«صبورًا لا يفوته شيء»| جرجي زيدان كما لم تعرفه من قبل.. ماذا قال ابنه عنه؟
تحل اليوم ذكرى ميلاد أمير الرواية التاريخية ومؤسس دار الهلال، الأديب اللبناني الكبير جرجي زيدان، بجانب كونه أديبًا استثنائيًا، كان أيضًا أبًا استثنائيًا، لم يكن مجرد أب تقليدي، بل كان شخصية ملهمة بفهمه العميق وأخلاقه الرفيعة، كان يتمتع بسعة صدر وصبر لا نظير لهما، وحرص دائم على تربية أبنائه تربية استقلالية.
وصفه ابنه إميل زيدان في مقالة نشرت في مجلة الهلال بتاريخ 1 نوفمبر 1914، قائلًا: لا تنتظر مني أيها القارئ أن أسرد عليك نعوتًا مبتذلة لوصف أبوة الفقيد، فلست بقائل إنه كان محبًا حنونًا شفوقًا مضحيًا بنفسه ونحو ذلك من الصفات التي لعلك قرأتها من العنوان وحده، كلا.. فإني أغنيك عن سماع المبتذل بذكر بعض أطواره ولعلها أبلغ من كل ما يقال في هذا المعنى.
أوضح إميل زيدان أنه كلما فكر في أخلاق والده، تمثلت له سعة صدره قبل سائر صفاته، فقد كان صبورًا لا يفوته شيء من واجباته صغيرًا كان أو كبيرًا، وكثيرًا ما سمعه يردد القول المعروف: "أعقل الناس أعذرهم للناس".
وأشار إميل زيدان إلى أن تربية والده لأولاده كانت تربية استقلالية، فمنذ الثانية عشرة، شعر إميل أن والده يعامله معاملة الرجال، فكان له صديقًا وأبًا في آن واحد، ولم يستحِ قط أن يفتح له صدره في ساعة الضيق ويشكو له متاعبه.
أكد إميل زيدان أن والده كان يصغي لأبنائه بكل لذة ويظهر الاهتمام لآرائهم، وإن كان ما يقولونه خاليًا من المعنى أحيانًا، ولكن ذلك كان يزيد من ثقتهم بأنفسهم، وقلما اعترضهم في سلوكهم ومعتقداتهم وآرائهم، كان يباحثهم كأنهم زملاء له ويناقشهم في سلوكهم ويظهر لهم الطريق الصحيح، ولا يذكر إميل أنه لجأ مرة إلى الكلام الخشن.
وأضاف إميل زيدان أن والده كان إذا رأى أحدًا من ذويه في ضيق أو كرب، أقبل عليه يرضيه ويخفف ما به، باذلًا كل ما في وسعه لهذه الغاية، كان يقلل من النصائح والإرشادات، مفضلًا أن يجعل سلوكه الشخصي مثالًا لأولاده - ونعم المثال.