أمين الرافعي.. رائد الصحافة والحركة الوطنية في مصر
واحد رمن رواد الصحافة والحركة الوطنية، وكان كاتبًا سياسيًّا عظيمًا، وكان في الصحفيين السياسيين يعدُّ مثالًا عاليًا، لطهارة الذمة ونبل الغاية ونزاهة الضمير، وله في تمسُّكه برأيه وصلابته على الحق الذي يعتقده مواقف تضحية، لا يصبر عليها إلا من وطَّن نفسه على احتمال جميع مكاره الحياة، وقد وقف حياتَه منذ نشأته على خدمة القضية المصرية، وظل مجاهدًا في سبيل استقلال مصر إنه الصحفي والسياسي أمين الرافعي.
الميلاد والنشأة
أمين الرافعي، سوري الأصل، من أهل طرابلس الشام، لكنه مصري الميلاد والنشأة والهوى، حيث ولد في عام 1886م / 1303هـ بالزقازيق، وتلقى مراحلى تعليمه الأولى بمدينة الزقازيق في محافظة الشرقية، ثم أكمل تعليمه بالإسكندرية، حيث تولى والده الإفتاء في الإسكندرية، ثم التحق «الرافعي» بمدرسة الحقوق الخديوية بالقاهرة تخرج فيها عام 1909م.
رحلة بين الصحافة والسياسة
انضم أمين الرافعي إلى الحزب الوطني في عهد مؤسسه الزعيم مصطفى كامل، وكتب في جريدة «اللواء»، لسان الحزب، أثناء دراسته بمدرسة الحقوق؛ فكان ذلك بداية عمله بالصحافة، واستمر يكتب بها بعد تخرجه من الحقوق، ثم انضم إلى هيئة تحريرها حتى تم تعطيل جريدة اللواء نهائيًا في 31 أغسطس 1912م؛ فاتجه بعد ذلك للكتابة بجريدة «العلم» حتى تم تعطيلها هي الأخرى نهائيًا في 7 نوفمبر 1913م، ثم تولى رئاسة تحرير جريدة «الشعب» حتى أعلن هو نفسه توقفها عن الصدور في 27 نوفمبر 1914م، حتى لا ينشر بها خبر إعلان الحماية البريطانية على مصر الذي لاح آنذاك في الأفق، وكان أمين الرافعي من أوائل المعتقلين لمعارضته فرض الحماية على مصر، ومعارضته لمنع عودة الخديوي عباس حلمي الثاني، إلى البلاد في 19 ديسمبر 1914م.
المناضل أَبِيَّ النَّفْسِ
ويذكر الزعيم الوطني سعد زغلول في مذكراته أنه تدخل لدى رئيس الوزراء حسين رشدي، حينذاك ولدى السلطان حسين كامل للإفراج عن أمين الرافعي وزملائه من أعضاء الحزب الوطني المعتقلين، وبعدها استدعى السلطان حسين كامل أمين الرافعي بعد الإفراج عنه وطلب منه إعادة إصدار جريدته «الشعب»، وأثناء خروجه من عند السلطان وضع كبير الأمناء في جيبه خمسة آلاف جنيه؛ فرفض أمين الرافعي بإباء وشمم رغم قيمة هذا المبلغ الكبيرة بمقاييس ذلك الزمان، ولم يكن في جيبه سوى عشرة قروش.
زعماء الشباب الوطنيين
تم اختيار أمين الرافعي سكرتيرًا لنادي المدارس العليا، الذي كان يضم غالبية زعماء الشباب الوطنيين حتى ديسمبر 1914م، عندما أغلقته سلطات الاحتلال البريطاني بعد فرض الحماية على مصر، ويذكر عن جهاد أمين الرافعي الوطني ضد الاحتلال البريطاني أنه دعا في 14 سبتمبر 1909م إلى إعلان الحداد العام بمناسبة ذكرى احتلال القاهرة في 14 سبتمبر 1882م.
مهاجمًا للاحتلال البريطاني بقوة
ونشر أمين الرافعي سلسلة مقالات عن قناة السويس من نوفمبر 1909م وحتى يناير 1910م، ودعا في عام 1911م إلى تنشيط الحركة النقابية، ووقع في خلاف شديد مع الخديوي عباس حلمي الثاني واستقال من رئاسة تحرير جريدة «العلم»، جريدة الحزب الوطني عندما أحس بتقارب بين أعضاء اللجنة الإدارية للحزب وبين الخديوي.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في عام 1918 قام أمين الرافعي بشراء جريدة الأخبار» في عام 1920م لتكون منبره الذي يدافع من خلاله عن قضايا الوطن، ومهاجمة الاحتلال البريطاني.
أمين الرافعي وحزب الوفد
رأى أمين الرافعي في حزب الوفد قوة فتية جديدة يحسن الربط بينها وبين الحزب الوطني، وأصبح من عناصر الحزب القريبة إلى الوفد وإلى زعيمه سعد زغلول، ولعب دورًا مهمًا في حركة جمع التوكيلات للوفد واعتبره وكيلًا عن الأمة، وبذل أمين الرافعي جهودًا مخلصة للتوفيق بين أعضاء الحزب الوطني والقيادة الوطنية الجديدة التي يرأسها سعد زغلول.
وكتب «الرافعي» مقالًا تحت عنوان «ثقتنا بالوفد» .. ذكر فيه: «إن الوفد منذ أن عهدت إليه الأمة بأداء المهمة المقدسة قام بها خير قيام ولم يترك فرصة دون أن ينتهزها، ولم يدع لحظة دون أن يرفع صوته مطالبًا بحقوقها معلنًا تمسكه بهذه الحقوق وبالتوكيل الذي بين يديه.
نبذ التعصب الحزبي
وظلت العلاقات بين سعد زغلول وأمين الرافعي تقوى بمرور الأيام دون أن تؤثر فيها انتقادات أي منهما للآخر في بعض المواقف، وعندما اعتقلت سلطات الاحتلال سعد زغلول وصحبه في 8 مارس 1919م، هاجم «الرافعي» هذا الحدث، ثم اندلعت الثورة فانصهر أمين الرافعي في بوتقتها مطالبًا الحزب الوطني بأن يكون وقودًا لهذه الثورة، ومطالبًا بعودة الزعيم سعد زغلول، وقال صراحة إن الثورة أكبر من الأحزاب ودعا إلى نبذ التعصب الحزبي.
اختير أمين الرافعي سكرتيرًا مساعدًا للجنة الوفد المركزية، وواصل مسيرته المؤيدة للوفد والمحبة لسعد زغلول، وهاجم الاعتقال الثاني لسعد زغلول وأصحابه من أعضاء الطبقة الأولى للوفد إلى جزيرة سيشل في 23 ديسمبر 1921م، وظل يطالب بالإفراج عنهم وعودتهم إلى الوطن، حتى تم الإفراج عنهم.
وعندما حاولت قوى الاحتلال والقصر أن تحول بين سعد زغلول ورئاسة الحكومة بعد أن حصل حزب الوفد على الأغلبية الكاسحة في انتخابات يناير 1924م، انطلق أمين الرافعي يدافع عن حق الوفد في رئاسة الحكومة مادام فاز بالأغلبية، وظل «الرافعي» يناصر الوفد وزعيمه إلى أن اختلف مع سعد زغلول حول رأي في جوهر القضية الوطنية، فانحاز عن الوفد، وغاضب رجاله، واستمر يجاهد بقلمه مستقلًا حتى رحل عن عالمنا.
مؤلفات أمين الرافعي
إلى جانب المقالات التي كتبها أمين الرافعي، أنجز بعض المؤلفات، منها: مفاوضات الإنكليز في المسألة المصرية، مذكرات سائح.
رحيل وأثر باق
رحل المناضل والكاتب والصحفي أمين الرافعي عن عالمنا وبعد حياة حافلة بالعمل الوطني والعطاء، في 29 ديسمبر 1927م، 1346هـ، عن عمر ناهز 41 عامًا، وتم تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير في جنازة شعبية شارك فيها أدباء وكتاب ومفكرين وسياسيين، لكنه سيظل صفحة مهمة ، ومضيئة في تاريخ الحركة الوطنية والنضال وعلامة من علامات الصحافة المصرية الصادقة المواجهة للاحتلال من أجل حرية وطننا الغالي مصر.