اليوم.. ذكرى رحيل الخديوى إسماعيل "باعث النهضة المصرية"
كتب : خليل زيدان
تحل ذكرى رحيل الخديوى إسماعيل، اليوم الخميس، الرجل الذى أحدث النهضة الحقيقة فى مصر بما أقامه من مشروعات غيرت وجه الحياة فى مصر، وجعلتها فى مصاف الدول الأوربية فى وقت كانت إفريقيا كلها فيه تنام فى ليل عميق.
منح الله مصر رجالاً أحدثوا فيها نهضة مازالت آثارها ممتدة حتى اليوم، رجالاً لم يبتغوا منافع شخصية، كل همهم أن تزدهر مصر التى فى رقابهم والتي سيسألهم الله عنها وعما فعله لها ولأهلها حين اعتلى عرش مصر، والتاريخ يسجل ويصنف الفسدة والمصلحون.
ويعتبر الخديوى إسماعيل من أعظم حكام مصر، وهو خامس حاكم من حكام الأسرة العلوية، عمل على إستكمال نهضة جده محمد على فى مصر وسعى لبناء مصر الحديثة، وهو إبن إبراهيم باشا إبن محمد على، وقد ولد فى القاهرة عام 1830 وأوفده والده لإستكمال تعليمه في فيينا وهو في سن الرابعة عشر لمدة عامين ثم التحق بالبعثة المصرية الخامسة في باريس حيث درس الهندسة والرياضيات والعلوم الطبيعية وأتقن اللغة الفرنسية وتأثر كثيراً بمظاهر الثقافة والعمارة الفرنسية مما كان له الأثر الأكبر في إقامته لتلك المظاهر المعمارية فيما بعد عند توليه حكم مصر.
قبل أن يبدأ إسماعيل في حكم مصر عينه عمه محمد سعيد باشا رئيساً لمجلس الأحكام وأوفده في عدة مهام سياسية أظهرت براعة وذكاء إسماعيل وعاد مزدهياً بالفخر بعد نجاحه في مهامه وهي زيارة للأمبراطور نابليون الثالث والدول الأوربية لزيادة وتوسع أستقلال مصر وظهرت لباقة إسماعيل وأقنع نابليون برغبة التوسع بعد مشاركة مصر مع الحلفاء في حرب القرم وزيارته أيضاً للبابا بيوس التاسع وأيضاً أرسله عمه سعيد باشا إلى السودان لتهدئة الوضاع على رأس جيش تعداده 14 ألف جندي وعاد إسماعيل بعد أن نجح في مهمته ..
بعد أن تولى إسماعيل حكم مصر كانت فى رأسه صور الحداثة والتطور التي رأها في فيينا وفى فرنسا وما شهده بهما من فنون فى العمارة، فسار إسماعيل على نهج جده محمد على باشا وبدأ في بث النهضة التي رأها في أوربا في كل شبر في أرض مصر .. نعم لم تكن الموارد كافية ، لكن أصر إسماعيل أن تواكب مصر التطور الأوربي بأي ثمن حتى لو استدان من الدول الأوربية وهو ما حدث بالفعل في سبيل إقامة نهضة حقيقة ظهرت في الإنتهاء من حفر قناة السويس وهو الشريان العالمي لربط أوربا بإفريقيا ةآسيا وبدول المواد الخام في جنوب شرق آسيا وجعل مصر مركز للتجارة العالمي ، وعند افتتاح القناة أصر إسماعيل على دعوة ملوك الدول الأوربية في حفل أسطوري كان الغرض منه أن يعرف العالم بالحدث الجديد واستغلال الدول الأوربية للقناة مما يدر على مصر أموالاً طائلة ، وأنشأ إسماعيل القصور الفخمة منها قصر عابدين والأبنية ذات الطراز المعماري الأوربي ، واهتم برصف الطرق والشوارع لتصبح تماماً مثل شوارع فرنسا مع أنارتها وإمداد أنابيب المياة في المدن وقام بإنشاء كوبري قصر النيل ، وفي عهده أيضاً شهدت مصر استخدام البريد والبرق وقام بتطوير السكك الحديدية .
علم إسماعيل أن الزراعة هي أساس الموارد في البلاد ، فعمل على زيادة الرقعة الزراعية واهتم بزيادة الأراضي المخصصة لزراعة القطن وحفر الترع اللازمة لإمداد هذه الأراضي بالمياة ومنها ترعة الإبراهيمية وترعة الإسماعيلية ، وأنشأ العديد من المصانع لحلج القطن و19 مصنعاً لتكرير السكر ، واهتم إسماعيل أيضاً بما يدر الدخل للبلاد فأصلح وطور ميناء السويس والأسكندرية وأقام 15 منارة في البحر المتوسط لإنعاش التجارة .. وفي عهد إسماعيل أنشئ أول مجلس للنواب في مصر وسمي مجلس شورى النواب ، ومن خلالها أنشأ مجالس محلية للمعاونة في شئون البلاد ، وقام إسماعيل بتكليف على مبارك بوضع قانون أساسي للتعليم وكلف الحكومة بتحمل نفقة التعليم وأنشأ أول مدرسة لتعليم الفتيات في مصر وهي مدرسة السنية وأنشأ دار الكتب ودار الآثار ، وفي عهده بدأ بزوغ عصر الصحافة فظهرت جريدة الأهرام والوطن ومجلة روضة ، وأنشأ إسماعيل دار الأوبراً الخديوية التي أبهرت الدنيا بجمال تصميمها وهو أول مبنى ثقافي أسطوري، وشهدت مصر أيضاً في عهده نهضة طبية من خلال أقامة إسماعيل لكثير من المستشفيات على الطراز الأوربي لتحسين الحالة الصحية في البلاد ومكافحة الأوبئة وخصوصاً مرض الكوليرا الذي أحل بالبلاد .
وكانت ديون مصر عندما تولى إسماعيل الحكم 11 مليوناً ومائة وستون ألفاً من الجنيهات، إذن كانت مصر مدينة بسبب ما اقترضه عمه محمد سعيد باشا أيام حكمه، واضطر إسماعيل أيضاً للإستدانة لإقامة كل تلك المشروعات العملاقة والنهضة التي رفعت قدر مصر وأوصلتها لركب التقدم في الزراعة والصناعة والثقافة والتعليم والطب والعمارة والفنون ، وهنا استغلت انجلتر ديون مصر لتكون مدخلاً لها لإحتلالها بعد أن تكفلت بالتحدث بإسم المرابين والدئنين لمصر بحجة حفظ حقوقهم وضمان الحصول على أموالهم ، وتحت ضغوط الدول الدائنة استقدمت مصر بعثة بريطانية وخبير فرنسي لحل أزمة الديون وزدات رقابتهم وتدخلهم في الشئون المصرية ، وانتقاماً من إسماعيل وما أحدثه من نهضة في مصر ضغطت الحكومات الأوربية على السلطان العثماني لعزل الخديوي إسماعيل ، رغم أن أسماعيل كان قد استقل بمصر من الحكم العثماني مقابل مزيد من الجزية للسلطان .. وبالفعل تم عزل إسماعيل وكان عليه أن يختار مكاناً آخر يعيش فيه غير مصر فاختار إيطاليا، ومكث في أيطاليا عدة سنوات واستطاع بعدها أن يشترى سراى يقيم فيها مع أسرته.