النوم.. سلطان!
معنى «النوم سلطان» يجد تعبيرًا عنه في النوم المباغت لجندي إسرائيلي أثناء حرب أكتوبر، طالت المعارك، فأخذه النوم من حدة القتال وخوف الأسر، لم يستيقظ إلا على نداء جندي مصري وهو يوقظه!
والحق أن النوم مثل الطعام والحرية والجنس والمرض، والموت أيضًا، كلها ضرورة بيولوجية في حياة الإنسان.
الإنسان يقضي في النوم نحو نصف عمره، وإن كانت هناك فوارق بين النوم الثقيل والنوم الخفيف والإغفاءة وأحلام اليقظة والأحلام والكوابيس والرؤى وإراحة البدن.
غالباً، فأنا أروح في النوم بمجرد أن أهمس: تصبحوا على خير.
مع كثرة الأدوية التي تعاطيتها -وما زلت- فلا أذكر أني استدعيت النوم بالدواء، أضع رأسي على الوسادة، أستعير مقولة عبدالناصر لمن أظهر استغرابه: ضميري مستريح!
النوم هو موت مؤقت. تصحو فتتذكر أحلامًا داخلت نومك، أو تصل لحظتي النوم والصحو، دون أن تشعر بشيء.
النوم الثقيل يعزلني عن كل ما حولي، ومن حولي. أما النوم الخفيف فهو يأتي بالأحلام والكوابيس والرؤى والخيالات.
إله الأحلام في أساطير الإغريق، هو مورفيوس، ابن هبنوس إله النوم، يأتي -عادة- في صورة طفل أغفى في نوم خفيف. الحلم إذن لا يأتي في الاستغراق.
يحدث -أحيانًا- أن تختفي الحدود بين الحلم واليقظة، أتصور أن ما أتذكره قد حدث في الواقع، ثم أتنبه إلى أنه مجرد حلم علق بذاكرتي، فتصورت حدوثه بالفعل.
قرأت عن بورخيس أنه كان ينتظر موعد نومه بتهيؤ ولهفة، اللحظات التي تسبق إغماض العين، لحظات قد تطول، وقد تقصر، لكنها تمثل حالة استثنائية بين اليقظة والنوم، يسميها البعض أحلام اليقظة،
التقطت فيها ما غاب عن ساعات الصحو، وما يصحبها من ميل إلى التأمل والشرود، وساعات النوم، وما ينبثق عنها من الأحلام أو الكوابيس.
كما قلت، فإن الأحلام تغيب في الاستغراق. تزورني الأحلام عندما يخف استغراق النوم، تحول دون عزلة النائم، تخفف من انفراده بنفسه.
ألاحظ أن ما يأتيني فى الأحلام أنساه تمامًا، وما يفاجئني من كوابيس يخلف ملامح مفزعة، وقاسية. الحلم يأتي متسللًا، مواقف متباعدة ومتقاربة، يجمعها مشهد واحد ينتسب إلى الحلم بتحليقه وهمسه. أما الكابوس فإن الاقتحام هو ما يبين في المشاهد القاسية. قد تتصور أن ما تراه حقيقة، تؤكد لنفسك المعنى، وتستغيث، وتصرخ، ثم تكتشف -بصحوك من نفسك، أو بإيقاظك من القريبين- أن ما كنت تعيشه هو كابوس.
الأحلام وسيلة مهمة -بالنسبة لي في الأقل- لاكتشاف ما أعانيه من أعراض طارئة، أو لتبين حاجتي إلى شيء ما، فأنا أصحو على حلم -ولعله كابوس- أجدني فيه خصمًا لأعداء تغيب ملامحهم، أواجه فمًا هائلًا يهم بابتلاعي، ذراعين تطوقان عنقي، أنيابًا متوحشة تنهش لحمي.. إلخ.
يقول العلماء إن الأحلام لا تزور الإنسان في حالة النوم المتقطع أو الخفيف، تأتي في أوقات النوم غير المستغرقة، فإذا استولى النوم على المرء تمامًا، مات موتة صغرى. النوم الثقيل، الغطيط، يسيطر على الجسد تمامًا، لا أحلام ولا كوابيس، ولا أي شيء يصله بالعالم من حوله، حتى تتسلل الأحلام والكوابيس -ربما- قبل أن يتهيأ الجسد للصحو.
لماذا؟ كيف يصدر الأمر؟
علم ذلك عند الله، وربما عند العلماء.
كنت أنشغل بتنفيذ الجريدة ما بين السابعة صباحًا والثانية عشرة ظهر اليوم التالى، أظل واقفًا، أتصور شكل الصفحة، لا أخطط بالقلم الرصاص، فلا وقت إلا لتنفيذ التصور المسبق، أقص "السُّلخ"، وأثبتها في موضعها، وأثبت العناوين حتى تنتهي الصفحة، لأبدأ فى صفحة تالية، ثماني صفحات أكتب معظم موادها، وأراجع بقية المواد، ثم أصحح كل المواد بعد الجمع، وأخلو للتنفيذ، إلى جانبي خطاط يكتب المانشيت والعناوين [لم يكن الكومبيوتر قد أظهر قدراته الرائعة بعد]، فضلًا عن شاب هندي يأتي باحتياجاتنا من خارج الجريدة.
يحل التعب بتقدم الوقت. ألجأ إلى القوة الثانية، أغمض عينيّ، وأظل ساكنًا، حتى أستعيد بعض ما فقدته من قدرة على الأداء، فأعود إلى ما بين يدي، أرنو -بإشفاق- إلى الخطاط فتحي الشال والهندي حسن سكركر في استلقائهما على الأرض، يشي الغطيط المرتفع بالتعب الذي أسلمهما إلى النوم.
يسلمني النوم إلى استغراق عميق، ثم تتداخل الأحلام والكوابيس، يعلو إيقاعها بذهاب الاستغراق، ودنو الصحو، أستيقظ على أقل حركة، حتى لو كانت إضاءة المكان.
النوم مدخل إلى الأحلام. حتى تسمية أحلام اليقظة يصعب أن تحدث في لحظات الوعي الكامل، إنما في تماهي النوم واليقظة. أشرت إلى الظروف التي كتبت في ضوئها قصتي.. هل هي الظروف نفسها التي يتماس فيها النوم والصحو؟، ما يسمى أحلام اليقظة. وحين نفضت رأسي، وجلست إلى المكتب، تبينت أن ما كتبته هو ما تجسد في ذهني، لحظات اختلاط النوم واليقظة. لم أحذف حرفًا، ولا أضفت حرفًا، كأنها قطعة محفوظات كتبتها كما أتذكرها تمامًا.
أولى لحظات النوم، تستغرقني بعمق، تسمى السبات. أفقد الصلة بكل من حولي وما حولي. لا أرى، ولا أسمع، ولا أتكلم طبعًا إلا إذا نطق اللسان في أثناء النوم بما لا أفطن إليه، ولا أعيه. تمر ساعة أو أقل أو أكثر، ثم يشف السبات فيصبح النوم خفيفًا، أنتبه لأقل حركة أو صوت، حتى الضوء المباغت يوقظني، وفي هذه الفترة تأتي الأحلام أو الكوابيس، وجوه وأحداث أنسى معظمها، أو أنساها جميعًا إلا ما يشبه الومضات، أو مد الموج كما سميت رواية لي.
النوم له تأثيراته التي تصيب البعض كالكوابيس، والفزع الليلي، والمشي أثناء النوم، والصرع، والتبول الليلي اللا إرادي، وارتجاع حامض المعدة.. إلخ
أعيش -غالبًا- لحظات الحلم كأني أعيشها بالفعل، هذه هي حياتى، أخوض مناقشات وصراعات ومعارك وعلاقات عاطفية وحسية، يختلط المكان والزمان، يتشابك ما أعرفه بما لا أعرفه، أفعل ما قد لا تأذن قدراتي الذهنية أو الجسدية على فعله. وعند الاستيقاظ، أفاجأ بأني كنت في دنيا غير الدنيا التي أعيشها فعلًا، وأن دنيا الأحلام تختفي حال الاستيقاظ، لا أذكر منها سوى ومضات متباعدة، لا رابط بينها.
مقابلاً لتلك الخاصية التي غيبها تقدم السن، كنت أعتز بأني أستطيع النوم في أي وقت، وفي أي مكان. أخالف من يصعب عليهم النوم إذا بدلوا أماكن نومهم، وإن ظلت معاناتي في عدم النوم في وسائل المواصلات، الطائرة والقطار وأوتوبيس الرحلات. حساسية صدري تبين عن تأثيراتها السلبية بما يزعج الآخرين. مهما يبلغ بي التعب، فإني لا أنام في القطار أو الطائرة، أو أية وسيلة مواصلات، أعرف أن شخيري يزعج الآخرين، أتصور رد الفعل نفسه عندما يعلو حلقي بالشخير. أوصي زوجتي، أو الصديق الذي يجاورني، أن يلكزني إذا سرقني النوم فعلا شخيري. أفضل أن أغالب النوم إلا إذا قهرني، فتلكزنى زوجتي منبهة: نحن لسنا في البيت!
يسلمني النوم إلى استغراق عميق، ثم تتداخل الأحلام والكوابيس، يعلو إيقاعها بذهاب الاستغراق، ودنو الصحو، أستيقظ على أقل حركة، حتى لو كانت إضاءة المكان.
الحلم يأتي متسللًا، مواقف متباعدة ومتقاربة، يجمعها مشهد واحد ينتسب إلى الحلم بتحليقه وهمسه. أما الكابوس فإن الاقتحام هو ما يبين في المشاهد القاسية. قد تتصور أن ما تراه حقيقة، تؤكد لنفسك المعنى، وتستغيث، وتصرخ، ثم تكتشف -بصحوك من نفسك، أو بإيقاظك من القريبين- أن ما كنت تعيشه هو كابوس.
أدرك -أحيانًا- أن ما أعانيه هو كابوس، فأحاول الاستيقاظ منه، أحرك يدي، وأجاهد لفتح عيني، وأصيح، وأصرخ، حتى أصحو، أو يوقظني من يفطن إلى معاناتي.
لست أذكر القائل: النوم موتة صغرى، لكن النوم العميق، المستغرق، هو كذلك بالفعل. ينسب الجزائري عبدالوهاب بن منصور إلى أهل "فتاوة" إيمانهم بأن النوم أخ الموت. الروح -عند النوم- تفارق الإنسان. إن كان في عمره بقية، عادت إلى الجسد، أما إن حان الأجل فإن الجسد يظل على هموده.
يشير الأطباء النفسيون إلى أن الأحلام تأتي المرء في أوقات ما قبل اليقظة، الأوقات التي لا يستغرقه فيها النوم، قد يأخذه النوم، ويعيده بعد أن ينفصل تمامًا عن العالم من حوله، نام وصحا، لا شيء بين النوم والاستيقاظ، ذلك حال من يستغرقهم البنج، لا يشعرون بأي شيء، لا تناوشهم الرؤى إلا قبيل الإفاقة.
اعتدت -من زمن لا أذكره- أن ألجأ -في موعد الصحو- إلى ساعتي البيولوجية، لا أضبط المنبه، ولا أوصي بإيقاظي في وقت محدد. أسلم عينيّ للنوم، يرافقني التوقع بأن أصحو في موعد أريده. أصحو فى الموعد تمامًا، لا محرك، ولا دافع، إلا ما استقر -لحظة التهيؤ للنوم- في داخلي. حتى السهر الطويل لا يعني الاستيقاظ في وقت مغاير لما ألفته. على الرغم من قصر ساعات الصحو أو طولها، فإني أستيقظ في الموعد الذي أريده.
لماذا؟ كيف يصدر الأمر؟
علم ذلك عند الله، وربما عند العلماء.
ساعتي البيولوجية تضبط إيقاع اليوم، تنبهني إلى موعد النوم، تحدد موعد الاستيقاظ. هي ساعة مجازية، بديهي أنها ليست ساعة بأرقام وعقارب ورنين داخل الرأس، وإن حددها التعريف العلمي بأنها مجموعة خلايا عصبية في المخ، تتأثر بما يحيط بها من ضوء أو ضجيج أو عوامل نفسية ضاغطة.
الساعة البيولوجية -في تقدير- أقرب إلى الحدس داخل النفس. وربما ارتبط أداء الساعة البيولوجية، وانتظام إيقاعها، بعوامل خارجية، مثل تناول الشاى والقهوة والمهدئات والمكيفات، فضلاً عن تعود السهر، أو تعود النوم المبكر.
لاحظت -في نفسي- أن الخلود إلى النوم هو الوسيلة الأسهل للفرار من المشكلات التي تطرأ على حياتي، بصرف النظر عن نوعية تلك المشكلات. قد تكون إرهاقًا، أو عارضًا صحيًا، أو مشاعر سلبية ملحة. ألوذ بالفراش، أضع رأسي على الوسادة، وأنام، أجد الملاذ في النوم، ساعة أو ساعتين، وربما إلى الصباح، أصحو على السكينة، كأن شيئًا لم يكن.
استمعت إلى التحذيرات بأن النوم في حال الغضب، أو الحزن، قد يؤذي المرء في صحته، لكنني اعتدت الفرار -أعترف!- من تفاقم اللحظات القاسية بالتوجه إلى النوم.
قبل أن يفرض تقدم السن تأثيراته، كنت أهمل النوم ساعات طويلة. أخلو لعمل ما، فأهبه وقت الصحو والنوم في آن، أيام عملي في جريدة "الوطن" العمانية [رويت لك في موضع آخر عن قيامي بعمل مدير التحرير والمحررين والسعاة!].
كنت أنشغل بتنفيذ الجريدة ما بين السابعة صباحًا والثانية عشرة ظهر اليوم التالي، أظل واقفًا، أتصور شكل الصفحة، لا أخطط بالقلم الرصاص، فلا وقت إلا لتنفيذ التصور المسبق، أقص "السُّلخ"، وأثبتها في موضعها، وأثبت العناوين حتى تنتهي الصفحة، لأبدأ في صفحة تالية، ثماني صفحات أكتب معظم موادها، وأراجع بقية المواد، ثم أصحح كل المواد بعد الجمع، وأخلو للتنفيذ، إلى جانبي خطاط يكتب المانشيت والعناوين [لم يكن الكومبيوتر قد أظهر قدراته الرائعة بعد]، فضلًا عن شاب هندي يأتى باحتياجاتنا من خارج الجريدة.
*
الحلم يأتي متسللًا، مواقف متباعدة ومتقاربة، يجمعها مشهد واحد ينتسب إلى الحلم بتحليقه وهمسه. أما الكابوس فإن الاقتحام هو ما يبين فى المشاهد القاسية. قد تتصور أن ما تراه حقيقة، تؤكد لنفسك المعنى، وتستغيث، وتصرخ، ثم تكتشف -بصحوك من نفسك، أو بإيقاظك من القريبين- أن ما كنت تعيشه هو كابوس.
أما الكوابيس، فإن تأثيراتها تظل في وعيى لا تفارقه. يحل الكابوس بلا ممهدات تسبقه. يقف الكائن الغريب فوق رأسي، أو تبدأ الحيوانات المفترسة في نهش جسدى، أو يجتذبني البحر فى أعماقه. أصحو منتفضًا، أو توقظني زوجتي:
- كنت تصرخ.
مناسبة الكوابيس هى لحظات الفشل والإخفاق والحزن والقلق والخوف، ما أكون عليه ينعكس في الكوابيس التي تقتحمني. وحين عانت الست نجاة أزمة المواجهة مع زوج الابنة رامي في "البحر أمامها" فقد كانت انعكاسات تلك المعاناة في الكوابيس التي لا يبددها الصحو.
مقابلاً لتلك الخاصية التي غيبها تقدم السن، كنت أعتز بأني أستطيع النوم في أى وقت، وفي أي مكان. أخالف من يصعب عليهم النوم إذا بدلوا أماكن نومهم، وإن ظلت معاناتي في عدم النوم في وسائل المواصلات، الطائرة والقطار وأوتوبيس الرحلات. حساسية صدري تبين عن تأثيراتها السلبية بما يزعج الآخرين. مهما يبلغ بي التعب، فإني لا أنام في القطار أو الطائرة، أو أية وسيلة مواصلات، أعرف أن شخيري يزعج الآخرين، أتصور رد الفعل نفسه عندما يعلو حلقي بالشخير. أوصي زوجتي، أو الصديق الذي يجاورني، أن يلكزني، إذا سرقني النوم فعلا شخيري. أفضل أن أغالب النوم إلا إذا قهرني، فتلكزني زوجتي منبهة: نحن لسنا فى البيت!
اعتادت أنغام شخيري!
كنا -يوسف الشارونى وأنا- نتحاور في الطائرة المتجهة إلى دمشق. كنت أقاوم رغبة هائلة في النوم، وإن حاولت المتابعة ما وسعني. صحوت على الإشفاق في عيني الشاروني:
- نمت وأنا أكلمك، فتركتك!
حتى الآن، فإني أستطيع استجلاب النوم، ولو للفرار مما يضايقنى، أو طلباً للتركيز، كي أعود إلى الكتابة بذهن أشد صفاء، أروح في النوم بالفعل، وأصحو أشد قدرة على الأداء.
تصبحي على خير، يتبع هذه العبارة التي أتجه بها لزوجتي نوم مستغرق، يؤكده غطيط لا أسمعه بالطبع، وإن افتقدته زوجتي حين يسود الصمت!
ألاحظ كذلك - منذ بدأ تقدم العمر يحدث تأثيراته السلبية - أني أستيقظ - أحيانًا - على تعب شديد يحل بجسدي. أخذت كفايتي من النوم، لكن الإرهاق يتملكني، ربما من دوامة الأحلام والكوابيس التي تسبق الاستيقاظ. كأني أسلمت جسدي للتعب لا للراحة، للحساسية، أو الربو تأثيرات تنعكس على النوم، كتمة النفس تدفعني إلى الصحو، ألجا إلى أدوية الحساسية والمسكنات حتى تهدأ الأزمة، فأعود إلى السرير، وربما صحوت على ارتجاع المريء، فأجرع حبة لمنع الحموضة. وثمة الكوابيس، والفزع الليلي، والمشي أثناء النوم، والصرع، والتبول الليلي اللا إرادي، والارتجاع.. إلخ
لا أعرف السير أثناء النوم، لم يحدث معي، ولا عرفته في آخرين، وإن شاهدته في العديد من الأعمال الدرامية. أذكر مرة واحدة، صحوت على نداء زوجتي، رنوت إليها فوق السرير، وأنا ممدد على الأرض، أدركت أن الأحلام التي لا أذكرها -ولعلها كوابيس- دفعتني إلى السقوط،
كيف؟
لا أعرف، وإن صعدت على السرير، وواصلت النوم.
زوجتي تسألني: مع من كنت تتكلم في النوم؟
أصمت عن الإجابة لأني لا أملك إجابة!.. وربما صحوت منتفضًا، أحاول التخلص من عناق الكابوس!
للنوم أوقاته التي تختلف بين شخص وآخر، لا شأن لتقدم السن بحرص الكثيرين أو الليل، والاستيقاظ أول النهار، وثمة من يحرصون على نوم القيلولة، ومن يجدون فيه عادة شرقية لا معنى لها، وتتراوح ساعات النوم ما بين أكثر من عشر ساعات، وأقل من خمس ساعات، وحسب روايات منسوبة إلى أصحابها، فقد كان نابليون يكتفي بالنوم أربع ساعات في اليوم، وكانت مارجريت تاتشر تنام خمس ساعات، وثمة من ينامون عند الفجر، ويستيقظون في العصر. وكما يرى مولود فرعون، فإن النوم له عدة طرق: النوم الثقيل الذي يعقب التمدد على الفراش، الراحة الهادئة التي ترافق الصحة، الغفوة المؤلمة الملازمة للمرضى.
قلة النوم -في تقدير بعض العلماء- تسبب تدنيًا في متوسط الأعمار، بينما أثبتت دراسات لعلماء الصين أن سر طول العمر يرتبط بالحصول على قسط وافر من النوم، وأن احتمالات زيادة ساعات النوم لعشر ساعات أو أكثر -بما فيها نوم القليلولة- تزيد بين من جاوزوا المائة عام.
أحياناً، أميل إلى النوم على فترات، تأخذني القراءة والكتابة، حتى أشعر بحاجتي إلى الراحة، فأتوجه إلى السرير، ثم أعود إلى ما كان يشغلني، ويتكرر الأمر بتوالي الأيام، لا يغيب إلا في أوقات سفري خارج مصر. لكنني -عمومًا- أميل إلى السهر حتى الساعات الأولى من الصباح، وأصحو في التاسعة تمامًا، توقظني الساعة البيولوجية، ربما أتكاسل فأطيل الرقاد، تأخذني أحلام اليقظة، أو أكتفي بالتحديق في السقف.
الأرق مشكلة لها سبب أحيانًا، وبلا سبب في معظم الأحيان. يحل على الذهن ما واجهه من مشكلات اليوم، يستعيد ما حدث، يقلّب الأوراق والتصرفات، يقرأ ما فى السطور، وما بينها، يحاول التوصل إلى التفسيرات. قد تنشأ المشكلة بلا سبب، لا نهاية لكر الخيط، اختلاط صور ومواقف وملامح وقسمات، حتى أجد الصحو فرارًا مما أعانيه. أذكر قصة لحمدي الكنيسي -شغله التلهف على المناصب القيادية عن إبداعه الجميل- طال ابتعاد النوم عن عيني الرجل، فلجأ إلى طريقة العد من واحد إلى حيث يأخذه النوم!
يجد الأطباء فى النوم علاجاً للكثير من الأمراض، مقابلًا لما ذكره عمر الخيام في رباعياته من أن النوم لم يطل عمرًا، ولا قصّر في الأعمار طول السهر.. لكن عدم النوم، أو الحرمان منه، لفترات طويلة -في نصيحة الأطباء- ينعكس على تصرفات المرء، فيداخلها توتر، وغياب للانضباط، والاستثارة لأقل سبب، أو بلا سبب، وضعف الذاكرة، وقلة الانتباه.
ومن نصائح الأطباء ألا يذهب المرء إلى النوم وهو متعكر المزاج، وكانت نصيحة صديقي الدكتور فؤاد البدرى ألا أغمض عيني قبل أن أشاهد فيلما لعبدالفتاح القصري، بمعنى أن أشاهد فيلمًا كوميديًا يدخل الانبساط إلى نفسي. إذا نام المرء في حالة مزاجية متعكرة فقد تنعكس تأثيراتها أمراضًا عضوية، كارتفاع ضغط الدم، أو زيادة ضربات القلب، وغيرها.
تجربتي مغايرة لهذه النصيحة، فأنا أفر -كما قلت- إلى النوم من التوتر والانفعال، أشعر أن النوم هو الملاذ الذي يعيدنى إلى نفسي. أنام وقتًا، ربما كان قصيرًا للغاية، أصحو خالي الذهن من كل ما كان يشغلني.