى طبيعتها ببطء وبدأت الأمة بالعمل في مجالات التصنيع أثناء ذلك. مع تحسن الاقتصاد ونهاية الرقابة على الصحافة، كانت الفرصة مواتية لبزوغ مهارات ألكسندر دوما الأدبية.
تحول دوما إلى تأليف الروايات بعد كتابته العديد من المسرحيات الناجحة، وعلى الرغم من انجذابه لأسلوب حياة البذخ وإنفاقه مرارًا لأكثر مما كان يكسبه، أثبت دوما براعته في التسويق. تم نشر الكثير من رواياته المسلسلة في الصحف، وفي سنة 1838 أعاد دوما كتابة إحدى مسرحياته كأول سلسلة روائية له تحت عنوان "الكابتن بول" وأسس استوديو إنتاج كما قام بتوظيف مؤلفين لكتابة مئات القصص، تحت توجيهاته الشخصية من تحرير وإضافات.
وفي الفترة (1839-1841) وبمساعدة العديد من أصدقائه، جمع دوما مقالات مكونة من 8 مجلدات تحت عنوان "أشهر الجرائم" حيث تتناول المقالات أشهر المجرمين والجرائم في التاريخ الأوروبي.
كتب دوما مع معلمه في المبارزة رواية "سيد المبارزة" في العام 1840، وتمت كتابة قصة المعلم جريسير كسرد لسيرته وكيف تسنى له أن يشهد على أحداث ثورة الديسمبريين في روسيا نهاية المطاف تم منع الرواية في روسيا بأمر من القيصر نيكولاي الأول، كما تم منع دوما من دخول البلاد إلى حين وفاة القيصر، وقد أشار دوما إلى جريسير في كتابيه "الكونت دي مونت كريستو" و"الإخوة الكورسيكيون" وفي مذكراته.
تعاون دوما مع العديد من المساعدين واعتمد عليهم وكان أشهرهم الكاتب الفرنسي أوغست ماكيه، ولم يكن دوره مفهومًا تمامًا حتى أواخر القرن العشرين.
حققت روايات دوما شعبية هائلة فسرعان ما تُرجمت إلى الإنجليزية ولغات أخرى، كما نال من كتاباته قدرًا كبيرًا من المال، لكنه كان مفلسًا في كثير من الأحيان حيث كان يُسرف ببذخ على النساء ونمط المعيشة المُترفة. في العام 1846 قام ببناء منزل ريفي كبير خارج باريس في ميناء مارلي تحت اسم قصر دي مونت كريستو، مع مبنى إضافي بمثابة استوديو للكتابة. كثيرًا ما كان يستقبل الغرباء والمعارف للإقامة معه في زيارات تمتد لفترات طويلة مستغلين بذلك كرمه. اضطر بعد ذلك بعامين لبيع العقار بالكامل حيث واجه صعوبات مادية.
تُوفي ألكسندر دوما في ديسمبر 1870 ودُفن بمسقط رأسه في فيلير كوتيري في مقاطعة أن، غطت الحرب الفرنسية البروسية وما تلاها من أحداث على خبر وفاته، وأدى التغير في التوجهات الأدبية إلى انخفاض شعبيته، وفي أواخر القرن العشرين، أجرى باحثون مثل ريجينالد هامل وكلود شوب دراسات أسفرت عن إعادة تقييم أعماله الأدبية وتقديرها من جديد، فضلا عن العثور على أعماله المفقودة.
في عام 1970، تم إطلاق محطة ألكسندر دوما على مترو باريس تيمنًا باسمه وتكريمًا له، كما تم ترميم منزله الريفي خارج باريس، قصر دي مونت كريستو، وافتتح كمتحف للجمهور.
استمر الباحثون في إيجاد أعمال دوما المفقودة في أرشيف السجلات، بما في ذلك مسرحية بخمسة مشاهد تحت عنوان لصوص الذهب، والتي عثر عليها الباحث ريجينالد هامل عام 2002 في مكتبة فرنسا الوطنية، ونُشر العمل في فرنسا عام 2004.
تم الاحتفال بالذكرى المئوية الثانية لميلاد دوما سنة 2002، كما أقام الرئيس الفرنسي جاك شيراك حفل تكريم للكاتب وتم نقل رفاته إلى ضريح مقبرة العظماء في باريس، حيث دُفن العديد من الأعلام الفرنسيين.
ضمت أعماله الأدبية رواية "تاريخ مسيحي"، و"قانون كورنثوس"؛ وهي حكاية عن اليونان وروما والإمبراطور نيرو ومطلع المسيحي، أيضًا "اليهودي التائه" وهو عمل غير مكتمل، و"مغامرات".
كتب ألكسندر دوما العديد من القصص والسجلات التاريخية التي تتميز بالحس العالي للمغامرة، منها "الكابتن بول أول رواياته المسلسلة، و"أوثو رامي السهام"، و"الكابتن بامفيل"، و"سيد المبارزة"، و"قلعة إبستين"؛ و"الأم الشبح"، و"أماوري"، و"الإخوة الكورسيكيونذ"، و"الزنبقة السوداء"، و"أولامب دو كليف"، و"كاثرين بلوم"، و"موهيكان باريس ".
وكتب ضمن الروايات الخيالية "كسّارة البندق" والتي حولها الملحن الروسي بيتر إليتش تشايكوفسكي لاحقا بتحويلها إلى مقطوعة موسيقية رائعة للباليه تحت نفس العنوان "كسارة البندق"، أيضًا رواية "السيدة الشاحبة"، ورواية "زعيم الذئاب".