اعتدتُ منذ سنوات – وخاصة عندما بدأت أكتب الرواية - أن أقرأ في مجال المشروع الأدبي الذي أعمل عليه، هكذا فعلت في مشروعي عن الفنان التشكيلي محمود سعيد، ومشروعي عن كاتبنا الكبير نجيب محفوظ، وأثمرت هذه القراءات عن أكثر من كتاب عن كليهما.
المشروع الروائي الذي أعمل عليه هذا العام – وأقرأ كثيرا حوله – هو عن أمير الشعراء أحمد شوقي، لذا جاءت قراءاتي مكثفةً حول شوقي وحياته وأعماله الشعرية والنثرية، وما كُتب عنه وعن علاقته بشعراء ونقاد عصره، وأهم اللحظات الدراميَّة التي مرَّ بها وكان أهمها بطبيعة الحال لحظات نفيه خارج مصر عام 1915 بعد خَلْع صديقه الخديو عباس حلمي الثاني من عرشه وتنصيب السلطان حسين كامل على عرش مصر.
قراءاتي أيضا في هذا العام كانت عن العصر الذي عاش فيه شوقي سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، وكل ما يتعلق بهذه الشخصية الأدبية الكبيرة التي عاشت ما بين أعوام 1868 و1932، وتوجت بإمارة الشعر العربي عام 1927.
لقد دخلتُ عن طريق هذه القراءات والمشاهدات والاستعادات، إلى دقائق حياة شوقي وكيفية كتابته للقصيدة والمسرحية الشعرية، بل والرواية، لأنه كتب عددًا من الروايات أيضا، وهو ما سيتضح أثره في رواية جديدة عن شوقي تحمل عنوان "أن أكونَ أميرًا للشعراء" (لم تطبع بعد). وقد توصلت – من خلال قراءاتي حول شوقي، وقبلها حول محفوظ - إلى وجود أوجه شبه كثيرة بين الكبيرين سوف أوضحها في كتاب عنهما بعنوان "شوقي ومحفوظ.. من الإمارة إلى نوبل".
ولكن لم تقتصر قراءاتي – هذا العام - على شوقي وحياته وأعماله فحسب، فكوني أشارك في الحياة الأدبية والثقافية، وفي عدد من الندوات والمؤتمرات واللقاءات الأدبية سواء في قصور الثقافة أو اتحاد الكتاب أو المجلس الأعلى للثقافة، وغيرها من المنابر الإعلامية والصحفية جعلني أقرأ عددًا آخر من الكتب، سأحاول أن أتذكرها على سبيل المثال وليس الحصر، ومن بينها:
رواية الكاتب الكبير محمد سلماوي "أوديب في الطائرة" التي عقدنا عنها ندوة أدبية في رحاب معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب هذا العام. وهذه الرواية تسير في خطين متوازيين نجح الكاتب في المحافظة على إيقاعهما نجاحًا كبيرًا، وفي التنقل بمهارة ورشاقة لغوية وزمنية ما بين الماضي والحاضر، فلا نشعر بأي فجوة زمنية أو مكانية تبعدنا عن الأحداث الماضية والمعاصرة. وأستطيع أن أقول إن رواية "أوديب في الطائرة" تعد تطورًا أو نموًا لأحداث رواية "جناح الفراشة" التي كتبها سلماوي قبل اندلاع أحداث ثورة يناير 2011 بشهور قليلة.
أيضا أعدتُ قراءة أهم روايتين في أعمال الكاتب الكبير سعد مكاوي، وهما: السائرون نياما، ولا تسقني وحدي، وذلك للمشاركة في ندوة أقيمت عنه لتكريم اسمه في المجلس الأعلى للثقافة هذا العام عن طريق لجنة السرد القصصي والروائي التي أشرفُ بأن أكون عضوًا فيها, وتساءلتُ بعد قراءاتي للروايتين: هل نستطيع أن نقول إن رواية "لا تسقني وحدي" للكاتب الروائي سعد مكاوي (1916 – 1985) رواية تاريخية؟ فهي تتناول شخصياتٍ حقيقية ظهرت في القرن السادس الهجري أو القرن الحادي عشر الميلادي، من أمثال عمر ابن الفارض، والسهروردي، وبرهان الدين الجعبري، أم هي رواية عرفانية بطلُها علاء الدين السوهاجي، وهو شخصية غير معروفة في التاريخ، ولعله يمثل قناعَ أو صوتَ الكاتب نفسه الذي يتوسَّل في روايته بأئمة التصوف الإسلامي، لصناعة الإيهام الروائي الجميل؟ ستظل كل التأويلات مفتوحة على "لا تسقني وحدي"، وهكذا هي الأعمال المتميزة دائما.
أيضا من الأعمال الروائية المتميزة التي قرأتها هذا العام كانت رواية "بعد أن يُسدل الستار" للروائي السكندري د. عمرو عافية وهو عمل يحمل عنوانين متقاربين أو متصلين هما: بعد أن يُسدل الستار، وغرفة عبدالله، العنوان الأول عنوانٌ روائي حيث يتحدث الراوي عن حياة بعض الممثلين وأجوائها بعد أن ينتهي العرض المسرحي، سواء كان عرضًا لليلة واحدة، أو عرضًا لموسم مسرحي كامل. أما العنوان الثاني فيشير إلى أن غرفة عبد الله هي خشبة المسرح التي تدور فوقها الأحداث، ونلاحظ أن العنوان الثاني يشير إلى أن هذه المسرحية تقدمها فرقة عاكف المسرحية، وعاكف هذا (الذي سيذكرنا بأحمد عاكف بطل رواية "خان الخليلي" لنجيب محفوظ)، هو شقيق عبد الله (الذي سيذكرنا برشدي شقيق أحمد عاكف في "خان الخليلي") لتكون المقاربة. أما المفارقة فإن عاكف هو زوج بطلة العرض ناهد شوقي. أما عاكف نجيب محفوظ فهو لم يتزوج من بطلة روايته التي أحبها أخوه الصغير، ومات في شبابه. لقد تردَّد اسم نجيب محفوظ في رواية عمرو عافية غير مرة من خلال ذكر بعض أعماله مثل "السمان والخريف" وتصوير فيلم مأخوذ عن تلك الرواية، وظهور نادية لطفي في دور "ريري"، وغيرها من الأعمال.
كما قرأتُ رواية "عرش على الماء" للروائي محمد بركة، وهي تتناول السيرة الروائية للإمام مشهور محسن الوحش، منذ أن كان طفلا في قريته "رملة العربان بطنطا" على عهد الملك فؤاد (أي قبل عام 1936) وحتى لحظة وجوده الأخير في لندن في عهد الرئيس حسني مبارك. وما بين اللحظتين أو الزمنين حياة حافلة بالهدوء والصخب، بالعلم الديني والدنيوي، بالعرفانية والشهوانية، حيث الشهوانية تعني عدم القدرة على السيطرة على الشهوات الحسية.
كما قرأتُ رواية "الحرب في الشرق" للكاتب د.زين عبدالهادي، وهي عبارة عن سيرة مدينة بورسعيد حيث يستدعي السارد فناني العالم مع أبيه وأصدقائه في مصنع الغزل والنسيج، ليضعوا اللمسات الأخيرة على صورة بورسعيد متمثلة في صورة عروس البحر النائمة في دلال على الشاطئ، محلاة بالأصداف، جدائل شعرها المسترسل. وهنا تبدو ثقافة السارد التشكيلية، ولكن المخربين لم يتركوا هذا الجمال على حاله، فقد تعرضت حورية البحر الصغيرة عدة مرات للتخريب.
ومن الأعمال العربية التي قرأتُها أيضا هذا العام رواية الكاتب السعودي أحمد السماري "ابنة ليليت" حيث تجسدت أسطورة ليليت في بعض الأعمال الفنية التشكيلية، وبعض القصائد الشعرية، والآن تظهر في رواية عربية جديدة هي رواية "ابنة ليليت" للكاتب السعودي أحمد السماري.
وفي مجال الشعر قرأتُ الكثير من الدواوين الشعرية القديمة والحديثة، من بينها ديوان "ترجمان الأشواق" لمحيي الدين بن عربي كتبه لما نزل مكة المكرمة سنة 598 هـ (1201 – 1202 م) في ابنة الشيخ زاهر بن رستم بن أبي الرجا الأصفهاني، وكان اسمها "نظام"، وكانت شاعرة وأديبة فصيحة.
كما قرأتُ ديوان "قليل من البوح يكفي" للشاعر أحمد سويلم، وأوضحتُ أن من يتأمل دواوين هذا الشاعر سيجدُ أنه يعزفُ على ثلاثة أوتار عزفَ المتمكِّن الواثق من نفسه ومن حروفه وكلماته وشعره؛ وهذه الأوتار الثلاثة هي: وتر الشعر، ووتر العشق، ووتر الشوق.
كما قرأتُ ديوان "قادم من جديد" للشاعر فوزي خضر، الذي عُرف بانتمائه الأصيل لقصيدة التفعيلة، ولكن تأتي قصائد الديوان الثلاثين كلها في إطار الشكل العمودي، بل نجد أن هناك بحورًا مبتكرة في هذا الديوان تنتمي إلى تفعيلتي (فاعلن فعولن) وقصيدة أخرى تنتمي إلى تفعيلتي (فعولن فاعلن) وهو ما لم يقل به الخليل بن أحمد الفراهيدي ضمن بحور الشعر العربي المعروفة لدينا، ولا حتى ما تدارك به الأخفش أستاذه الفراهيدي.
وفي المسرح الشعري، قرأت مسرحية "دراما السيف والكبرياء" للشاعر الإذاعي السيد حسن، وهي تتحدث عن حياة الشاعر أبي فراس الحمداني وحكايته مع ابن عمه سيف الدولة الحمداني، وصراعه مع الرومان بعد أسره، ومع أبي المعالي وقرغويه بعد وفاة سيف الدولة.
وفي مجال القصة القصيرة قرأتُ العديد من المجموعات القصصية ومنها مجموعة "دمى حزينة" للقاص سمير الفيل التي لاحظتُ فيها ملامح الأدب العرفاني، وهو الأدب القائم على المعرفة الباطنية، أو الصوفية، والزهد، والبعد عن الملذَّات الجسدية، أو الترفُّع عن عالم الجسد.
كما قرأتُ كتابًا بعنوان "أتذاكى عمدًا" للكاتبة السكندرية مروة محمد عبيد، وهو يحتوي على ثلاثة أنواع أدبية، فهو ليس كلُّه قصص قصيرة كما جاء على غلاف الكتاب، فهناك المحاورات الأدبية، وهناك روايتان قصيرتان، وهناك قصص قصيرة. وتوقفتُ عند المحاورات أو الحواريَّات فقط، والتي تعلن عن وجود كاتبة تجيد فن المحاورة والجدل وطرح الأسئلة، وتخيُّل الإجابات من خلال الشخصيات أو الأشياء التي تتحاور مع بعضها البعض، وهذا يحتاج إلى ثقافة واسعة وقدرة على الحوار مع الآخر، سواء كان هذا الآخر إنسانًا أو شيئًا من الأشياء، وتخليق الأسئلة وتلقي الإجابات من الذات الكاتبة نفسها، سواء من داخل تلك الذات، أو من خلال ما تتلقاهُ من العالم الخارجي.
كما قرأتُ هذا العام الكثير من الدواوين الشعرية المكتوبة للأطفال للمشاركة في أحد المؤتمرات الأدبية ببحث عنوانه "تمثُّلات الهويَّة في القصيدة العربية الموجَّهة للطفل" رجعتُ فيه إلى أعمال الشعراء العرب الذين كتبوا للأطفال أمثال: أحمد شوقي، ومحمد الهراوي، وسليمان العيسى، وأحمد سويلم، ومحمد الظاهر، ومحمد القيسي، ومحمد علي الهاني، وعادل الغضبان، وفدوى طوقان، ومحمود عبده فريحات، وأحمد محمد الصديق، وأحمد حقي الحلي، وسعيدة بنت خاطر الفارسي، ووليد مشوح، وإبراهيم محمد أبو عباة، ومصطفى صادق الرافعي، والزعيم مصطفى كامل، وعلي أحمد باكثير، وفاطمة بديوي، وبعض قصائدي أيضا للأطفال، ومنها أوبريت "العَلَم الغالي".
من الكتب المهمة التي قرأتُها أيضا هذا العام كتابًا قديمًا للدكتور زكي مبارك عن التصوف بعنوان "التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق" وفيه يرى أن السياسة الصوفيَّة أضرَّت من وجه، وأحسنت من وجوه، أضرَّت حين قصرت الشخصية الخلقية على الحياة الفردية، وقضت بأن يصم الرجل أذنيه في أكثر الأحيان عما يجري في المجتمع من أخبار الجِد والإبداع، وأحسنت حين ربطت مصير الفرد بمجاهدة الأهواء، ومحاربة الشهوات، وأقنعته أن لا غنى له عن ترقب الفيض الإلهي في جميع اللحظات، وراضته على احتقار المغانم الدنيوية، والإيمان بأن المغنم الحق هو الاتصال بالمبدع الأول الذي وهب الروح لكل موجود، وصيَّر العالم كتلة من الكهرباء.
ومن الكتب الطازجة التي قرأتها منذ أسابيع كتاب "فن السيرة وأثره في الرواية المصرية" للكاتب والسيناريست محمد السيد عيد وفيه يتحدث عن السيرة النبوية والسيرة التاريخية والسيرة الشعبية والسيرة الذاتية وسيرة الإنسان العادي والهامشي.
وكان لابد لي من القراءة في المستجدات التي نراها أمامنا وما تحدثه من آثار في مجتمعاتنا، مثل "الذكاء الاصطناعي" وقد انتهيتُ من قراءة كتاب صدر عن سلسلة الثقافة العلمية بالهيئة العامة لقصور الثقافة بعنوان "الذكاء الاصطناعي" للدكتور فتح الله الشيخ، ويتحدث فيه عن استخدامات الذكاء الاصطناعي وأهميته، وخطورته وسنواته وتطبيقاته وأخلاقياته، وهو يعرِّفُ الذكاء الاصطناعي بأنه قدرة الآلة على التفكير أو اكتشاف المعنى أو التعميم أو التعلم من التجارب السابقة، وقد أفادني هذا الكتاب في التحدث عن كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في عالم الآداب والفنون، في ندوات بالمجلس الأعلى للثقافة، واتحاد الكتاب.