جائزة «نوبل»، هي أشهر الجوائز العالمية في حقول الإبداع والخلق والابتكار المتنوعة، وعقب نيل الجائزة للفائزين بها يتعرف عليهم العالم أكثر ويحظون بشهرة واسعة عبر قارات العالم كله، مما يدفع بنا للبحث عن رحلتهم ومسيرتهم، وإسهاماتهم للبشرية وتنميتها وتطورها.
ومع قسم الثقافة ببوابة «دار الهلال»، نحتفي معًا بحاصدي جائزة نوبل في الآداب لنسطر بعضًا من تاريخ إبداعاتهم ورحلتهم، من عقود كثيرة منذ بداية القرن بداية القرن العشرين، منح الجائزة لأول مرة في عام 1901م، في فروع الكيمياء والأدب والسلام والفيزياء وعلم وظائف الأعضاء أو الطب.
نلتقى اليوم مع «هارولد بنتر»
«هارولد بنتر» كاتب مسرحي بريطاني ولد 10 أكتوبر 1930 . في لندن لأبوين من الطبقة العاملة، بدأ حياته المهنية كممثل ومسرحيته الأولى «الغرفة» قُدمت في جامعة بريستول عام 1957 م، ونصه المسرحي الثاني والذي يعدّ الآن من أفضل ما كتب «حفلة عيد الميلاد»، قُدم في عام 1958 م، وواجه فشلًا تجاريًا رغم ترحيب النقاد بها، لكنها قدمت مرة أخرى بعد نجاح مسرحيته «الناظر» 1960م، والتي جعلته مسرحيا مهما، وهذه المرة استقبلت بشكل جيد.
و في عام 1948 حصل «بنتر» على منحة لدراسة التمثيل في الأكاديمية الملكية للفن المسرحي لكنه لم يكمل دراسته بها، وفي يناير عام 1951م قام لأول مرة كممثل محترف بتمثيل دور شيكسبيري، حيث اشترك في تمثيل مسرحية «هنري الثامن» وبعدها استأنف بنتر تدريبه على التمثيل في المدرسة المركزية للإلقاء والدراما.
سمات مسرح هارولد بنتر
مسرحيات هارولد بنتر الثلاثة الأولى وعمل آخر له، وهو «العودة إلى البيت» في عام 1964 م، جعلت عمله يصنف على أنه من كوميديا التهديد، حيث تبدأ المواقف بشكل برئ جدًا ثم تتطور بطريقة عبثية لأن الشخصيات في المسرحية تتصرف بطريقة غير مفهومة، لا للجمهور ولا حتى لبقية الشخصيات، واعتبر هذا الأمر تأثيرًا واضحًا لصموئيل بيكيت على بنتر، وأصبح الرجلان صديقين من يومها.
ويتسم مسرح «بنتر» بالغموض لأنه تأثر بكتاب العبث وخاصة صموئيل بيكيت كما أنه تأثر بتشيخوف ودستويفسكي وهيمنجواي، ويستخدم بنتر الكلمات لأغراض غير الأغراض المألوفة فهو يخلق من إيقاع الكلمات إحساسا بالخوف والتهديد فوصفت أعماله بأنها عنيفة وسميت مسرحياته «كوميديا التهديد».
كما اعتمد «بنتر» على تكرار الكلمات والألفاظ وعلى تجريدها من معناها المصطلح عليه بحيث تكتسب كيانا مستقلا عن المعني الذي يحددها لها.
«شاعر الصمت»
أطلق على «بنتر» لقب «شاعر الصمت» لأنه يكثر من استخدام فترات الصمت في الحوار وهو يهدف من وراء ذلك جعل المتفرج يتصور الاضطرابات النفسية أو المخاوف والأحاسيس المختلفة التي تضطرم في نفسية الشخصيات.
قضايا وموضوعات
و يهتم «بنتر» بالقضايا الفلسفية التي تبحث فيها الوجودية مثل مشكلة البحث عن الذات ومشكلة استحالة التثبيت من الحقيقة ومشكلة انعدام الاتصال بين البشر، حيث أصبح كل إنسان حبيس مخاوفه وأسير عالمه الخاص.
كذلك يهتم«بنتر» بالبحث في الدوافع المختلفة الكامنة وراء تصرفات الإنسان وأفعاله. ويتعرض لعلاقة الإنسان والقوى الخارجية والتي قد تتجسد في النظام القائم أو التقاليد والعادات الاجتماعية أو القدر المحتوم على الإنسان أو بين الإنسان وربه، ويصور محاولة الإنسان في التحرر من القيود التي تفرضها عليه هذه القوى الخارجية.
وفي عقد السبعينات، بالقرن الماضي، تفرغ «بنتر» للإخراج أكثر، وعمل كمساعد مخرج في المسرح الوطني عام 1973 م وأصبحت مسرحياته أكثر قصرا ومحملة بصور الاضطهاد والقمع. وفي عام 2005 م أعلن بنتر اعتزاله الكتابة وتفرغه للحملات السياسية.
سياسيا مدافعًا عن الحقوق
كان لـ «بنتر» نشاطا سياسيا مميزًا دفاعًا عن الحقوق والحريات بغض النظر عن المواقف الرسمية لبلاده، في عام 1985 م كان مع المسرحي الأمريكي آرثر ميللر في زيارة إلى تركيا، وهناك تعرّف على أنواع التعذيب والقمع التي يتعرض لها المعارضون، وفي حفل رسمي في السفارة الأمريكية أقيم على شرف ميللر، تقدم«بنتر» ليلقي كلمة عن أنواع التعذيب والإذلال الجسدي التي يتعرض لها المعارضون للنظام الذي كانت الحكومة الأمريكية تدعمه، و أدى الأمر إلى طرده من الحفل وخرج ميللر متضامنا معه من الحفل الذي أقيم على شرفه، وظهر أثر زيارته لتركيا في مسرحية «لغة الجبل» 1988 م.
عارض «بنتر» مشاركة بلاده لغزو أفغانستان كما عارض حرب العراق، ونعت الرئيس الأمريكي جورج بوش «بالمجرم الجماعي»، وقارن بينه وبين «هتلر»، ووصف رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير «بالأبله».
في 13 أكتوبر عام 2005م، أعلنت الأكاديمية السويدية، فوز هارولد بنتر بجائزة نوبل للأداب لعام 2005 م، وجاء في تقرير اللجنة سبب فوزه بالجائزة و ذلك «بأن أعماله تكشف الهاوية الموجودة خلف قوى الاضطهاد في غرف التعذيب المغلقة».
ورحل هارولد بنتر عن عالمنا في مثل هذا اليوم 24 ديسمبر 2008م.