لأكثر من سبب انتظر صدور كتاب الدكتور فاروق العقدة محافظ البنك المركزى المصرى لثماني سنوات ورفض عرض محمد مرسى للاستمرار فى منصبه بالمخالفة للقانون، وهو الكتاب الذى يسجل تجربته فى إصلاح الجهاز المصرفى المصرى وإدارة السياسة النقدية للبلاد وسعر الصرف.
وأول هذه الأسباب أن الدكتور فاروق حقق خلال هذه السنوات نجاحا كبيرا شهدت وأشادت به المؤسسات الدولية .. فهو أنقذ البلاد من أزمة النقد الأجنبى المزمنة، واستقر سعر صرف الجنيه طوال هذه السنوات، وهو ما حمى المواطنين من التضخم والغلاء الذى اندلع مجددا بعد أن ترك منصبه فى رئاسة البنك المركزى .. وكون احتياطيات من النقد الأجنبى تزايدت عاما بعد آخر حتى صارت تغطى احتياجاتنا من الخارج لأكثر من ستة أشهر.
كما أنه نجح فى إصلاح الجهاز المصرفى المصرى الذى صار قادرًا على مجابهة الأزمات العالمية مثلما حدث فى الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التى أسقطت عددا من البنوك الأمريكية الكبيرة اضطر الرئيس الأمريكى الأسبق أوباما إلى ضخ أموال لها لينقذها من الانهيار.
أما السبب الآخر والأهم لانتظارى هذا الكتاب وترقبه فهو أنه يحوى العديد من الأسرار والحكاوى المهمة التى أتاحت صداقتنا بالدكتور العقدة أن أعرف بعضا منها، خاصة تلك التى كانت تتعلق بإصراره على المحافظة على استقلال البنك المركزى المصرى الذى يكفله له القانون فى مجابهة محاولات -الدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية - التدخل فى عمل البنك وسياساته فى إطار سعيه لإحكام قبضته على إدارة الاقتصاد المصرى، وهو ما رفضه الدكتور العقدة بشدة وشاركه الرفض وزيرة التعاون الدولى وقتها فايزة أبوالنجا!.
ولعل أكثر محاولات الدكتور يوسف بطرس غالى التدخل فى سياسات البنك المركزى واقعتين صارختين.. الواقعة الأولى كنت طرفا فيها.. فقد نشرت مجلة "المصور" عندما كنت أتولى رئاسة تحريرها حديثا صحفيا مع الدكتور يوسف بطرس غالى تطرق فيه للحديث. عن سعر الدولار فى مصر رغم أن ذلك لا يدخل فى نطاق اختصاصه كوزير للمالية.. وبعد النشر اعترض الدكتور العقدة لأن كلام وزير المالية يعد تدخلا فى عمل البنك المركزى فضلا عن أنه يربك السياسة النقدية وألحق خسارة بموارده من النقد الأجنبى، وشكاه لرئيس الجمهورية الأسبق حسنى مبارك الذى عنف الدكتور يوسف الذى لم يجد سبيلا لتبرير ما قام به سوى تكذيب مجلة المصور وإنكار أنه تحدث عن سعر الدولار.
وبعد أن رجعت إلى الزميلة "صفاء لويس" التى أجرت الحديث الصحفى وسجلته صوتيا نشرت فى العدد التالى من المجلة تأكيدا على صحة الحديث وما جاء فيه من كلام وزير المالية حول سعر الدولار ولذلك لم يتماد الوزير فى تكذيبنا ولم يعقب على ما نشرته ويكذب تكذيبه!.
أما الواقعة الثانية فقد سمعتها من الدكتور فاروق العقدة فى حين وقوعها وأكمل لى تداعياتها صديق العمر الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التخطيط وقتها رحمه الله.. فقد حصلت مصر بعد حرب الخليج الأولى (حرب تحرير الكويت ) من دول الخليج على منحة دولارية فى إطار عملية إسقاط الديون العسكرية الأمريكية علينا وإعادة جدولة ديون دول أعضاء نادى باريس علينا.. وقد أصدر الرئيس الأسبق مبارك تعليمات بالاحتفاظ بهذه المنحة فى حساب خاص بالبنك المركزى بعيدا عن احتياطيات البنك المركزى الذى تديره قيادة البنك.
وشدد مبارك على ألا يسحب أحد أى قدر من هذا الحساب إلا بأمر منه شخصيا، وقد ظل هذا الحساب موجودا لسنوات لم يصرف منه أحد شيئا، وبدأ استخدام تلك المنحة بعد تنحى مبارك وإسقاط مرسى وتولى الدكتور حازم الببلاوى رئاسة أول حكومة للمستشار عدلى منصور الذى تولى رئاسة الجمهورية مؤقتا بعد التخلص من حكم الإخوان.. وقد حدث أن الدكتور يوسف بطرس غالى أعلن فى تصريحات صحفية له رقما لاحتياطيات البنك المركزى مضافا إليه رقم المنحة العربية المودعة فى حساب خاص.
وقد أغضب ذلك الدكتور فاروق العقدة الذى شكاه لمبارك.. وفى حفل زفاف جمال مبارك احتفظ الرئيس الأسبق بيد الدكتور فاروق وهو يصافحه فى يده ونادى الدكتور يوسف وعندما جاء قال للعقدة يا دكتور إذا سألوك فى صندوق النقد الدولى عن احتياطياتنا من النقد الأجنبي قل لهم وزير ماليتنا لا يقول الحقيقة!
وقد أثار ذلك قلقا بالغا لدى الدكتور يوسف وخشى عزله من منصبه وبعد أسبوع من القلق قال للدكتور عثمان لولا بعض الرصيد لى فى بيت الرئيس لكنت الآن خارج الحكومة، وهو كان يشير إلى علاقته الوثيقة بجمال ابن الرئيس السابق مبارك!.
وهكذا ثماني سنوات قضاها الدكتور فاروق على قمة الجهاز المصرفى حافلة بكثير من الحكايات والأسرار الكثيرة.. ومعلوماته إن كتابه يتضمنها تفصيلا بالمعلومات.. ولذلك أنا أنتظر صدوره لأنه سيكون كتاب 2025.