يأتي الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية الذي يحل اليوم الثلاثاء 18 ديسمبر تزامنًا مع ذكرى الاحتفاء بتأسيس مجمع اللغة العربية الذي أسس في ديسمبر 1932، وترأسه مفكرين وقادة تنوير مصريين، أثروا اللغة العربية في مصر والعالم العربي، ممن نفخر بتاريخهم وإنجازاتهم، رموزًا وأعلامًا مصرية عربية، وبهذه المناسبة نستعرض تاريخ هؤلاء الأعلام وأثرهم الحاضر بيننا.
محمد توفيق رفعت باشا
محمد توفيق رفعت باشا هو أول رئيس لمجمع اللغة العربية في القاهرة، وشغل هذا المنصب حتى وفاته، ومن أوائل الذين اختيروا لعضوية مجمع اللغة العربية عند إنشائه، في 1932، بالمرسوم الملكي الصادر عام 1933م.
تعلم في مدرسة الألسن في عهدها الأول، ثم مترجمًا بوزارة المعارف، وسافر إلى فرنسا لدراسة القانون، ثم عين بعد عودته إلى مصر مساعدًا للنيابة ثم قاضيًا، ثم مديرًا للإدارة القضائية بوزارة العدل "الحقانية سابقًا"، ثم مستشارًا بمحكمة الاستئناف الأهلية.
واختير وزيرًا للمعارف عام 1919 في وزارة نسيم باشا الأولى، ثم وزيرًا للمواصلات في وزارته الثانية ثم وزيرًا للمعارف في وزارة يحيى إبراهيم باشا، فوزيرًا للخارجية في نفس الوزارة بعد تعديلها، وظل في مناصب الوزارة عدة مرات في عهود مختلفة إلى أن انتخب رئيسًا لمجلس النواب في 1931، وتجدد انتخابه حتى 1934.
واشتهر رفعت بشغفه بالأدب، وكان يكتب الشعر وبخاصة شعر المناسبات الرسمية، لكنه كان لنفسه ولم يكن يرغب نشره.
أحمد لطفي السيد
أنشأ أحمد لطفي السيد أول جامعة أهلية في مصر عام 1908 عرفت بالجامعة المصرية، وتحولت في 1928 إلى جامعة حكومية، حملت اسم "جامعة فؤاد الأول" ثم جامعة القاهرة في ما بعد، ونادى بتحديد مفهوم للشخصية المصرية، والدعوة إلى القومية المصرية كأساس لانتماء المصريين
وترأس لطفي السيد مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وكان أحد مؤسسيه، بعد توليه عدة حقائب وزارية أخرى، عين خلالها وزيرا للمعارف ثم وزيرًا للخارجية ثم نائبًا لرئيس الوزراء في وزارة إسماعيل صدقي باشا.
عمل لطفي السيد رئيسًا لدار الكتب المصرية، ومديرًا للجامعة المصرية آنذاك، وأسس عددًا من المجامع اللغوية والجمعيات العلمية، وهو أحد مفكري وفيلسوفي مصر وأهم رواد حركة النهضة والتنوير في مصر، ووصفه عباس العقاد بأفلاطون الأدب العربي.
طه حسين
عُيِّن عميد الأدب العربي، وأحد أبرز شخصيات الحركة العربية الأدبية الحديثة طه حسين عضوًا عاملًا بمجمع اللغة العربية منذ سنة 1940م، وانتخب نائبًا لرئيس المجمع سنة 1960م، وهو أول من شغل هذا المنصب، ثم انتخب رئيسًا للمجمع سنة 1963م خلفًا للأستاذ أحمد لطفي السيد، وظل في هذا المنصب حتى وفاته في 1973م، كما عمل عضواً في العديد من المجامع الدولية، وعضواً في المجلس العالي للفنون والآداب.
وبفضل ذاكرة طه حسين الحافظة وذكائه المتقد تعلم اللغة العربية والحساب والقرآن الكريم في سن صغيره بدعم من شيخه محمد جاد الرب، وكان من المقدسين للغة العربية، وتحدث عنها في العديد من مؤلفاته.
أراد طه حسين جعل تدريس اللغة العربية وآدابها شأن العلوم التى ظفرت بحريتها من قبل، ودعا إلى نهضة أدبية، وعمل على الكتابة بأسلوب سهل واضح مع المحافظة على مفردات اللغة وقواعدها، كما دعا إلى أهمية توضيح النصوص العربية الأدبية للطلاب، إضافة إلى أهمية إعداد المعلمين الذين يقومون بتدريس اللغة العربية، والأدب ليكونوا على قدر كبير من التمكن والثقافة.
وجاءت ضمن أهم مقترحاته التي تقدم بها تيسير الكتابة على الجمهور، وإنشاء جائزة لمن يقدم أحسن مشروع في تيسير الكتابة، ودعوته إلى مؤتمر عالمي كبير لدراسة مشاكل اللغة، بالإضافة إلى عدد كبير من مؤلفاته التى ساهمت فى الدفاع والحفاظ على لغتنا العربية، والتي منها "حديث الأربعاء" و"فى الشعر الجاهلى"، "ومستقبل الثقافة فى مصر".
إبراهيم بيومي مدكور
اختير عالم اللغة الفلسفي المصري، والأستاذ الجامعي، والمصلح الاجتماعي والسياسي إبراهيم بيومي مدكور، لعضوية مجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1946م بين عشرة من أعضائه اكتمل بهم عدد أعضاء المجمع 40 عضوًا، وقد أطلق عليهم "العشرة الطيبة"، وكان المتحدث باسمهم فكانت كلمته الأولى في المجمع باسم اللغة المثالية، ومنذ ذلك التاريخ وهو يتابع نشاطه في المجمع من خلال الإيمان برسالته وأهدافه، فاشترك في عدد من لجان المجمع لعل أهمها لجنة الفلسفة والعلوم الاجتماعية، ولجنة المعجم الكبير التي اختصها بنصيب وافر من علمه ووقته، وعمل على دفع عجلة النشاط المجمعي، واختير عضوًا في مكتب المجمع، ثم كاتب سره في 1959م، ثم أمينًا عامًّا له في 1961م، ورئيسًا له في سنة 1974م خلفًا للدكتور طه حسين آنذاك.
وكان لنشاطه الإداري أثر في النشاط العلمي للمجمع، فأخرج المعجم الوسيط في جميع طبعاته وآخرها الطبعة الثالثة، ومعجم ألفاظ القرآن الكريم، ومجموعات المصطلحات التي تعد ذخيرة كبيرة في تعريب التعليم الجامعي بشتى الميادين والفنون، وبفضل إسهاماته أصبح للمجمع نشاطًا كبيرًا في مجال التبادل الثقافي بينه وبين مختلف الهيئات العلمية في العالم كله.
ولمدكور بحوث متلاحقة في دورات المجمع المختلفة منها نشأة المصطلحات الفلسفية في الإسلام، ومنطق أرسطو والنحو العربي، ومدى حق العلماء في التصرف في اللغة، ولغة العلم.
ومنذ أن اختير أمينًا عامًّا للمجمع وحتى اختياره رئيسًا له كان يلقي كلمة عن نشاط المجمع في افتتاح المؤتمر يبين فيها النشاط الذي أنجزه المجمع في خلال المدة ما بين المؤتمرين. وكانت توضع تحت العنوان نفسه "المجمع بين مؤتمرين" أو "المجمع في عام".
أخرج كتابين عن المجمع: أحدهما مجمع اللغة العربية في ثلاثين عامًا، ماضيه وحاضره. وهو كتاب يؤرخ للمجمع من الناحية العلمية والفنية، وكذلك من ناحية تطوره القانوني منذ نشأته حتى يوم صدور الكتاب. وثاني هذين الكتابين "مع الخالدين" وهو ينقسم إلى قسمين: أولهما خاص بتاريخ نشأة المجمع، وما هو قبل صدور قانونه في 1932م، ويتناول كذلك فصولاً عن المجامع اللغوية الأخرى، وفصلاً عن اتحاد المجامع العربية، الذي يتولى رياسته منذ إنشائه.
أما الجزء الثاني من هذا الكتاب فيعد تاريخًا لرحلة مدكور مع الأعضاء، استقبالاً ووداعًا، وقد ضمنه الكلمات التي ألقاها في استقبال بعضهم، في فصل مستقل من هذا القسم، وفي فصل آخر منه وضع الكلمات التي ألقاها في وداع بعضهم.
شهد المجمع في عهده ازدهارًا في حركة مطبوعاته، وخاصة المعجمات، كما نشط اتصال المجمع بالحركة العلمية والثقافة الدولية والمحلية. وكذلك خرج عن صمته وانزوائه، وأصبحت الهيئات العلمية والإعلامية تسعى إليه باحثة عن إنتاجه. وبذلك اتخذ المجمع وضعه الطبيعي بين مراكز الإشعاع الثقافي والحضاري في مصر والعالم.
أحمد شوقي عبد السلام ضيف
أديب وعالم لغوي ومفكر موسوعي مصري، والرئيس السابق لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، ويعد علامة من علامات الثقافة العربية، وأشهر النقاد العرب. ألّف عددًا من الكتب في مجالات الأدب العربي، وناقش قضاياها.
وكان الدكتور شوقي ضيف عضوًا في مجمع اللغة العربية بدمشق، وعضو شرف في مجمع الأردن، والمجمع العراقي، وأّلف 50 مؤلفًا تقريبًا منها كتاب تجديد النحو، وتيسيرات لغوية، والفصحى المعاصرة، والرد على النحاة، وسلسلة تاريخ الأدب العربي وهي من أشهر ما كتب. استغرقت منه ثلاثين عاما شملت مراحل الأدب العربي منذ 15 قرناً من الزمان، من شعر ونثر وأدباء منذ الجاهلية وحتى عصرنا الحديث، سردها بأسلوب سلس، وبأمانة علمية، وبنظرة موضوعية. وتعتبر هذه السلسلة هي مشروع حياته بحق، وبلغ عدد طبعات أول كتاب في السلسلة "العصر الجاهلي" في حوالي 20 طبعة، إلى جانب العديد من المؤلفات العلمية التي ضمن دراسات إسلامية ودراسات بلاغية ونقدية، ودراسات في تاريخ الأدب العربي بمختلف عصوره، ودراسات لغوية، والترجمة والسيرة الذاتية، وفي تحقيق التراث، وفنون الأدب العربي، والدراسات الأدبية.
محمود حافظ
ويأتي انخراط محمود حافظ في مجمع اللغة العربية بالقاهرة في 1956، حين كان يتعاون مع نذير بك، أحد أعضاء المجمع، في ترجمة بعض المصطلحات إلى العربية، ثم اخُتير خبيرًا في المجمع في 1964.
شارك حافظ في العديد من لجان المجمع قبل أن يُنتخب بالإجماع نائباً لرئيس المجمع في 1996 ثم خلفًا لشوقي ضيف في رئاسة المجمع في 2005 بعد انتخابه بالإجماع كذلك حتى وفات في 2011، ولم يحدث في تاريخ المجمع هذا الإجماع، وبذلك أصبح حافظ أول علمي في تاريخ المجمع يشغل كرسي الرئاسة فيه.
ومن خلال مجمع اللغة العربية، أجري العشرات من الدراسات حول المعاجم العلمية، وتعريب العلوم، وشارك في ترجمة وتعريب الآلاف من المصطلحات، من خلال لجان الأحياء، والزراعة، والكيمياء، والصيدلة، والنفط.
دافع حافظ عن العربية من اتهامها بأنها لا تستوعب العلوم الحديثة معتبرًا ذلك افتراء، وطالب ببذل الجهد المتواصل في تعريب العلوم ومنها الطب، كما حذر من اتساع الهوة بين الأجيال الجديدة والعربية معتبرًا سبب ذلك انتشار المدارس الأجنبية والتي لا تهتم بالعربية.
ومحمود حافظ هو المصري الوحيد الذي جمع بين رئاسة المجمعَيْنِ "مجمع اللغة العربية، والمجمع العلمي المصري" في آنٍ واحد، كما حاز عضوية المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي، وعضوية مجلس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ورئيس الجمعية المصرية لتاريخ العلوم، ورئيس الجمعية المصرية لعلم الحشرات، ورئيس الجمعية العلمية المصرية العامة، ورئيس اللجنة القومية للعلوم البيولوجية بالأكاديمية، ورئيس لجنة جوائز الدولة التقديرية وجائزة مبارك في العلوم الأساسية بالأكاديمية، وعضو المجمع المصري للثقافة العلمية ورئيس سابق، وعضو بالأكاديمية المصرية للعلوم ورئيس سابق، وعضو مؤسس للجمعية المصرية لعلم الطفيليات ورئيس سابق.
صلاح فضل
شغل الأديب والأستاذ الجامعي، العديد من المناصب التعليمية وغير التعليمية في مصر وخارجها، وكان رئيسًا موسوعيًا لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، فكان صاحب مسيرة علمية حافلة بالعطاء والإنجاز، وبصير بفنون الأدب العربي والأدب المقارن ونظرية الأدب ومناهج النقد الحديث، والترجمة.
عمل فضل معيدًا في كلية دار العلوم وجامعة القاهرة، وجامعة الأزهر، وجامعة عين شمس في مصر، والجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك بإسبانيا، والتي أنشأ بها قسم اللغة العربية وآدابها، وجامعة صنعاء في اليمن والبحرين، وترأس تحرير مجلة المعهد المصري للدراسات الإسلامية في مدريد، وعمل مديرًا، كما ترأس قسم اللغة العربية في جامعة عين شمس، وغيرها من مساهمات لمجلس مجمع اللغة العربية بالقاهرة ومساهمات أكاديمية أخرى.
وكان لفضل نشاط مجمعي ملحوظ؛ فهو عضو في لجنة الاقتصاد، ومقرر للجنة الأدب، وصاحب مشروع يعمل على تطوير العمل بالمجمع وتوسيع دائرة نشاطه ونشر رسالته، وقدم هذا المشروع إلى مجلس المجمع من أجل الموافقة عليه.
كما ترأس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، اختير أستاذاً شرفياً للدراسات العليا بجامعة مدريد المستقلة، ومستشارًا لمكتبة الإسكندرية، وانتخب عضواً بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، والمجمع العلمي المصري.
وأثرى فضل المكتبة العربية من خلال إصدار مؤلفات متعددة وفي شتى المجالات، من بينها الأدب والنقد الأدبي والأدب المقارن، وبفضل اصداراته، أُثريت رؤى الباحثين في مجال الشعر والمسرح والرواية.
قدم فضل مؤلفات عديدة في مجال النقد الأدبي منها حواريات في الفكر الأدبي، ونبرات الخطاب الشعري، وجماليات الحرية في الشعر، ولذة التجريب الروائي، ومن بين المؤلفات التي نشرها في مجال الأدب "من الرومانث الإسباني: دراسة ونماذج"، و"منهج الواقعية في الإبداع الأدبي"، و"تأثير الثقافة الإسلامية في الكوميديا الإلهية لدانتي" و"أساليب السرد في الرواية الربية، و"ظواهر المسرح الإسباني" وغيرها الكثير.
وشارك أكاديميًا في اللجنة التنفيذية العليا لمؤتمر المستشرقين الذي عقد في المكسيك، وفي تأسيس مجلة "فصول" للنقد الأدبي، وعمل نائباً لرئيس تحريرها على فترات متفاوتة، كما اختير عضوا شرفيا بالجمعية الأكاديمية التاريخية الإسبانية، وشارك في تأسيس الجمعية المصرية للنقد الأدبي، ورئيسًا لها، وشغل منصب عضو المجلس الأعلى للثقافة والإعلام بالمجالس القومية المتخصصة، ومنصب عضو اللجنة العلمية العليا لترقية الأساتذة في الجامعات المصرية، ورئيس اللجنة العلمية لموسوعة أعلام علماء وأدباء العرب والمسلمين بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.