فاسيلي كاندينسكي.. مطور الفن التجريدي «أمير الروح»
أحد أشهر فناني القرن العشرين، اكتشافاته في مجال الفن التجريدي جعلته واحدا من أهم المبتكرين والمجددين في الفن الحديث، في كلتا الحالتين، كفنان وباحث نظري لعب دورا مهما جدا في تطور الفن التجريدي، وهو ممهد الطريق للمذهب التعبيري - التجريدي، حيث أصبح هذا المذهب مدرسة الرسم المهيمنة والسائدة منذ ذلك الوقت، وفترة الحرب العالمية الثانية وما بعدها، وأطلق عليه أصحابه لقب «أمير الروح» و«الفارس»، إنه الفنان الروسي «فاسيلي كاندينسكي».
ويعد «فاسيلي كاندينسكي» من أعظم المؤثرين في الحركة الفنية بين أبناء جيله، وفي القرن العشرين، وهو أحد الرواد الأوائل للمبدأ اللاتصويري أو اللاتمثيلي، مبدأ «التجريدية الصافية»، وتنسب إليه «جائزة كاندينسكي للفنون»، ومن أشهر تصاميمه «كرسي كاندينسكي » الذي أخذ طابع مدرسة «باوهاوس» في ألمانيا.
البداية.. الحياة المهنية
ولد فاسيلي كاندينسكي في 16 ديسمبر 1866م في موسكو، وعمل في مطلع شبابه لدى إحدى الشركات التي تولَّتْ أعمال الإحصاء في المقاطعات القروية والفلاحية أنجز مهمَّته في إعداد دراسة وإحصاء عن الفلاحين في مقاطعة فلوغدا بنجاح كبير، مما أهَّله لأن يصبح أحد أعضاء الهيئة الإدارية لتلك الشركة، و ساعده هذا النجاح على متابعة دراسته الأكاديمية.
في السنة 1892، اجتاز «كاندينسكي» الامتحانات النهائية في كلِّية الحقوق دون عناء يُذكَر وحينذاك التقى الفنان «كاندينسكي» مع آنية تشمياكين، التي كانت تدرس في القسم الخارجي من نفس الجامعة، وتزوَّج منها.
مع نهاية القرن التاسع عشر، وجد «كاندينسكي» نفسه أمام خيارين مصيريين: إما أن يتابع مسيرته الأكاديمية كأستاذ في جامعة Tartu، أو يكرس حياته بالكامل للفن الذي كان ينبض في أعماقه. تأثره العميق بلوحة «كومة القش» لكلود مونيه خلال معرض الانطباعيين في موسكو، واستماعه إلى موسيقى فاجنر في المسرح الإمبراطوري الروسي، شكّلا لحظتين فارقتين في حياته، هاتان التجربتان حرّكتا إحساسه الإبداعي ورسّختا إيمانه بأن الفن هو قدره الحقيقي.
لم يتردد«كاندينسكي» وكان حينها يقترب من الثلاثين من عمره، في التخلي عن المسار الأكاديمي والانطلاق في رحلة الفن التشكيلي، التي جعلته أحد أبرز رواد الفن التجريدي في القرن العشرين.
هاجر «كاندينسكي إلى ألمانيا سنة 1896 ليستقر في ميونخ التي درس في أكاديمة الفنون الجميلة فيها، ثم عاد إلى موسكو بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914م، ودرس «كاندينسكي» الفن في مدرسة مالينكس للفنون التي أسست آنذاك في ميونيخ، وكان أحد تلامذته في ذلك الوقت، غابرييل مونتز والذي أصبح رفيقه في الفن سنوات عديدة.
رحلة فنية في إيطاليا وشمال إفريقيا
قدم «كاندينسكي» رسوماته ولوحاتاه بالأسلوب الطبيعي، وأقام أول عرض للوحاته سنة 1902 في معرض منفصل وكانت أعمال نحت على الخشب، و في الفترة 1904 بدأ رحلة فنية واطلاع واستكشاف عامة إلى إيطاليا، هولندا، شمال أفريقيا، ثم عاد إلى روسيا في زيارة قصيرة، بعدها اقام معرضا لاعماله في « صالون الخريف » ..Salon d' automn » في باريس.
في الفترة 1904 - 1909 انتخب «كاندينسكي» رئيسا لتجمع فني تاسس وقتها ودعي بـ « مجموعة ميونيخ الحديثة - « NKVM»، بداية التغير وتطور طبيعة الرسم خلال رحلة قصيرة إلى باريس عام 1909.
لوحات الطباعة على الخشب
اعتمد «كاندينسكي» في ميونخ على تبسيط الشيء، فرسم بواسطة «طباعة الخشب» الكثير من الأعمال الغرافيكية والتصاميم الخطوطية، على الرغم من أنه كان محاطًا بحركة فنية اتصفت بـ «المحافظة والنظرة البرجوازية وضيق الأفق»، على حدِّ تعبيره، و رأى أن هناك خضوعًا نصف أكاديميٍّ مسيطِرًا عليها.
وأنجز «كاندينسكي» في تلك الأيام بواسطة طباعة الخشب لوحة «المغنية» ذات اللونين 1903م؛ و تميزت بتلك الخطوط الطولانية العمودية التي تشابهت وخطوط أسطر النوتة الموسيقية، وكان مردَّ ذلك إيمانُه العميق بتواصل الموسيقى مع الرسم، وهو يفسِّر هذا التواصل بأنه يحدث من خلال علاقة تفرُّس ما بين المتلقِّي واللوحة بألوانها وتشكيلها الكلِّي، وتُعتبَر لوحة «المغنية» إقرارًا وثائقيًّا بهذا الإيمان المطلق.
تأسيس جماعة «الفارس الأزرق»
أسَّس«كاندينسكي» مع صديقه «فرانتس مارك» ، مع حلول العام 1911، حركة تشكيلية جديدة عُرِفَتْ بجماعة «الفارس الأزرق» ؛ ويعود ذلك اللقب إلى أن كليهما أحبَّ استخدام اللون الأزرق في أعماله، إضافة إلى شَغَفِ مارك» برسم الخيول وشغف كاندينسكي برسم الفرسان.
فرنسا.. آخر الرحلة والرحيل
انضم «كاندينسكي» عام 1921 في ألمانيا إلى مدرسة «باوهاوس» الفنية والمعمارية، إلى أن أغلقت من قبل النازيين عام 1933، فانتقل بعدها إلى فرنسا ليعيش بقية حياته فيها بعد أن أصبح مواطنا فرنسيًا في 1939م.
وعاش الفارس الفنان التشكيلي المجدد «كاندينسكي» في فرنسا حتى رحل عن عالمنا في بلدية نويي سور سين، الفرنسية في إقليم هوت دو سين، في 13 ديسمبر عام 1944م عن عمر ناهز الـ 78 عامًا.