تغلب القصة القصيرة على قراءاتي .. وكأنني في ورشة سرد
الكتاب صديقي في كل الأحوال، أجلس لتصفحه، وأهبط به إلى المقهى، فأقرأ ما يعن لي من نصوص، أحيانا ينتابني السأم فأعود للكتب العمدة، العلامات الإرشادية التي تجعلني لا أضل الطريق.
من عادتي أن أصطحب معي قلم رصاص لأدون به على الهوامش ما يعن لي من أفكار وملاحظات. في الندوات التي أكلف بإعداد دراسة عن كتاب بعينه، أكون في غاية التوتر، فأعود للنص أكثر من مرة، لأستجلي نقاطا غامضة، أو كلمات لا أعرف موضعها من حيث المعنى والدلالة.
أبدأ بالقصة القصيرة التي فزت بجائزتها في الدورة السادسة من "الملتقى" بدولة الكويت الشقيقة، فأقول إن حصيلتي في هذا المجال وفيرة.
لا أقرأ الكتب الصادرة حديثا فقط، بل أمزج هذا بذلك، وهي طريقتي في القراءة، كوني أحب أن أخضع النصوص للمقارنة، والتماس الفوارق بين الأجيال.
افتتنت بمحمد المخرنجي، أعيد قراءة ثلاث مجموعات له:"رشق السكين"، "الآتي"، "أوتار الماء"، من المعاصرين قرأت باستمتاع للقاص المغربي أنيس الرافعي عدة مجموعات قصصية، منها "سيرك الحيوانات التوهمة "التي أطلق عليها" حقيبة رسومات ومنولوجات"، " الحيوان الدائري" وللكاتب خيال مذهل عجيب، بجعلك تعيد النظر للأشياء.
من آخر ما صدر عن دار العين "شروط الوردة" وهي مجموعة قصصية لكاتب مهم من جيلي، هو مجدي القشاوي، أيضا سأضيف مختارات قصصية، بعنوان" فاتحة للسندباد" للقاص محمد عبد الحافظ ناصف، يتعامل الكاتب مع الأحداث من منظور إنساني، ولا شك أن فن القصة القصيرة يحتاج إلى مرجعية، وهو ما أفعله دائما بإعادة قراءة "الصوت المنفرد" لفرانك أوكونور، وهو مرجع لا غنى عنه للكتاب الجدد.
لفت نظري مجموعة من الكتابات يدخل معظمها في معطف التجريب من بينها: "قهوة بوتيرو" حسام المقدم، "موسم غزو الجراد" عابد المصري، "بأقل قدر من الضجيج" جيهان عبدالعزيز، "سيدة الكرتون" ثريا البقصمي، "فتاة المعطف" امتنان الصمدي، "ساطع" استبرق أحمد، "مسكوت عنهم" عمار الجنيدي، "نحت" وجدان ابو محمود، "سكين النحت" أفراح الهندال، " سرير بنت الملك" د. شهلا العجيلي"، "الشيء الذي حدث " للسوداني الطيب زروق، توقفت أمام إنتاج قاص له مجموعات قصصية تحقق شروط الإجادة مع مسحة من الواقعية، أقصد محمد إبراهيم طه في مجموعات متوالية، منها "توتة مائلة على نهر".
وجدت تيارا من القصص القصيرة المتنوعة، لها أفق جمالي مميز، من بينها: " ثورة الفانيليا" هبة الله أحمد، "جنازة ثانية لرجل وحيد"دعاء إبراهيم، "الخروج من العلبة" سماء أبو عيش.في ذات السياق قرأت " خرافات أيسوب المصري" للكاتب عبدالفتاح الجمل، قدمت له عائشة المراغي، جيهان عوض قدمت "هي والظل"، ومن المجموعات التي أعدت قراءتها " مشروع قتل جارة" صبري موسى، وكان قد أخبرني أن طريقته في الكتابة، أن يأتي بخريطة قطارات سكك حديد مصر، يضع يده على نقطة على الخريطة، ينزل القرية ويعود بفكرة قصة قصيرة.
أعجبني طريقة كتابة أحمد محمد عبده في "من جراب الكنغر" متواليات قصصية، و"أبهة الماء" محمد رفيع، "على جسر خشبي" عزت الخضري، "باب توما" حلمي ياسين، " ربع أنف ونصف أذن" دعاء زيان، "من عنبر العقلاء" فاطمة فهمي، " ضوء خافت" محمد بربر، "ظل رجل ميت" هبة السويسي، "وردة واحدة كانت تكفي" خبيب صيام، فازت بجائزة معرض الكتاب السنة الماضية، وقد قدمت للمجموعة، لاشك أن هناك كتابات أخرى بعضها ساخر "ما روته خايبة الرجا" رشا عبادة، إضافة إلى كتاب قضوا عمرهم تحت مظلة السرد، منهم حسن الجوخ في" ناس من الماس"، ومن المختارات القصصية " صمت الرمال" لمحمود الورداني، عالمه القصصي له نكهة خاصة. ولفت نظري "تاجر الحكايات" لحسن عبدالموجود، "مدن تأكل نفسها" لشريف صالح، "العزومة" لفكري داود، "على قيد الحياة" لمها الخواجة، "على مقعد خلف نافذة" لحسين منصور. وبرزت أسماء جديدة: عمرو الرديني، ياسين محمود، سمية عبدالمنعم بالإضافة إلى الراسخين: د. صفاء النجار، منى الشيمي، عفاف السيد، د.عزة بدر.
تمثل الروايات عندي كنزا من المعرفة والمتعة، سأبدأ ب" خطف الحبيب" طالب الرفاعي، عن دار المدي، " ظل الشمس" للكاتب نفسه عن دار الشروق، وقد صدر الكاتب روايته بأبيات دالة من عبدالرحمن الأبنودي، " عرش على الماء "محمد بركة، وكتبت عنها دراسة مطولة، "نقطة نظام" صبحي موسى، عوالمه السردية شديدة الامتاع، "يحيى" للروائية الأردنية سميحة خريس، قابلتها بعمان ودهشت لنوعية الكتابة الفائقة، وهو ما تحقق أيضا في "فستق عبيد"، عندي طباعة القاهرة. " لغة السر" نجوى بركات، "فخاخ الرائحة " للسعودي يوسف المحيميد، "المغزول" عبدالعزيز مشري، قابلته بالدمام وهو كاتب واقعي بأفق تجريبي، "أنت منذ اليوم" لتيسير السبول، رواية قصيرة لكنها شديدة التأثير في المتلقي، "حتما سوف يأتي "شاهيناز الفقي، " حكايات طرح النيل"السيد نجم وهو متخصص في إعداد دراسات قيمة عن أدب الحرب، "سيرة حمى" خالد اليوسف، وهو مشرف على موقع القصة السعودية، "البشروش" رواية تجمع بين السيرة والتوثيق عن مدينة "بورسعيد" للكاتب السيد الخميسي، "الخيط الفضي" جيهان عوض البنا، "المحارم" فكري داود، وهو يعالج بوعي التحولات الاجتماعية في القرية المصرية، ناهيك عن رصد الهجرة، " بونيتا: جريمة اسمها الحب" دعاء البطراوي, "الأستاذ" د. وداد معروف.
أود أن أتوقف هنا لأشدد على فكرة تلح عليّ، وهي أنني بعد عدة قراءات كلاسيكية، أرجع لكتب علامة، منها " تقرير إلى غريكو" لنيكوس كازانتزاكيس،هي سيرة ذاتية مكتوبة بقدر كبير من الشفافية والإحكام.
نواصل: " البيت والنخلة " عفاف طبالة، هي أساسا كاتبة للطفل، " طار فوق عش الخفافيش" د. هيام عبدالهادي، تعيش في أسوان، وأحب كتابات ابراهيم عبدالمجيد، هو فاكهة الرواية العربية، كما أهتم بكل ما يصدره عزت القمحاوي، وعندي له "كتاب الغواية" يصعب تصنيفه، مثل "الأيك" الذي شدني جدا.
أنا أيضا شديد الإعجاب بتحول أحمد فضل شبلول من الشعر إلى الرواية ومن أعماله "الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ"، والكاتب منير عتيبة في " حكايات عزيزة"، ويهمني أن أذكر روايات حجاج أدول النوبي الأصيل، ويوجد روائيون عازفون عن الشهرة مثل مصطفى نصر، سمير المنزلاوي، محسن يونس.
وكان من حسن حظي أن يقع في يدي كتاب فريد في بابه "سلطان الوجد"، للكاتب أحمد الشهاوي، كتابة مضمخة بالمحبة والصدق، يتجسد فيها الحب الصوفي بلغة شعرية.
من الروايات نضيف: "نصف مفقود" سمير عبدالفتاح، "مقام الصبا "محمود عرفات، " الحب وسنينه" سعيد سالم، وقد ناقشت أعمالا للكاتبة ضحى عاصي "صباح19أغسطس "، " القاهرة 104"، أما نورا ناجي فقد قرأت لها" سنوات الجري في المكان"، تكنيك مختلف، ومازال طارق إمام يتحفنا برواياته الملاحقة، منها" ماكيت القاهرة".
الشعر له عندي مكانة، أذكر بعض ما قراته العام الماضي من قديم وحديث، نبدأ بالشعر الفصحى: "سرطان أليف" د. عيد صالح، وقد حاز هذا العام على جائزة التميز لاتحاد الكتاب، "امرأة الوقت" مها العتوم، " أنا بهاء الجسد واكتمالات الدائرة " محمد آدم، "نقوش جنوبية" حسين القباحي، "واحد يمشي بلا أسطورة " أشرف البولاقي، " هذا الذي لا ينتهي" ضياء فريد.
وقد رحل عن عالمنا محمد إبراهيم أبوسنة ومن أول قراءاتي له "قلبي وغازلة الثوب الأزرق"، أسحب بيدي "ديوان كافافيس" ترجمه عن اليونانية الدكتور نعيم عطيه. كم نحن محتاجون إلى الترجمة لأنها بوابتنا لمعرفة العالم: كيف يفكرون؟ كيف يكتبون؟.. أرجع لدواوين: حلمي سالم، جمال القصاص، فتحي عبدالسميع، عزت الطيري.
في شعر العامية:" ست ب100 رافض"ميادة حبيب، " قبل الحقيقة بساعة" هدير عزت،" المجد للسكير" يوسف عزب، وهذا الشاب أراهن عليه، ومعه محمد الجيوشي، أتذكر عودتي الدائمة لديوان محمد كشيك" العشش القديمة ": كما أقرأ باستمتاع" بريزة فضة " ضاحي عبدالسلام. وعلى شبكة التواصل يمتعنا محمود الحلواني كل جمعة بنشر قصائد للراحل يسري زكي، من بورسعيد الشاعر محمد عبدالقادر، ومن المنصورة المجدد سمير الأمير.
قبل رحيله بأشهر قليلة أهداني محمد أبو العلا السلاموني كتابا يضم مسرحيتين" ابن دنيال، والأمير وصال"، "جهاد الفواحش"، يكتب مقدمة تنظيرية مهمة جدا بعنوان" تراث المسرح الذي ظلمته النخبة"، أما زميله يسري الجندي فقد قرأت له" المحاكمة "، عبد الغني داود رحل أيضا، وله اجتهادات مسرحية يعتد بها، الكتاب الثلاثة من دمياط، ومسرحياتهم بحاجة لدراسات مستفيضة.
بسبب ضعف البصر في السنوت الأخيرة قلت قراءاتي النقدية، لكنني أنتهز الفرصة للتذكير بكتابات نقدية سامقة لكل من د.حسين حمودة (دورية نجيب محفوظ)، د. خيري دومة، أ. اعتدال عثمان، د. إبراهيم منصور، د. رشا الفوال، وهنا أشير لكتب من الضروري الاطلاع عليها: " الحكاية الشعبية عند البجا"، دراسة ميدانية للدكتور مسعود شومان، "السرد الخليجي النسوي" للدكتور فهد حسين، صدر بالكويت، "عاطف الطيب.. رائد الواقعية المصرية"، لهاشم النحاس، صدر عن المجلس الأعلى للثقافة، "صور العنف السياسي في الرواية الجزائرية" سعاد عبدالله العنزي، عن دار الفراشة بالكويت، "أفضية الذات، قراءة في اتجاهات السرد القصصي" سيد الوكيل، وفي الدراسات الشعبية " أغانى وألعاب شعبية للأطفال" صفاء عبدالمنعم.
كنت معجبا بروايات وليم فوكنر، فوجدت كتابا مهما، تأليف: أرفنج هاو، ترجمة: سعد عبد العزيز. يناقش رواياته، من أهمها عندي "الصخب والعنف".
هناك كتاب ضروري لكل كاتب: "في مديح الرواية" لبهاء طاهر، وقد أضاف إلى كثيرا، لوجود عنصري الإجادة والتشويق. أما شعبان يوسف صاحب الكتابات التي تجمع بين الذوق الرفيع والتوثيق فقد قرأت له "وجوه أخرى" لفتحي غانم.
حين كنت في الدوحة، أهداني نادي الجسرة الثقافي كتابين ضروريين لكل باحث أدبي: "الفلسفة والسرد" إجناثيوجوميت دي ليانيون، ترجمة أحمد عبداللطيف، " كتاب الانفعالات" أومبرتو جاليمبريتي، ترجمة نجلاء والي، أما الدكتورة هدى النعيمي فقد أهدتني روايتها "زعفرانة"، كذا الدكتور أحمد عبدالملك، رواية "غصن أعوج"، وجدت في مكتبتي كتابا صغيرا يحمل عنوانين" امرأة.. عشق بسيط" للكاتبة آني أرنو، ترجمة هدى حسين. ونحن نعرف حصول الكاتبة على جائزة نوبل.
أحرص على قراءة فصول من "الحرافيش" لنجيب محفوظ، "فساد الأمكنة" لصبري موسى، "السائرون نياما" سعد مكاوي، "نزيف الحجر" إبراهيم الكوني، "الشمندورة" لمحمد خليل قاسم. ثم روايات شديدة الأهمية، منها: "البشموري" سلوى بكر، "مدن السور" هالة البدري، "قمر على سمرقند" محمد المنسي قنديل، "شجو الهديل" جار النبي الحلو، ومن الروايات العظيمة "صخب البحيرة" لمحمد البساطي، ولا تزال أحداث رواية "لا أحد ينام في الإسكندرية " ترن في أذني.
أنهي مختاراتي بالتركيز على قناعاتي في حب القصة القصيرة. مجموعات لابد أن تقرأ: "موت موظف" تشيكوف، "لغة الآي أي" و"أرخص ليالي" يوسف إدريس، "بحيرة المساء" إبراهيم أصلان، "الخطوبة " بهاء طاهر، "مذكرات شاب عاش منذ ألف عام" جمال الغيطاني، وكل مجموعات العلامة د.أحمد الخميسي، وروايات العبقري عبدالحكيم قاسم، أيضا يحيى الطاهر عبد الله، خيري شلبي، محمد مستجاب، عادل عصمت،أشرف العشماوي. لا يمكنني نسيان الروائي أحمد صبري أبوالفتوح، وسيرة عائلة عريقة مكتوبة بفن ومهارة.
أشير إلى الملفات المهمة التي تصدرها مجلة "الثقافة الجديدة" أول كل شهر، يبذل فيها طارق الطاهر جهدا مميزا، وأتابع كتابات سيد محمود بقدر كبير من الغبطة.
بدون ادعاء بالتواضع أختار من مجموعاتي القصصية: "جبل النرجس"، "حمام يطير"، "صندل أحمر"، "المعاطف الرمادية"، " دمى حزينة"، " أتوبيس خط 77"، "مكابدات الطفولة والصبا"، وهي المجموعة القصصية الوحيدة التي صدرت عن بيروت.
أقول: مازلنا بحاجة لقراءة ديستويفسكي، هيجل، كولون ويلسون، البير كامو، فرويد، نيتشه، شكسبير، ميخائيل رومان، نجيب سرور، فبدونهم نكون في متاهة كتلك التي أدخلنا إليها " بورخيس "..