رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أدباء نوبل | «طاغور».. منارة الهند وشاعرها الحكيم

16-12-2024 | 21:24


طاغور

همت مصطفى

جائزة «نوبل»، هي أشهر الجوائز العالمية في حقول الإبداع والخلق والابتكار المتنوعة، وعقب نيل الجائزة للفائزين بها يتعرف عليهم العالم أكثر ويحظون بشهرة واسعة عبر قارات العالم كله، مما يدفع بنا للبحث عن رحلتهم ومسيرتهم، وإسهاماتهم للبشرية وتنميتها وتطورها.

ومع قسم الثقافة ببوابة «دار الهلال»، نحتفي معًا بحاصدي جائزة نوبل في الآداب لنسطر بعضًا من تاريخ إبداعاتهم ورحلتهم، من عقود كثيرة منذ بداية القرن بداية القرن العشرين، منح الجائزة لأول مرة في عام 1901م، في فروع الكيمياء والأدب والسلام والفيزياء وعلم وظائف الأعضاء أو الطب.

نلتقى اليوم مع  شاعر الهند  «روبندرونات طاغور»

 واحد من الشخصيات البارزة في القرن العشرين وكان يحظى بالهتافات والتصفيق على كامل مساحة الهند، حيث هُتف له أحيانًا «جيوروديف» أو شاعر الشعراء،  وأحدث تغيرًا مهمًا في الثقافة الهندية السائدة وقفزة نوعية في الارتقاء بالعادات والتقاليد في المجتمعات الهندية، ليصبح أيقونة عالمية، إنه الفيلسوف والشاعر الهندي روبندرونات طاغور

ومن خلال رواياته وقصصه كاملة التألق وبراعته الشعرية كون انطباع لا يمحى في عقول قراءه، حيث قام بإنتاج عمل ذو هيكلية استثنائية تمكنت من تغيير وجه الأدب الهندي، فلم يكن مجرد شاعر أو مبشر هندي، حيث بعد عقود من الزمن على  رحيله  لا يزال «طاغور»  الأشبه بالقديس حيًّا من خلال أعماله و في قلوب أهل البنغال الذين لن ينسو فضله في إغناء تراثهم.

بداية الرحلة 

ولد روبندرونات طاغور، في كالكوتا في الهند في السابع من مايو عام 1861م، كان الطفل الأصغر بين ثلاثة عشر طفلًا، وكان والده فيلسوفًا هندوسيًا عظيمًا وواحدًا من مؤسسي الحركة الدينية «براهمو ساماج»، ولقب « طاغور» بـ« رابي».

وتوفيت والدة «طاغور»، وهو لايزال صغير جدًا، وبسبب غياب والده معظم الوقت نشأ عند أقاربه المحليين، ورافق « طاغور» والده وهو في الحادية عشرة من عمره في رحلة عبر الهند، وخلال هذه الرحلة قرأ أعمال الكثير من الكتاب المشاهير من بينهم «كاليداسا»  وهو  شاعر  كلاسيكي سنسكريتي مشهور « السنسكريتية هي لغة قديمة في الهند»، عندما عاد نظم شعرًا طويلًا بنمط المايثيلي وذلك عام 1877م.

السفر إلى إنجلترا

وانتقل «طاغور» عام 1878م إلى مدينة برايتون إيست ساسكس،  في جنوب شرق  إنجاترا، ليدرس القانون، وارتاد جامعة لندن لبعض الوقت، بعدها بدأ بدراسة مؤلفات شكسبير، وعاد «طاغور» إلى البنغال، بالقرب من بلاده، عام 1880م من دون شهادة، وكله أمل بالمزج بين التقاليد الأوروبية والبنغالية في مؤلفاته الأدبية، وكتب عام 1882م، واحدة من أشهر أشعاره المعروفة باسم «Nirjharer Swapnabhanga».

حياة عائلية أليمة لـشاعر الهند  

تزوج «طاغور» وهو في الثانية والعشرين من عمره، من «مريناليني» ديفي عام 1883م، وكانت «كادامباري» إحدى أخوات زوجته ومن أكثر الأصدقاء المقربين إليه، وبانتحارها عام 1884، أثر ذلك كثيرًا عليه، فترك دروسه في المدرسة، وأمضى وقته في السباحة في نهر الغانج و الترحال عبر التلال.

أحبته زوجته بشدة فغمرت حياتهما سعادة وسرور، فخاض معها في أعماق الحب الذي دعا إلى الإيمان القوي به في ديوانه «بستاني الحب»، وأنجب «طاغور» خمسة أولاد، وتوفيت زوجته عام 1902موهي في مقتبل العمر،  وازداد حزنه بعد خسارته لاثنين من أطفاله هما ابنته «رينوكا» عام 1903م وابنه «ساميندراناث» عام1907م.

رحلة وإنجازات طاغور
كتب «طاغور» قصيدته الأولى في سن الثامنة، وكره نظام التعليم المنظن وانقطع عن الكلية بسبب الاحباط، وفي أثناء زيارته لممتلكات أجداده في شيلداها عام 1890م أصدر مجموعته الشعرية «ماناسي»، وكانت الفترة بين عامي 1891 1895م مثمرة من خلال كتابته لثلاثة مجموعات من القصص القصيرة «غالباغوشا» 

انتقل «طاغور» عام 1901م إلى شانتينيكيتان حيث ألف «نيفديا» التي تم نشرها عام 1901م إإضافة إلى «خيا» ونشرت  1906م، وبمرور الوقت تم نشر الكثير من مؤلفاته، واكتسب شهرة كبيرة بين البنغاليين.

 ذهب «طاغور» عام 1912م،  إلى انجلترا مصطحبًا معه مجموعة من  مؤلفاته المترجمة، و عرضها على مجموعة من أشهر الكتاب في تلك الحقبة من بينهم.. «الشاعر والكاتب المسرحي ويليام بوتلر ييتس، الشاعر والناقد الأمريكي إزرا باوند، الصحفي والشاعر روبرت بريدجز والكاتب أرنست ريز والشاعر والفنان توماس ستيرج مور».

جائزة نوبل .. لعذوبة شعره وبراعته

وزادت وتضاعفت شهرة «طاغور» بعد ذلك في الدول  المتحدثة بالإنجليزية، بعد نشره «جيتانجيلي» عروض الأغاني وبعدها حصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1913م، وجاء في تقرير لجنة الجائزة أنه حصل عليها «بسبب آية شعره الحسّية والعذبة والجميلة جدا، والتي من خلالها، بمهارة بارعة، قد جعل فكره الشعري، معبرًا عنه في كلماته الإنجليزية الخاصة، وهو جزء من أدب الغرب».

 

ونال «طاغور» لقب الفارس من قبل المملكة البريطانية عام1915، وتخلى عنه بعد مجزرة «جاليانوالا باغ» في 30 مايو 1919م، وأمضى «طاغور» الفترة بين مايو 1916 وأبريل 1917م متنقلًا بين اليابان والولايات المتحد حيث كان يعطي المحاضرات حول القومية وعن الشخصية.

 «طاغور» رحالة حول العالم 

قام «طاغور» بين عامي 1920 و 1930 برحلات مكثفة حول العالم منها إلى أمريكا اللاتينية وأوروبا جنوب شرق آسيا، وخلال جولاته المتعددة حصد العديد من المتابعين وعدد لا متناهي من المعجبين.

 «طاغور».. منتقدًا للإمبرالية

كانت النظرة السياسية لـ  «طاغور» غامضة بعض الشيء، وبالرغم من أنه كان ينتقد الإمبريالية إلا أنه كان يؤيد بقاء الإدارة البريطانية للهند، انتقد «حركة سواديشي» من قبل المهاتما غاندي في مقاله «عبادة الشاكرا» الذي نشر سبتمبر 1925، و آمن أن هنالك إمكانية للتعايش بين الهنود والبريطانيين، وقد أعلن أن الحكم البريطاني للهند «علامة سياسية على أمراضنا الاجتماعية».

التحرر الفكري

لم يدعم «طاغور»  أبدًا فكرة القومية وقد اعتبرها واحدة من أبرز التحديات التي تواجه البشرية حيث قال مرّةً: «القومية هي وجهة نظر يتبناها كامل الشعب عندما ينظم من أجل هدف عملي»، وأحيانًا كان يدعم حركة التحرر الهندية، وكانت وجهة نظره عن تحرر الهند لا تستند إلى التحرر عن الحكم الأجنبي وإنما من خلال التحرر الفكري لأبناء الهند.

وكان «طاغور» مشهورًا كشاعر إلا أنه كتب العديد من القصص القصيرة والروايات بالإضافة إلى المقالات والرسم، قدمت قصائده وأشعاره وأغانيه وقصصه ورواياته نظرة عميقة لمجتمعه الذي انتشرت في الأفكار والمبادئ الدينية والاجتماعية كما انتشرت فيه العادات السيئة كزواج الأطفال، أدان فكرة وجود مجتمع تهيمن عليه الذكور، وذلك من خلال إظهاره لبعض الجوانب الحساسة والخفية في الأنثى التي كانت خاضعة لعدم اكتراث الذكور.

والتقى «طاغور» بأكثر علماء العالم شهرة «أينشتاين» ظل على اتصال  به من خلال الرسائل، لحن أكثر من 2000 أغنية، كان كثير الترحال، حيث زار أكثر من 30 بلد في خمس قارات.

وعند قراءة أحد مؤلفات «طاغور» وأيًا كان منها سوف يمر من خلاله على أحد المواضيع الشائعة مثلًا الطبيعة، فقد نشأ كطفل في أحضان الطبيعة مما أدى إلى تحرير عقله وروحة وجسده من العادات المجتمعية النموذجية السائدة في تلك الفترة، وبالرغم من تأثره الشديد بالطبيعة إلا أنه لم يبتعد عن تناول حقائق الحياة القاسية وطبيعة المجتمع من حوله كما وزن وانتقد العادات السائدة والأعراف الجامدة التي كانت تعاني منها الأرثوذوكسية، حيث كان انتقاده لعقائد المجتمع الموضوع الأساسي في معظم مؤلفاته

كون «طاغور» انطباع لا يمحى في عقول قراءه، حيث قام بإنتاج عمل ذو هيكلية استثنائية تمكنت من تغيير وجه الأدب الهندي، لم يكن مجرد شاعر أو مبشر هندي، حيث بعد عقود من الزمن على وفاته لا يزال هذا الرجل الأشبه بالقديس حيًّا من خلال أعماله و في قلوب أهل البنغال الذين لن ينسو فضله في إغناء تراثهم.

لقد كان أكثر الشعراء الهنود إثارةً للعجب والذي قدم الثقافة الهندية الغنية إلى الغرب وأول شخص غير أوروبي ينال جائزة نوبل.

أشهر أقوال طاغور
من أشهر أقوال «طاغور».. «هو أمر بسيط أن تكون سعيدًا، لكنه من الصعب أن تكون بسيطًا»،  «أي شيء يأتي إلينا سوف يصبح لنا إذا ما خلقنا له مساحة كافية لاستقباله» «إذا بكيت لأن الشمس غادرت حياتك فإن الدموع ستمنعك من رؤية النجوم»، «لا تقيد الطفل بتعليمك الشخصي، فقد ولد في زمن مختلف» ، «الخطأ هو خطأ عندما يكون لديك حرية الاختيار».

رحيل وأثر باق 


أصبح «طاغور» ضعيفًا جسديًا في السنوات الأخيرة من حياته،  ورحل عن عالمنا  في السابع  أغسطس عام 1941م،  وهو في الثمانين من العمر، لكنه رغم رحيه فظل صاحب  أثّر كبير ومهم  على جيل كامل من الأدباء والكتاب حول العالم، حيث أن تأثيره يتجاوز حدود البنغال والهند، ترجمت أعماله إلى عدة لغات مثل الإنجليزية والهولندية والألمانية والإسبانية وغيرها.