رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الثقافة في برامج وميزانية اليونيسكو 2024 – 2025 .. قراءة في تقرير المنظمة

8-12-2024 | 15:13


د. عبدالواحد النبوي,

نختم عام 2024 وقبل أن يرحل بقراءة تقرير منظمة اليونيسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة) عن خطة عملها خلال 2024– 2025 والذي نشرته في 260 صفحة، وجاء التقرير مفصلا لكل جوانب إدارة وبرامج وميزانية المنظمة، تلك المنظمة التي أنشأتها الأمم المتحدة عام 1945 وعدد أعضائها 195 دولة ومقرها الرئيس في باريس ولها أكثر من 50 مكتباً وعدة معاهد تدريسية حول العالم، وشبكة دولية من 644 كرسي لليونسكو، تضم أكثر من 770 مؤسسة في 126 دولة وتعمل من خلال خمسة برامج أساسية هي التربية والتعليم، والعلوم الطبيعية، والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والثقافة، والاتصالات والمعلومات، وكان من أهم مشروعات المنظمة في مصر حملة إنقاذ آثار النوبة عام 1960 والتي استمرت لنحو عشرين عاما.

وقد انسحبت الولايات المتحدة من المنظمة أكثر من مرة آخرها عام 2017 وانسحبت بريطانيا ثم عادت إلى عضوية المنظمة عام 1997 وجنوب إفريقيا انسحبت ثم عادت إليها بعد وصول نيلسون مانديلا للحكم عام 1994 وانسحبت إسرائيل في 1 يناير 2019.

تميزت المنظمة بجهاز إداري مرن ورغم المهام الكبيرة فإنه لم يكن مثقلا بالمزيد من الأفراد الذين قد يصبحوا عبئًا على كاهل المنظمة؛ فعلى سبيل المثال مقر المنظمة في باريس الذي يوجد فيه مكتب مدير المنظمة عدد العاملين به 5 أفراد وجميع العاملين في الإدارات العليا بالمقر الرئيسي (مكتب المؤتمر العام والمجلس التنفيذي والإدارات التابعة) عدد العاملين فيها 72 موظفا بما فيهم العاملون في مكتب مدير المنظمة، أما إجمالي عدد العاملين بالمنظمة فقد بلغ 1801 موظف في جميع قطاعات ومكاتب المنظمة في أنحاء العالم، في حين أن عدد العاملين بوزارة الثقافة المصرية يصل لنحو 34 ألف موظف وبلغت ميزانية اليونيسكو خلال هذا العام ما يزيد قليلا على مليار و864 مليون دولار، وتساهم مصر في هذه الميزانية بأقل من مليون دولار "959623 دولارا"

ويعمل في برنامج الثقافة باليونيسكو 154 موظفا منهم 98 داخل المنظمة و56 في المكاتب الميدانية، والغريب أن عدد العاملين من موظفي المنظمة في الدول العربية في برنامج الثقافة 8 موظفين من إجمالى الـ 56 وهو قليل جدا بالنظر للمكانة الثقافية والحضارية لعالمنا العربي، وباقي الموظفين في المكاتب الميدانية موزعون كالتالي: (20 في إفريقيا و17 في آسيا والمحيط الهادي و2 في أمريكا اللاتينية والكاريبي و9 في أوروبا وأمريكا الشمالية). 

ولقد وضعت اليونيسكو مجموعة من الأهداف لتحقيقها في برنامج الثقافة ما بين عامي 2024– 2025 لتحقيق التنمية المستدامة والتركيز على الاهتمام بإفريقيا وتعزيز المساوة بين الجنسين والدول الصغيرة النامية وتلبية احتياجات الشباب والشرائح الاجتماعية الأضعف والفئات المهمشة والتركيز على التعاون الثلاثي بين دول الشمال والجنوب والشراكات مع منظومة الأمم المتحدة لتعزيز الثقافة والاقتصاد الإبداعي لبناء مجتمع أكثر شمولا وعدالة وصون التراث الثقافي والطبيعي وتعزيز قدرات الدول لمواجهة الكوارث والنزاعات المسلحة والاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، والعمل على دمج الثقافة في الأساليب التربوية والمناهج الدراسية والأدوات التعليمية وتغير المناخ وإدماج صون التراث الثقافي والطبيعي في سياسات الدول وتعزيز الحريات الأساسية لبناء مجتمعات منفتحة وتعددية لإبداع أشكال التعبير الثقافي والانتفاع بها ولا سيما في البيئة الرقمية

وقد خصصت اليونيسكو لبرنامج الثقافة في خطتها ميزانية قدرت بـ 295910000 دولارا (مائتي وخمسة وتسعون مليونا وتسعمائة وعشرة ألف دولار) وحددت منها 59 مليونا 399 ألف دولار لإفريقيا و38 مليونا و541 ألف دولار للمساواة بين الجنسين و15 مليونا و649 ألف دولار للدولة الصغيرة النامية و41 مليونا و422 ألف دولار للشباب و13 مليونا و995 ألف دولار للبرنامج الطليعي وخصص من تلك المبالغ ما نسبته 23 % للدول العربية

لقد تبنت اليونيسكو في برنامجها عبارة "الثقافة في خطر، ولكنها أيضا إحدى أكثر خطوط الدفاع قيمة لدينا" حيث كانت ترى مواقع التراث العالمي لليونيسكو تتعرض يوميا لتهديد ناجم عن تغير المناخ بسبب ارتفاع درجة الحرارة فكل زيادة في درجات الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة يمكن أن يؤدي إلى تدمير أعداد كبيرة من المقتنيات الثقافية البيولوجية وأن ما يقرب من ثلث المدن المدرجة في قائمة التراث العالمي البالغ عددها 330 مدينة، هي مدن ساحلية تأثرت بعواقب تغير المناخ المتزايدة.

وقد لاحظت اليونيسكو أن إفريقيا لديها أعداد كبيرة من حيث المواقع أو الممتلكات التراثية ورغم ذلك فليس مدرجا منها سوى 9 بالمائة فقط في قائمة التراث العالمي، ولديها 14 موقعا أو ممتلكا معرضا للخطر والتدمير من أصل 56 موقعا أو ممتلكا يجب الحفاظ عليها باعتبارها إرثا حضاريا، لذا فقد أولتها اليونيسكو أهمية خاصة في برنامجها الجديد.

ورغم أن الإبداع أحد أسرع القطاعات نموا في العالم حيث تبلغ نسبته في الناتج الإجمالي العالمي 3 بالمائة، فقد شهد خسارة 10 ملايين وظيفة مما كبّد الصناعات الثقافية والإبداعية العالمية خسارة تقدر بنحو 750 مليار دولار في عام 2020 وحده بسبب جائحة كوفيد- 19، كما تعرض الفنانين في عام 2021 لنحو 1200 هجوما ويوميا تسرق قطعة فنية أو تنهب من مكان ما في العالم وتباع بصورة غير قانونية وفي عام 2020 تم مصادرة 850000 قطعة حرفية على مستوى العالم، وهي أمور جعلت المنظمة توليها عناية خاصة.

لقد أكدت اليونيسكو في برنامج الثقافة أنها بين العامين 2024 – 2025 ستبذل جهودها لتعزيز الثقافة وصونها، اعتمادا على الاقتصاد الإبداعي ووصولا إلى التراث الثقافي والطبيعي وتوفير الدعم للدول الأعضاء طبقا لأولويات إعلان مؤتمر اليونيسكو العالمي للسياسات الثقافية والتنمية المستدامة لعام 2022 في مجالات الحقوق الثقافية، والاستفادة من الوسائل التكنولوجية الرقمية، وتأثير الذكاء الاصطناعي في قطاع الثقافة، وتعزيز أوجه التعاون بين الثقافة والتربية والتعليم، وتوفير منظومة اقتصادية مستدامة للثقافة، وحماية الثقافة وتعزيزها في مواجهة تغير المناخ، وحماية الفنانين المعرضين للخطر والثقافة المعرضة للخطر، وإسداء المشورة في مجال السياسات، والمساعدة التقنية، وبناء المعارف، وإدماج الثقافة في آليات السلام والأمن.

وأشارت اليونيسكو في تقريرها المنشور على عملها على إعادة التأكيد على دور اليونيسكو بوصفها وسيط استباقيا ووكالة رائدة في مكافحة الإتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، وأنها ستواصل دورها في دعم المتاحف والمجموعات التي تضمها لتحقيق التنمية والسلام والإدماج الاجتماعي، وتعزيز المساعي الرامية لإجراء حوار دولي مفتوح وشامل للجميع فيما يخص العمل على إعادة الممتلكات الثقافية أو ردها إلى بلادها الأصلية، وأنها أي اليونيسكو ستعطي اهتماما أكبر بالمناطق ذات الأولوية، مثل إفريقيا.

لقد أكد التقرير أن اليونيسكو ستدعم تنفيذ أهداف التنمية المستدامة من خلال الثقافة، بما في ذلك تعزيز الجهود الرامية إلى حماية وصون التراث الثقافي والطبيعي العالمي،  وقياس تأثير الثقافة على المستويين الوطني والحضري في أهداف التنمية المستدامة ودعم اليونيسكو للإمكانات الإبداعية للثقافة بأبعادها المتعددة، من التراث الثقافي إلى الإبداع، من أجل تعزيز نوعية وأهمية التعليم من خلال الموارد الثقافية، والتصدي للتحديات العالمية وتزويد المتعلمين بما يلزم من المهارات والكفاءات، وستدعم أهمية التعاون بين الثقافة والتعليم، طبقا بنا على إطار اليونيسكو لتعليم الثقافة والفنون، الذي اعتمد خلال المؤتمر العالمي لتعليم الثقافة والفنون في عام 2024 .

إن خطة وميزانية اليونيسكو الطموحة تجعلنا نطرح الكثير من الأسئلة التي تتعلق بأين موقعنا من كل هذا ومصر تحتل مكانة لا ينازعها أحد فيها في كل مجالات الثقافة والتراث الحضاري والطبيعي وتحتاج إلى مزيد من الدعم والرعاية وهو ما يمكن أن يتوفر الكثير منه عن طريق هذه المنظمة التي رصدت كثيراً من الأموال لعام واحد فقط. 

أما برامج الشباب التي تتبناها المنظمة تدعونا هي الأخرى للسؤال عن هل المؤسسات المسئولة عن الشباب ثقافيا ومعرفيا على علم بخطط اليونيسكو وهل أرشدت شبابنا ليكونوا جزءا من تلك البرامج. 

ثم هناك أمر مهم وضروري أين المصريون من العمل في برامج اليونيسكو ولماذا لا تدعم مصر تواجد كوادرها المميزة في تلك المنظمة وهل لدى مؤسسة مصرية برامج تؤهل كوادر مصرية للعمل في وحدات تلك المنظمة.

إن تقرير خطة وميزانية اليونيسكو 2024– 2025 يثير الكثير من الأسئلة التي يضيق المقام عن ذكرها في تلك المساحة فيما يتعلق ببرنامج الثقافة فقط فما بالنا ببرامج اليونيسكو المتعلقة بالتربية والتعليم والعلوم التطبيقية والعلوم الاجتماعية والإنسانية والاتصالات والمعلومات باقي قطاعات المنظمة؛ إنني أدعو الجميع مسئولين وغير مسئولين لقراءة التقرير الموضوع على موقع المنظمة ولكل صاحب قرار يتصل بمجال عمل المنظمة أن يعمل ما يجب عمله وفاءً لهذا الوطن العزيز.