رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


قراءات.. وكتابات

8-12-2024 | 15:07


شوقي بدر يوسف

شوقي بدر يوسف

عندما كتب جان بول سارتر سيرته الذاتية فى كتابه «الكلمات Le Mots»، قسّم هذا الكتاب إلى قسمين رئيسيين القسم الأول للقراءة، والثانى للكتابة، ولا شك أن هذا الطقس الثقافى المبهر الذى تحدث فيه سارتر عن تأثير القراءة فى حياته المبكرة على الكتابة فى سيرته الذاتية «الكلمات» هو نفس الطقس الذى يقوم به جميع الكتّاب والمثقفين الجادين فى حياتهم الإبداعية القراءة أولا ثم الكتابة ثانية، والقراءة فى حد ذاتها لها جانبان مهمان فى أنشطتها، فهناك القراءة السهلة وهى قراءة الجرائد والدوريات والتى ينتهى منها القارئ وتنتهى معه عندما يترك الجريدة أو المجلة من يديه، ويبدأ فى الاهتمام بموضوع آخر، أما القراءة الأخرى وهى القراءة الجادة التى تنتمى إلى عوالم القارئ الجاد فى حياته الأدبية والمعرفية التى يعيشها ويعايشها ويتفاعل معها فى أنشطته الخاصة بالثقافة والأدب خاصة عندما يكون أديبا له اهتماماته وكتاباته الأدبية الخاصة، من هنا فإن القراءة الجادة هى بمثابة قراءة عمل، قراءة متأنية تترك صداها مع القارئ ليحولها إلى منجز جديد ربما يتناص مع كتابات من سبقوه أو ليحقق منها ذاته فى التعبير عن رؤى يرى أنها جديرة بالطرح فى المشهد الثقافى والأدبى المعاصر.

والسؤال المطروح فى هذه المداخلة هو قراءاتى لعام 2024، هو سؤال كبير من الصعب الإجابة عليه بوضعيته المطروحة، فموقعى فى المشهد الأدبى كناقد أدبى يحتم علىّ المتابعة الجادة، والمستمرة للحركة الأدبية فى المجال المعتاد لدى، وهو مجال السرد القصصى والروائى، وخلال عام 2024 قرأت الكثير من الكتب والدراسات نتج عنها عدد لا بأس به من الكتابات التى أخذت مسارها وصداها على صفحات الدوريات المرسلة إليها. ففى عام 2024 نشرت العديد من الموضوعات فى بعض الدوريات كانت نتيجة قراءات مختلفة، ومتنوعة فى المشهد السردى، فقد طلب منى المشاركة فى الاحتفاء بدوريتين من الدوريات المهمة فى المشهد الأدبى القائم فى الساحة الأدبية، الأول وهو مرور 40 عاما على صدور مجلة أدب ونقد، والثانى وصول أعداد مجلة الثقافة الجديدة إلى العدد 400، ومن ثم كان لا بد من إعداد خطة عمل للمشاركة فى هذه الأعداد الخاصة المزمع صدورها فى هاتين المناسبتين، وكان الرجوع إلى أعداد مجلة أدب ونقد – على سبيل المثال - منذ العدد الأول وحتى الآخير عملية شاقة، وفى نفس الوقت مرهقة، ولكن بواسطة الصبر والمثابرة استطعت أن أضع يدى على رؤية تخص (الأعداد الخاصة بالمجلة) وهى ما اشتغلت عليه، وكانت النتيجة دراسة جادة أخذت أكثر من 30 صفحة من صفحات هذا العدد نشرت تحت عنوان "مجلة أدب ونقد ودورها فى الصحافة الأدبية والثقافية" فى عدد فبراير 2024، أما بالنسبة لمجلة الثقافة الجديدة فقد اشتغلت على العنوان من خلال أربع مجلات ثقافية كانت تصدر فى العالم العربى تحت أسم "الثقافة الجديدة" الأولى فى العراق والثانية فى مصر والثالثة فى المغرب والرابعة فى اليمن، وحول هذا الموضوع تم إعداد دراسة أخذت مساحة كبيرة هى الأخرى تحت عنوان "المجلة الثقافية ودورها فى المشهد الإبداعى.. الثقافة الجديدة أنموذجا"، وقد نشرت هذه الدراسة فى العدد 400/401 الصادر فى يناير 2024.

كذلك بالنسبة للاشتغال على الصحافة الأدبية فقد طلبت منى مجلة الهلال مقالة عن دور الهلال فى المشهد الأدبى والثقافى المعاصر، وكانت فرصة للرجوع إلى بعض أعداد المجلة ذات الماضى العريق فى الثقافة والأدب، واخترت من أعداد الهلال خمسة أعداد ذهبية كانت المجلة قد أصدرتهم فى ستينيات القرن الماضى تخص عمالقة الأدب وهم طه حسين، والعقاد، والحكيم، وأحمد شوقى، ونجيب محفوظ، وكانت دراسة أستمتعت أنا بها شخصيا قراءة وكتابة.. حيث تم الرجوع فيها إلى هذه الأعداد الخاصة التى كانت تمثل نقلة نوعية فى التعريف بفرسان الكلمة والأدب فى ذلك الوقت، واللافت للنظر أن هذه الأعداد الخمسة كانت ذهبية اللون من هنا كانت دراسة "الهلال والأعداد الخمسة الذهبية" وقد نشرت هذه الدراسة فى عدد سبتمبر 2024 من المجلة وهو العدد المحتفى به خلال هذا الشهر والمتزامن مع صدور العدد الأول فى سبتمبر 1892.

ومن أهم القراءات التى قمت بها خلال عام 2024 قراءتى لكتاب "المرايا" لنجيب محفوظ الذى يرجع صدوره إلى عام 1972، وقد سبق أن قرأت هذا الكتاب كعادتى مع بعض أعمال نجيب محفوظ أكثر من مرة بسبب عوامل الدهشة والثراء الفكرى والإبداعى والفلسفى الذى يحتويه ويتضمنه، وكانت حصيلة هذه القراءة دراسة من أهم ما كتبت عن نجيب محفوظ تتضمن هذه الدراسة 14 شخصية من شخصيات الكتاب البالغ عددهم خمسة وخمسين شخصية اخترت منهم الشخصيات النسائية فقط، وتناولتهم فى دراسة تحت عنوان "المرأة فى كتاب "المرايا".. النص والكتابة" عكست هذه الدراسة دور المرأة فى حياة وإبداع نجيب محفوظ من خلال هذه الشخصيات التى تعرض لها بأسماء وهمية، والتى استخدم بعض منها فى رواياته المعروفة "زقاق المدق"، و"اللص والكلاب"، و"الطريق"، و"القاهرة 30"، و"السراب" وغيرها من أعماله الروائية. وقد نشرت هذه الدراسة مرتين: الأولى فى جريدة "أخبار الأدب" العدد 1570 الصادرة فى 27 يونيو 2023 والثانية فى العدد العاشر من دورية نجيب محفوظ الصادر فى أبريل 2024.

ولولعى بإبداع جيل الوسط الذى ينتمى إليه نجيب محفوظ، كان من عادتى من حين لآخر الرجوع إلى بعض الأسماء من كتّاب الرواية فى مصر والعالم العربى من هذا الجيل، وهى هواية خاصة أعتز بها وأتوق إليها فى الكثير من الأحيان، من هذه القراءات كانت قراءتى لرواية "البنات والصيف" لإحسان عبد القدوس فى صيف شهر يوليو الماضى، وقد أوحت لى وقت قراءتها أن أتناولها نقديا على الرغم من مرور أكثر من ستين عاما على صدور هذه الرواية التى كان لها صدى وجدل وقت صدورها عام 1960، وكانت دراسة "البنات والصيف وفضاءات الإسكندرية" وقد نشرت هذه الدراسة فى مجلة أدب ونقد بالعدد 434 الصادر فى سبتمبر 2024، كما تناولت أيضا من جيل الوسط فى مجال الرواية المصرية الكاتب "محمد عبد الحليم عبد الله" فى دراسة استمتعت أنا شخصيا بتناولها هى الأخرى خلال قراءاتى لأعماله الروائية التى كان يصدرها فى ستينيات القرن الماضى وكانت دراسة "محمد عبد الحليم عبد الله.. روائى الدلتا الذى كان"، وقد نشرت هذه الدراسة فى مجلة أدب ونقد أيضا فى العدد 435 الصادر فى أكتوبر 2024.

علاوة على ذلك تنوعت قراءاتى خلال هذا العام حول بعض الأعمال الروائية فى المشهد الروائى المعاصرة فى مصر تناولتها نقديا نشرت جميعها فى الدوريات المحلية والعربية، منها رواية "كبرياء الموج" للكاتبة انتصار عبد المنعم، وهى رواية تشتغل كاتبتها على السيرة الذاتية الافتراضية فى مدينة الإسكندرية وعلاقتها بالبحر وشواطئها المتنوعة، وقد نشرت الدراسة فى مجلة الثقافة الجديدة بالعدد 403، مارس 2024 تحت عنوان "الحاشية والمتن فى رواية كبرياء الموج". كما لفت نظرى صدور رواية للفنان التشكيلى السكندرى عصمت داوستاشى تحت عنوان "النيل والبحر" وهى الرواية الثانية له فى هذا المجال، وكانت لى فيها قراءة متأنية انتهت بدراسة نشرت بمجلة الثقافة الجديدة 405 فى عدد مايو 2024 تحت عنوان "عصمت داوستاشى روائيا"، كما تناولت رواية "من جراب الكنغر" للكاتب أحمد محمد عبده فى دراسة عن ظاهرة الأنثروبولوجى فى الرواية المصرية وكانت دراسة "الأنثروبولوجى فى رواية من جراب الكنغر أحمد محمد عبده" نشرت بالعدد 461 الصادر فى سبتمبر الماضى فى مجلة الموقف الأدبى السورية.

وبالنسبة للأدب العربى فلى فيه اهتمامات كثيرة فقد سبق أن صدر لى عن الهيئة المصرية العامة للكتاب كتاب "تجليات روائية" تناولت فيه أعمال روائية لبعض الروائيين العرب من بلدان مختلفة، أما ما قرأته عام 2024 فقد كتبت عنه أكثر من دراسة الأولى كانت تحت عنوان "كتابات المرأة فى الرواية السورية" تناولت فيها من جيل الرواد فى سوريا الكاتبة "كوليت خورى"، ومن جيل الوسط الكاتبتان "أنيسة عبود، وهيفاء بيطار"، ومن الجيل المعاصر الكاتبة "شهلا العجيلى"، قد نشرت هذه الدراسة فى العدد 426 الصادر فى يناير 2024.

أما الدراسة الثانية فكانت عن "البعد التراثى والتاريخى فى الرواية المغربية الحديثة" من خلال قراءة بعض أعمال الروائى الدكتور بنسالم حميش، نشرت فى مجلة أدب ونقد فى العدد 431 الصادر فى شهر يونيو 2024، كما تمت قراءة رواية "راكب الريح" للروائى الفلسطينى يحيى يخلف والفائزة بجائزة كتارا القطرية عام 2016، وتتحدث هذه الرواية عن منظومة المقاومة الفلسطينية تجاه العدو الإسرائيلى فى مدينة يافا الفلسطينية، وتم تناولها نقديا ونشرت فى مجلة أفكار الأردنية فى العدد 428 الصادرة فى مارس 2024.

وفى شهر فبراير 2024 علمت من أحد الأصدقاء فى الأردن بأن هذا الشهر يوافق مرور عشر سنوات على رحيل الكاتبة والناقد الأردنية الصديقة الدكتورة رفقة دودين أثناء تواجدها فى مؤتمر حقوق الإنسان فى مدينة بروكسل فى بلجيكا، وقد سبق أن أهدتنى الراحلة كتبها أثناء حضورى إحدى المؤتمرات فى مدينة عمّان، وسرعان ما قمت بعمل دراسة عن هذه الكاتبة نشرت فى مجلة أفكار الأردنية فى عددها الصادر فى فبراير2024 برقم 421.

ومن خلال اهتمامى بمتابعة الأدب العالمى فقد سبق أن صدر لى سنة 2015 كتاب "وجوه عظيمة.. قراءات فى الأدب العالمى" تناولت فيه عددا من الروائيين من الشرق والغرب، كانت حصيلة قراءاتى هذا العام فى الأدب العالمى بعض القراءات الخاصة نتج عنها أيضا بعض الدراسات نشرت جميعها فى مجلة "فكر الثقافية" التى تصدر فى المملكة العربية السعودية والتى أتراسل معها دائما، وتحتفى بالكثير مما أرسله لها، منها عن الكاتب اليابانى كازو إيشيجورو حائز جائزتى البوكر 1989، ونوبل 2017، نشرت الدراسة فى العدد 40 الصادر فى فبراير 2024، كذلك كانت قراءاتى عن أدب الحرب امتدادا لقراءاتى عن إيشيجورو الذى ولد فى مدينة نجازاكى التى دمرتها القنبلة الذرية منتصف الأربعينيات من القرن الماضى، من خلال الكاتب الألمانى أريش ماريا ريمارك وديستوبيا وعالمه الإبداعى عن الحرب العالمية الأولى الذى كان مشاركا فيها خاصة عن روايته "كل شئ هادئ فى الجبهة الغربية"، وقد نشرت هذه الدراسة بالعدد 41 الصادر فى يونيه 2024، كذلك كانت للحرب الضروس القائمة الآن على حدود لبنان قراءاتها بجانب القراءة السياسية المرتبطة بها، فقد قرأت بعض الروايات اللبنانية المرتبطة بالحرب اللبنانية الأهلية والقائمة الآن وكانت دراسة "الرواية اللبنانية وذاكرة الحرب" وقد أرسلت هذه الدراسة للنشر فى مجلة أدب ونقد.

كذلك تناولت القصة القصيرة عند الكاتب الإيطالى دينو بوتزاتى بعد قراءة بعض أعماله من القصص القصيرة من خلال إشكالية الموت وواقعه وما وراءه وهى التيمة التى كان بوتزاتى يهتم بها فى معظم أعماله القصصية، وقد نشرت هذه الدراسة فى نفس المجلة فى العدد 42 الصادر فى أكتوبر 2024.

علاوة على ذلك كانت هناك قراءات أخرى مصاحبة لهذه القراءات، لها أهميتها أخذت منى أهتماما كبيرا، وقد تناولتها هى الأخرى فى كتابات نشرت فى بعض الدوريات والملاحق الثقافية العربية مثل: الرواية الإفريقية وأساطير القارة، ملحق جريدة عمان الثقافى، مسقط،ع 27، 28 مارس 2024، القصة القصيرة الأنثوية فى لبنان وحقائقها الملتبسة، نشرت فى جريدة القدس العربى، لندن، 11312، 10 أبريل 2024، قراءة فى قصة "إدانة غير معلنة" للقاص العراقى أحمد خلف فى جريدة أوروك العراقية ع 105، 7 مايو 2024، كما تناولت الريادة الفنية للقصة النسائية فى العالم العربى.. عن الكاتبتين السورية وداد سكاكينى، واللبنانية وروز غريّب، الملحق الثقافى لجريدة الثورة السورية، دمشق، ع 1991، 28 مايو 2024.

لقد كانت القراءة فى هذه السنين الفائتة لها متعتها الخاصة، وذائقتها الممتعة فى تحرى الحقيقة والوصول إلى ما نبتغيه من جماليات فيما نقرأه.. وأذكر كلمة قالها الكاتب الأرجنتينى فى كتابه "يوميات القراءة" هناك كتب نتصفحها بمتعة ناسين الصفحة التى قرأناها ما إن ننتقل إلى الصفحة التالية. وكتب نقرأها بخشوع دون أن نجرؤ على الموافقة أو الاعتراض على ما تتضمنه. وأخرى لا تعطى سوى معارف ومعلومات ولا تقبل التعليق، وهناك كتب نحبها بشغف ولوقت طويل، لهذا نردد كل كلمة فيها لأننا نحفظها عن ظهر قلب.