سوريا.. تاريخ من التراث المعماري الحضاري والفكري
يبقى تراث سوريا المعماري والفكري شاهدًا على أصالة هويتها الثقافية العريقة التي تمتد جذورها على مر العصور، والتي عرفت بتنوعها، وبرزت لدى دول العالم بمعالمها التراثية والحرفية، وغيرها الكثير من الشواهد التي تؤصل لهوية وطنية حقيقية، وفي السطور التالية نستعرض معًا جزء من هذه الثقافات العربية والإسلامية.
دمشق عاصمة الثقافة العربية
تحمل دمشق بين معالمها مقابر الفلاسفة، والشعراء، والفنانين، من جميع أنحاء الوطن العربي على شكل ضريح الفارابي، وضريح الأرسوزي، وقبر ابن عربي، وضريح النابلسي إلى ضريح نزار قباني.
وفي عام 1995 تبنت المجموعة العربية في اليونسكو مشروع إطلاق عاصمة ثقافية عربية وخصت كل عاصمة بسنةٍ تصبح خلالها عاصمة ًللثقافة العربية، وأعلن الأمين العام "دمشق عاصمة للثقافة العربية".
الحديقة البيئية:
وبمحاذاة حارات دمشق القديمة، تقعُ الحديقة البيئية الأولى في سورية، التي تجذب أنظار الزائرين إلى المنطقة بأشجارها ونباتاتها الخضراء، وتدعوك إلى استراحة قصيرة بين ممراتها، للتمتع بهدوئها قبل القيام بجولة في أرجاء المدينة القديمة، وهي الحديقة الوحيدة في سورية التي يمنع التدخين فيها؛ وأنشئت الحديقة عام 2005 ، وضمَّت نباتات البيت الشامي وغوطة دمشق ووادي بردى والجبال المحيطة به، مزروعة في الحديقة، مثل القرنفل والمنتور والمرجان والزنبق البلدي والياسمين والريحان والشمشير، وأشجار الحور والزيتون، وبعض الأشجار المثمرة كالكرز والدراق والتوت والصفصاف، ومحاصيل الخضار كالفول والبازيلا والبندرة والبقدونس والخبيزة والسلق والقمح.. لذلك سميت بالحديقة الشامية.
يحكي تاريخ الحديقة حرم فرعي النهر اللذين يمران في الحديقة في الماضي، كمنطقة للتنزه، وكان فيها مقهى الزعيم حافظ الأسد.
حلب عاصمة الثقافة الإسلامية
ظلت مدينة حلب لأكثر من 25 عامًا عاصمة الثقافة الإسلامية، وفق تصنيف منظمة اليونسكو التي عدتها واحدة من أهم المدن الإسلامية، وإبقاؤها في سجل التراث الإنساني، وذلك لأن المدينة المسورة في حلب هي الأكبر بين المدن في التاريخ الإسلامي،
ولا تزال حلب لأكثر من 10.000 سنة قلب الحياة، فهي المدينة الإسلامية الوحيدة في العالم التي تحمل التراث المعماري المعبر عن فترة واحدة للحضارة الإسلامية ابتداء من المسجد الشعيبي الذي تم بناؤه في القرن السابع الميلادي، من خلال العصر الأموي، والعباسي، والأيوبي والعثماني، وانتهاء لعصرنا الحالي.
وتحتفظ حلب بأطلال وهياكل تغطي كل الفترات، وتتفاوت في وظائفها ومقاصدها لدعم الأنشطة اليومية في كل مرحلة، ومعظمهم ينتمون إلى الحكام والسلاطين الإسلامية، وتحولت قلعة حلب إلى قلعة في القرن الثالث عشر الميلادي بحكم غازي بن صلاح الدين، الذي قاد الحملة لدحر الغزو المغولي.
ويبدو للزائر للمدينة التباين الواضح الذي يميز المساجد في المدينة القديمة والمدينة الجديدة من طريقتهم الرائعة في البناء، وفن الفسيفساء على الجدران والسقوف الخشبية.
وتتمتع حلب بموقعها الاستراتيجي على مفترق الطرق بين القارات الثلاث، لذلك أصبح من الضروري ممر للقوافل التجارية على طول التاريخ. وقد اقترن ذلك مع تحسين المرافق الترفيهية والمرافق العامة مثل الخانات والمطاعم والحمامات العامة والأسواق والصناعة والتي أقيمت في القرن السادس عشر الميلادي لتزويد التجار بقوافل من المواد الأساسية التي تحتاجها للتجارة.
تراث حلب الفكري
لم تقتصر مدينة حلب على التراث المعماري فقط، بل امتدت لتراث فكري غني، حيث يعتبر سيف الله هو خير مثال لإظهار عظمة تراث حلب الأدبي والتراث الفكري والعلمي، وأعظم الشعراء والعلماء على امتداد التاريخ "المتنبي- الفارابي -الأصفهاني -الخوارزمي إلخ.. ".
واعتبرت مدينة حلب خلال العصر الأيوبي لؤلؤة المدن الإسلامية المتعلقة بالتجارة والاقتصاد ومجالات الهندسة المعمارية، والتراث المجيد.
وبكل مدينة إسلامية يجب أن يكون هناك عدة مدارس لتعليم القرآن الكريم والأدب العربي ولا تزال حلب تحمل قيمة هذه المدارس داخل جدرانها العتيقة.
وفي 2006 ومع افتتاح المسجد الأموي الكبير في حلب، توجت حلب "عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2006". وكان افتتاح أعمال ترميم المسجد يوم تاريخي للمدينة، وشهدت حلب خلال هذا العام ثورة ثقافية، لما يزيد على 300 من المحاضرات والندوات مختلفة المواضيع بالإضافة إلى العديد من العروض الفنية للرقص الفلكوري، عرضت طوال السنة للاحتفال بحلب عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2006.
سوق الحرف اليدوية في دمشق
وعلى ذكر الثقافة الشعبية في سوريا لا بد لنا أن نتطرق للحديث عن سوق الحرف اليدوية الدمشقية، والذي يقع في قلب العاصمة دمشق.
محل صياغة فضة
عبر بوابة واسعة يعلوها قوس حجري، يدخل الزائر ليجد مجموعة من المحال الصغيرة، والمتناسقة على صفين متقابلين، متوازيين، بينهما شارع ضيق بعرض ستة أمتار وطول 200 متر تقريباً، يتجه من الغرب إلى الشرق.
ويقع السوق في منطقة القنوات بموازاة مجرى نهر بردى، بجوار التكية السليمانية وخلف مبنى وزارة السياحة، وله مدخلين من التكية نفسها، ومن سوق المكتبات المعروف في حي الحجاز "الحلبوني".
ويحتضن السوق ما يزيد على الخمسين محلاً، يعمل أصحابها في مختلف المهن اليدوية القديمة وأكثر من تسع عشرة حرفة يدوية قديمة في دمشق أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، سوق معروف لدى القاصي والداني داخل وخارج القطر، بما يحويه من أشياء تراثية جميلة تدخل الراحة والسرور في النفس، فخلف كل قطعة صنعتها يد مهنة، وخلف كل مهنة حكاية.
ومن الحرف اليدوية التي ضمها السوق ما يلي..
مصنوعات العجمي
وهي عبارة عن صناعة اللوحات الخشبية الملونة، والتي تزين البيوت الدمشقية القديمة ذات القيمة الفنية والجمالية الرائعة، وعبارة عن زخارف وديكورات شرقية تعتمد على الخشب كمادة أساسية، ويقوم الحرفيون بلصق مادة تركيبية على الخشب تعطيه بروزاً معيناً، لتأتي مرحلة التلوين وغالباً ما تكون الألوان حسب الرغبة.
البروكار الدمشقي
ويصنع البروكار على نول يدوي يتجاوز عمره 190 سنة، وربما كان هو آخر نول ينسج بتركيبته البسيطة أجمل الأقمشة.
كما يضم السوق حرفة الخط العربي، وصياغة الفضيات، والحلي اليدوية، والقيشاني والفسيفساء، والصياغة الذهبية، والحفر على الخشب، والموزاييك، والصدف، وحياكة السجاد، والبسط، والمطرزات الشرقية، والجبصين، والفن التشكيلي، والزجاج المعشق، ومعمل للزجاج، الجلديات، والقش، والعود الشرقي، والفخار والسيراميك.